يحيى علي نوري -
وصاية الانقلابيين على الشعب
يحلو لأبواق الانقلابيين هذه الأيام الحديث بإسهاب عما يسمونه بالوصاية الدولية على اليمن، وهو حديث لا يخلو من المكابرة والمزايدة المفرطة في التدليس والتجهيل بل وإلى حدود «الاستحمار» المتعمد للرأي العام اليمني والخارجي.. والهدف هنا من وراء كل هذا التضليل عن الوصاية الدولية هي التستر على عدم قدرة هؤلاء الانقلابيين على التعاطي المقتدر مع كافة افرازات الأزمة اليمنية على المستوى الاقليمي والدولي، كما يهدف في الوقت ذاته إلى تقديم صورة مشوهة لطبيعة ما يدور في اليمن على أنه ثورة وليس أزمة من شأنها أن تؤثر على الرأي العام المحلي في فهمه لكافة أبعاد المشهد اليمني الراهن وتجعله عاجزاً عن التعرف على كافة المعطيات والمؤشرات والمؤثرات التي تعتمل في اليمن كنتيجة للأزمة المصطنعة والتي فشل الانقلابيون في الإعداد لها فشلاً ذريعاً وكذا التعاطي المقتدر مع كل افرازاتها اليومية على المستويين المحلي والخارجي. وحقيقة ان زعم الانقلابيين ان الوصاية الدولية التي ترغب القوى الدولية الفاعلة استحكامها على اليمن حالياً تهدف إلى وأد ما يسمونه بالثورة الشعبية ومن ثم اخضاع كافة الأطراف المتباينة لأجواء ومصالح هذه القوى وعلى رأسها بالطبع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والشقيقة المملكة العربية السعودية، ما هو إلا صورة واضحة وجلية بأن الانقلابيين يتعمدون عدم فهم كافة التداعيات للأزمة اليمنية على المستوى الدولي والاقليمي ويحاولون- عبثاً- ايجاد تفسيرات على عكس الحقائق وحتى لايقال عنهم بأنهم قد فشلوا في تحقيق ثورة شعبية حقيقية لاسقاط النظام وهو الهدف الذي لم يتحقق لهم على الواقع بالرغم من مرور نصف عام على أزمتهم المصطنعة. فأيها مهم للرأي العام المحلي والأجنبي أن هناك ثورة سلمية وشبابية وشعبية، الخ، من المسميات التي يطلقونها لم تجد الآذان الصاغية خاصة من قبل كافة المهتمين والمختصين برصد التفاعلات السياسية والاجتماعية على الساحة اليمنية والذين باتوا- أي هؤلاء المختصين- يعبرون عن عدم اقتناعهم لادعاء كهذا لا يعكس الواقع اليمني وافرازاته.. ولعل خير دليل على ذلك حديث الانقلابيين اليوم عن ما يسمونه بقايا النظام وما يرددونه من شكوى مريرة عن هذه البقايا.. وهي شكوى بالطبع تثير حالة الاندهاش والاستغراب لديهم لكون معرفتهم بالثورات على أنها افعال وطنية وشعبية عارمة تفرض في شعوبها واقعاً جديداً يغير باقتدار وقوة وعنفوان كافة المعطيات الحياتية في الشعوب التي اندلعت بها هذه الثورات وبأن الشكوى مما تسميه بالبقايا يعد امراً جديداً على الحديث عن الثورات التي طالما تستند مهمة القضاء على البقايا لأقسام الشرطة لتقوم بالبحث عنها، فالبقايا عادة ما تفر وتختفي عن الأنظار وواقع كهذا من الافلاس السياسي والشعبي الذي يعاني منه الانقلابيون قد كشف صراحة للرأي العام بل وعلى مستوى رجل الشارع البسيط فظاعة ما يمارسونه من تجهيل للناس والاضرار بالمصلحة الوطنية لشعبهم ووطنهم كما يمثل هذا السلوك المتخبط التفسير الموضوعي لما يروجونه اليوم من ادعاءات ومزاعم وأهداف شيطانية واستعمارية تقف وراء ما يسمونه بالوصاية الدولية على اليمن.. كما أن نكران هؤلاء الانقلابيين لطبيعة المصالح الاستراتيجية بين بلادهم والشعوب الدولية والاقليمية وتفسيره على هذا النحو من الافلاس السياسي قد قدمهم للرأي العام الدولي على أنهم مجرد عصابات لا هدف لها سوى القيام بممارسة القرصنة على السلطة والاستيلاء عليها في ظل ما يحفل به الانقلابيون من أجواء واتجاهات متطرفة لأصحابها في ممارسة الأعمال الإرهابية والتخريبية والتطرف بكل اشكاله وأنواعه وهو الأمر الذي دلل مبكراً للشعب والمجتمع الدولي عدم وجود بديل قادر على إدارة الشأن اليمني والسير به باتجاه الاستقرار والسلام والأمن الاجتماعيين والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وبناء الدولة اليمنية الحديثة وتعزيز مؤسساتها الدستورية. كما أن ما يفضح زيف هذه الادعاءات والمزاعم من الوصاية الدولية هو موقف المجتمع الدولي لمستوى مختلف القوى الفاعلة فيه وعلى رأسه بالطبع الأمم المتحدة وهو الموقف الذي يتأكد منذ اللحظة الأولى للأزمة المصطنعة.. والمؤكد ان اليمنيين هم وحدهم من يمتلك الحل الناجع للأزمة وبأن بلوغ ذلك لايمكن أن يتأتى إلا من خلال الإرادة الحقيقية لليمنيين حتى يستطيعوا ايجاد المعالجات الناجعة لأزمة بلادهم وأن يمروا بها إلى مرافئ السلامة وهو تأكيد يمثل خير دليل على فضح زيف ادعاء الانقلابيين عن الوصاية الدولية ويعبر في الوقت ذاته عن فهم واستيعاب دولي كامل لطبيعة الأزمة اليمنية وتعقيداتها بالإضافة إلى تأثيرات كل ذلك على الحاضر والمستقبل اليمني والأمن القومي والدولي بفضل ما تتمتع به اليمن من موقع يجعلها من البلدان التي تتطلب المزيد من الجهود لمساعدتها على تجاوز اشكالاتها وبالطرق السلمية الدستورية ويحفظ لها ولجيرانها وللمصالح الدولية حالة من الاستقرار التي تحقق للشعب اليمني الأرضية القوية والصلبة لبناء مستقبله بعيداً عن كافة المنغصات. وخلاصة إذا كان الانقلابيون حريصين على حاضر ومستقبل بلادهم فإن عليهم تأكيد ذلك من خلال الممارسة والمسئولية الوطنية التي تحتم عليهم السير باتجاه الحوار المسؤول الذي من شأنه ان يحقق المخرج الواقعي للأزمة اليمنية وذلك هو الطريق الأمثل والوحيد الذي يترجمون من خلاله حبهم لليمن وخوفهم على مصالحه العليا وتجنيبه كل ما من شأنه أن يعكر مسيرته ومستقبله الأفضل الذي ينشده ويعيد له من خلاله زخمه التاريخي الحضاري الإنساني. وإنه وقبل ان يحلو لهؤلاء الانقلابيين الحديث عن الوصاية الدولية عليهم أن يتحدثوا أيضاً عمّا يمارسونه هم اليوم من وصاية على شعبهم وهي وصاية تعبر صراحة عن مصادرة حق الشعب وإرادته الحرة التي عبر عنها عبر صناديق الانتخابات ويحاولون اليوم- عبثاً- ضرب كل ذلك عرض الحائط، لا لشيء سوى لتحقيق أهدافهم ومآربهم على حساب المصالح العليا للوطن.. والمواطن.