خيرالله خيرالله -
"الأستاذ عبدالعزيز"..اليمن يخسر رجل الاعتدال!
خسر اليمن بغياب عبدالعزيز عبدالغني واحدا من أهمّ رجالاته في وقت يبدو البلد في أشد الحاجة الى مثل هذا النوع من الشخصيات القادرة على لعب دور تصالحي في كل المجالات. فعبد العزيز عبدالغني الذي لم يعرف سوى بـ"الاستاذ عبد العزيز"كان بالفعل "أستاذا". كان رئيسا للوزراء مرات عدة وعضوا في مجلس الرئاسة، في مرحلة ما بعد الوحدة بين العامين 1990 و1994، ثم رئيسا لمجلس الشورى، الذي كان يضم عددا لا بأس به من افضل الشخصيات اليمنية. وكان دائما من بين مجموعة صغيرة من المقربين من الرئيس علي عبدالله صالح وندمائه.
كان عبدالعزيز عبدالغني دائما استاذا في التواضع واللباقة والاعتدال والفهم العميق للامور والابتعاد عن اي نوع من الادعاء والتبجح. كان تواضعه تواضع العارف والعالم الذي يتابع كل شاردة وواردة في هذا العالم من دون ان يظهر عليه في اي وقت انه يعرف اكثر من غيره. كان عبد العزيز عبدالغني ذلك السياسي الذي يوظف ما لديه من طاقات ومعرفة وحسن تدبير في خدمة اليمن بعيدا عن اي عقد. ولذلك كان موضع احترام الكبير والصغير في البلد. كان موضع احترام تجّار تعز واهلها وكبار المشائخ في صنعاء والمناطق المحيطة بها بغض النظر عن القبيلة التي ينتمون اليها او المنطقة التي يأتون منها.
لا شكّ ان خسارة اليمن بعبد العزيز عبدالغني كبيرة وذلك ليس بسبب علاقاته الواسعة مع كل اليمنيين من اقصى الشمال، الى اقصى الجنوب، مرورا بالوسط الذي اتى منه الى السياسة فحسب، بل بسبب قدرته على ان يكون رجل حوار وتفاهم ايضا. وهذا ما اليمن في حاجة اليه هذه الايام.
شاءت الاقدار ان يصاب الاستاذ عبدالعزيز عبدالغني اصابات بليغة في الاعتداء الذي استهدف الرئيس علي عبدالله صالح وكبار مساعديه في الثالث من حزيران- يونيو الماضي.ادت تلك الاصابات الى مفارقته الحياة قبل ايّام في الرياض التي نقل اليها من اجل العلاج.
ما حصل في ذلك اليوم لم يكن فعل غدر بعيد كل البعد عن التقاليد اليمنية فقط. ما حصل في ذلك اليوم استهدف تصفية القيادة اليمنية جسديا والقضاء على اي امل في التوصل الى تسوية ما... تسوية تؤمن انتقالا هادئا للسلطة في المستقبل القريب وتحفظ حقوق جميع اليمنيين بغض النظر عن الفئة التي ينتمون اليها في اطار صيغة جديدة متطورة تعيد اللحمة بين ابناء البلد الواحد.
الاخطر من ذلك، انه كان مطلوبا عبر تفجير مسجد النهدين في "دار الرئاسة" قطع الطريق على اي اتفاق يحافظ على المؤسسات الدستورية التي وجدت اصلا كي يكون هناك تبادل سلمي للسلطة عن طريق صناديق الاقتراع بعيدا عن الاقتتال والعقلية الانقلابية.
كان الاستاذ عبد العزيز ضرورة لليمن. الخسارة لا تعوّض. انها خسارة لجسر يربط بين اليمنيين. انه جسر همُ في اشدّ الحاجة اليه في هذه المرحلة العصيبة التي تفرض العودة الى الحوار اليوم قبل غد. ما يفتقده اليمن في هذه المرحلة هو صمامات امان تعرف ان الذهاب بعيدا في المواجهة، اي مواجهة، خسارة لجميع اليمنيين وان البلد لا يمكن ان يبنى عن طريق الغاء الآخر.
مرة اخرى، لا أحد يلغي احدا في اليمن. كان عبد العزيز عبد الغني في طليعة من يعرفون ذلك. عمل دائما، هو الذي كان يعرف حدوده تماما، على جعل صوت العقل والمنطق والاعتدال يسود. يأتي رحيله عن هذه الدنيا في وقت يحتاج البلد الى اصوات تؤمن بالحوار اوّلا وبالبحث عن صيغة للمستقبل تضمن السلم الاهلي خصوصا وتأخذ في الاعتبار تطلعات اليمنيين الى مستقبل افضل بديلا من الدخول في متاهات الحروب الصغيرة. مثل هذه الحروب لا يمكن الاّ ان تقضي على اليمن وتعرضه للتشرذم والتفتيت.
عرفت الاستاذ عبدالعزيز، وهكذا كنا نسميه، طوال ربع قرن. دخلت بيته ودخل بيتي. لم اسمع منه يوما كلمة سوء في حقّ اي انسان بغض النظر عمّا اذا كان هذا الانسان يتمنى له الخير ام لا. لم يتردد يوما في خدمة الآخرين بمقدار ما كان يسمح له بذلك موقعه والظروف المعقدة لليمن. لم يؤذ احدا. لم يتجاوز احدا ولم يعتد على احد.
كان من كبار رجالات اليمن الذين ستفتقدهم صنعاء وتعز وكل مدينة يمنية. لقد انضم الى قافلة من الشخصيات الكبيرة التي سعت الى المحافظة على البلد ومؤسساته والى العمل على التهدئة بعيدا عن اي تهوّر من ايّ نوع كان وبعيدا خصوصا عن التحديات.
تلك ميزة عبدالعزيز عبد الغني الذي يفتقده اليمن حاليا مثلما يفتقد الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر الذي كان يدرك دائما اين يجب ان تتوقف الخلافات واين تكمن المصلحة العليا للبلد... ومثلما يفتقد الشيخ مجاهد ابو شوارب ويحيى المتوكل وكثيرين آخرين من كبار رجالات البلد الذين كانوا يشكلون حواجز في وجه كل انواع التطرف. كان هؤلاء يؤمنون بان الحكمة يمانية وان الامور لا يمكن الا ان تعالج بالتي هي احسن.
سيفتقد اليمن الاستاذ عبد العزيز كلّ يوم. كانت له مكانة خاصة بين اليمنيين. كان يعرف بالسياسة اكثر من كثيرين غيره. قليلون كانوا يدركون ذلك. قليلون كانوا يعرفون اهمية الرجل الذي يخشى ان يكون رحيله نذير شؤم في مرحلة من تاريخ البلد عزّ فيها الرجال الكبار وبات عددهم لا يتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة