الناطق الرسمي باسم المؤتمر الشعبي العام- اليمن
التاريخ: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 12:38 ص
ابحث ابحث عن:
قضايا وآراء
الأربعاء, 12-أكتوبر-2011
المؤتمر نت - عبدالرحمن مراد عبدالرحمن مراد -
فتوى 94م.. وفتاوى 2011م.. وجدلية الخطاب الديني
من المحاسن التي تبعثها حركة التدافع بين بني البشر هي نفض غبار التاريخ عن قضايا فكرية ربما ظلت عالقة وتوهم الناس أنهم قد حسموا أمرهم بشأنها، فالمحرمات العشر التي قال بها بيان جمعية علماء اليمن أثارت جدلاً واسعاً في الخطاب الإعلامي المعارض للنظام دون أن نقرأ تأصيلاً نظرياً شرعياً يناقض محددات تلك المحرمات التي قال بها البيان، ولعل الجدل القائم يبعث في الذاكرة فتوى 94م التي جاءت على نقيض ما تضمنه البيان الصادر في 2011م من حيث جدلية التحريم والإباحة، إذ في حرب صيف 94م أحلّوا سفك الدم وانتهاك الاعراض والسبي والغنيمة وكذلك كانوا في حرب صعدة ولم يشعر التيار الديني بفظاعة ما يفعله إلاّ حين اكتوى بناره، واتسع جرحه من ذات السهام التي اطلقها وكانت هي سلاحه الأوحد في التعبير عن البقاء والوجود..
وحين أشرت في العدد الماضي من هذه الصحيفة قائلاً: إن البيان كان تعبيراً عن أهل السنة والجماعة ولم يكن تعبيراً عن غيرهم من الفرق والجماعات الإسلامية التي لها آراء مختلفة عن أهل السنة في موضوع الخروج على الحاكم وقد وقفت مذهولاً من تلك الجدلية في الخطاب السني التي تنازعتها المصالح وأهواء النفس مما جعلني استشعر ذات الجدلية التاريخية التي عبرت عنها الآية (70) من سورة المائدة حيث يقول تعالى: «لقد أخذنا ميثاق بني إسرائىل وارسلنا إليهم رسلاً كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقاً كذبوا وفريقاً يقتلون (70) وحسبوا أنّْ لاتكون فتنة فعموا وصموا ثم تاب الله عليهم ثم عموا وصموا كثيرٌ منهم والله بصير بما يعملون».
وأمام حالة العمى والصمم تتصل حلقات التاريخ في جدلية الإيمان والكفر عند الخوارج في العصر الإسلامي الأول وهي فرقة وصفها محمد أبوزهرة في كتابه «الإمام زيد..» قائلاً: إنهم أشد الفرق الإسلامية حماسة لآرائهم وأشدهم تهوراً واندفاعاً، وهم في دفاعهم وتهورهم متمسكون بألفاظ قد أخذوا بظواهرها، وظنوا هذه الظواهر ديناً مقدساً، وقد استرعت ألبابهم كلمة «لا حكم إلا لله» فاتخذوها ديناً ينادون به، وقد استهوتهم أيضاً فكرة البراءة من سيدنا عثمان رضي الله عنه والإمام علي كرم الله وجهه والحكام الظالمين من بني أمية، وسدت عليهم تلك البراءة كل طريق يتجه بهم إلى الحق أو ينفذون منه إلى معاني الكلمات التي يرددونها بل إلى معاني الحقائق الدينية ذاتها، ولم ينظروا إلى هذه البراءة على أنها الأصل للدخول في جماعتهم، فمن تبرأ من أولئك الأئمة ومن بني أمية سلكوه في جمعهم وتسامحوا معه في مبادئ أخرى من مبادئهم.
وبذلك التقت فيهم صفات متضاربة: «تقوى وهوس في التفكير، وغلظة وخشونة، وتهور واندفاع، ونظرات جانبية إلى النواحي الدينية...» والمتأمل في الفقرة السابقة لمحمد أبوزهرة يجد تشابهاً بين لحظتين تاريخيتين متباعدتين لحظة ذات عمق زمني ولحظة معيشة في الواقع في حال اليقين أن ذات الجدلية التاريخية وصلت ذروتها في قول «الاخوان» بالحاكمية والمجتمع الجاهلي، وهو ما يقابل الإيمان والكفر في مفهوم الخوارج، وأساس كل ذلك كما عبّرت عنه الآية (70) من سورة المائدة التعارض بين مقتضيات ومقاصد النص أو التشريع وبين هوى النفس وما ينتج عن ذلك التعارض من مفاسد، قرأها محمد أبوزهرة عند الخوارج بالأمس وعبرت عنها الآية (70) من سورة المائدة وندرك جوهرها في واقعنا وكذا حقيقتها التي لايمكن لنا نكرانها وقد تجلت من خلال المواقف المتناقضة من مضامين الفتاوى المتعددة.
إذاً حالة التضاد بين الذات والموضوع وحالة الالتباس تقود بالضرورة إلى الفتنة التي وصفها القرآن الكريم بأنها أشد من القتل ومع تعدد الكيانات والمسميات لأولئك الذين يصدرون خطاباً دينياً إذ نقرأ أو قرأنا فتوى لعلماء عدن وحضرموت، وفتوى لمجلس علماء أهل السنة بحضرموت، وفتوى للمجلس الأعلى لجمعية الحكمة اليمانية الخيرية وبيانات أشبه بالموقف السياسي وفتاوى لهيئة علماء اليمن التي يرأسها الزنداني، وبيان جمعية علماء اليمن الصادر أواخر سبتمبر 2011م والذي تضمن الحرمات العشر، كل ذلك وأكثر مما لم نحط به علماً كان تعبيراً عن جماعة أهل السنة إذ ظل الخطاب الديني الزيدي غائباً عن مجريات الحدث أو متداخلاً في نسيج جمعية علماء اليمن، واليقين المطلق أنه يستظل التقية حتى تنقشع الغمَّة، إذ لم نشهد كياناً مؤسسياً واحداً للزيدية كما شهدنا تعدد الكيانات عند أهل السنة والسلفية وتبعاً لذلك التعدد في الكيانات تعدد في الخطاب رغم واحدية المرجعية الدينية السنية.
وقد مرَّت كل البيانات والفتاوى مرور الكرام لم تثر نقيعا ولم تترك وراءها أثراً ما عدا بيان جمعية علماء اليمن الصادر يوم 28 / 9 / 2011م الذي أحدث ردود أفعال غاضبة ومنددة من كيانات لم نسمع عنها إلاّ بعد صدور البيان ورغم المضمون التوافقي الذي حمله البيان وقدرته على التعبير عن الجماعات السنية إلاّ أنه لاقى رفضاً من الجماعات ذاتها باعتبار البيان الذي يقول بحرمة سفك الدم يجيز للحاكم سفك الدماء وقتل النفس التي حرم الله وترويع الآمنين وتدمير القرى والمنازل والأحياء السكنية وتخريب الممتلكات أو نهبها ولم نجد في بيان جمعية علماء اليمن إلاّ القول بحرمة ذلك ولا أدري من أين استشفت رابطة علماء عدن التي قرأنا مضمون موقفها في صحيفة «الصحوة» القول بالجواز..، ولعل بيان جمعية علماء اليمن ورد في فحواه ما نصه: دعوة من أفتى بجواز الخروج على ولي الأمر إلى تقوى الله، ومراجعة أنفسهم ومراقبة الله في السر والعلن والالتقاء بالعلماء والتحاور معهم على محكم كتاب الله وسنة رسوله الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم.. وفي ظني أن ذلك أمر جدير بالتفكير والتنفيذ للوصول إلى صيغة إجماع في قضية جوهرية شغلت الفكر الإسلامي طوال عقود من الزمن ولم تحسم حتى الآن.
ولعل من المفارقات العجيبة أن فتوى الجوازات العشر في 94م قال بها واشتغل عليها من تضرر في 2011م من فتوى الحرمات العشر، والخاسر الأوحد في الحالين من فرقاء العمل السياسي هو الحزب الاشتراكي اليمني.. ويمكن القول إن المتضرر الأكبر من كل ذلك التضاد الديني هو اليمن في عمومه والوحدة اليمنية لما أحدثته تلك الأهواء من خلل في نسيجها العام، وسيظل الدين الذي يتم الافتراس بأنيابه بريئاً من كل أهواء البشر الذين لا يتوانون عن تكذيبه إنّ لم يوافق ما تهوى أنفسهم أو يتجهون به صَوْبَ الموت والدمار وتدمير مقومات الحياة وهم بمثل ذلك يسقطون المتعالي والمقدس حين يتحدثون باسمه في وحل الفعل السياسي باعتبار الحالة السياسية هي فن الممكن ولعل الضرورة الوطنية تفرض علينا الوقوف أمام ظاهرة تعدد الخطاب الديني وتعدد كياناته ومؤسساته وبحيث تتوحد المؤسسة الدينية في كيان مؤسسي واحد له ضوابطه الشرعية والموضوعية والعلمية في الانتماء إليه، وغاياته ومقاصده ووظيفته التي تحدُّ من ظاهرة التوسع الأفقي الذي اصبح تمدده دون قواعد مرعية أو ضوابط تهذيب وتشذيب، وبما يجعل منها منبراً للحوار والفكر والفقه والتجديد والاجتهاد ومنارة علمية تعيد لليمن مجده الثقافي والعلمي الذي أفل بفعل عوامل عدة لامجال لذكرها في هذا الحيز، ولها ندواتها ودورياتها المحكمة ومؤتمراتها العلمية ومراكز بحوث وتأصيل وحوار، وتكون مرتكزاتها الأساسية قيم الحق والعدل والخير والسلام وإشاعة روح التعايش والسلام والتسامح واحترام خيارات الآخر وقناعاته والتركيز على مصطلح «البلاغ» من حيث البعد المعرفي الإسلامي وبيان جوهريته في الدعوة بعيداً عن قيم الغلو والتطرف والإرهاب، وحين نملك مرجعية ذات قيمة وأصول وثوابت وقواعد مرعية قادرة على ضبط المصطلح وتحديد أبعاده المعرفية نكون حينها قد استطعنا ضبط إيقاع الحياة وأحدثنا التوازن المطلوب في المسارات والسياقات العامة وملكنا القدرة على الحد من ظاهرة التعدد والشتات واللبس في المصطلح وهو الأمر الذي قد يفضي إلى صفاء العقيدة دون بروز ما يشوهها من التناقض الذي نلحظه في خطابات ومواقف التيار الديني السني كما تطالعنا به وسائل الإعلام المرئية لدول الجزيرة والخليج إذ يطلُّ علينا مثقفون دينيون يباركون خطوات ثوار اليمن ولهم موقفهم المناهض من ثوار البحرين وثمة من مدح اليمن وهجا البحرين، وكأن القضية هي ذاتها تتمحور في ذات النقطة التي عبرت عنها الآية (70) من سورة المائدة «بمالا تهوى أنفسهم»..
والقطعي أن الدين يزن الأمور بميزان واحد لا تباين فيه ولا اعوجاج، ولعل علماء الخليج والجزيرة يغمزون أنظمة حكمهم أكثر مما يلمزون واقعنا في اليمن، إذ أن المشترك بين السنة والشيعة أكثر من المختلف فيه في الأصول والعقائد والجامع أكثر من المفرق وليس هناك ما يوجب الخروج من دائرة العدل والاحسان كقيم إنسانية أمر بها الله سبحانه وتعالى، ولعلهم قد يحسبون أن لاتكون فتنة واليقين.. أنهم في الفتنة وقعوا.. وأوقعوا غيرهم من أولئك الذين قتلوا واستباحوا الأموال والدماء والاعراض سواءً أكان ذلك في حرب صيف 1994م أو حرب صعدة (2004-2010م) أو حرب أبين وتعز، والحصبة، والزراعة، وهايل في صنعاء في 2011م أو في الصمع ونهم، وعنوان كل تلك الفتنة «الغنيمة».
إذاً ما يمكن الوصول إليه هو القول إن قضية الفتوى في اليمن قضية جدلية تاريخية وذات عمق نفسي مأساوي، وقد لاحظنا تحول بعض الهيئات، كهيئة الزنداني من وظيفتها المدنية الدينية إلى وظيفة سياسية تتبنى تحديد المواقف وإصدار البيانات السياسية والتدليس على العلماء كما حدث ذلك مع المفتي العلامة محمد بن اسماعيل العمراني وقد دل خطابها على انحيازها التام إلى طائفة دون أخرى وهو ما لا يتوافق مع المبادئ العامة للدين التي تدعو إلى العدل باعتباره أقرب إلى التقوى.. يقول ربنا جلَّ وعلا: «ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألاّ تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى».
من حق كل فرد أن يطمح إلى السلطة، ولكن ليس من حقهم مطلقاً الإساءة إلى الدين مهما تشدقوا أو تفيقهوا بالمقاصد والغايات النبيلة.. ليكن النموذج التركي هو الحل وليذهبوا إلى فصل ما هو ديني عما هو دنيوي.. وليعلنوا على الملأ أن اشتغالهم السياسي لا يعني بالضرورة مقاصد شرعية أو دينية، حينها قد يصلوا إلى حالة من البراءة مع الله والنفس والدين.
٭ للتأمل:
عندما يذهب الشهداء إلى النوم أصحو وأحرسهم من هواة الرثاء أقول لهم: تصبحون على وطن.. سحاب ومن شجر، من سرابٍ وماء.. أهنئهم بالسلامة من حادث المستحيل ومن قيمة المذبح الفائضة وأسرق وقتاً لكي يسرقوني من الوقت.. هل كلنا شهداء؟!!
وأهمس: يا أصدقائي اتركوا حائطاً واحداً لحبال الغسيل.
اتركوا ليلةً للغناء..
٭ من نص للشاعر/ محمود درويش





أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر