حسن احمد اللوزي -
في رحاب الاحتفال بالعيد الرابع والأربعين للاستقلال
لا شك بأن الابتهاج بالعيد الوطني الرابع والأربعين للاستقلال وإن كان يأتي في كل عام مكتملاً بذاته وبكل معانيه ودلالاته الوطنية.. والسيادية.. إلاّ أنه في هذا العام يقدم لنا أسباباً عظيمة للابتهاج الأكبر قيادةً.. وشعباً.. ومؤسسات دستورية وتكوينات شعبية مدنية.. وبخاصةً والوطن بكامله يشهد اليوم حالة من التخلص المتدرج من مخالب الظروف القاهرة والأحوال الاستثنائية والمخاوف التي أطبقت على كل العقول والقلوب بسبب ما وصلت إليه الأزمة المتفاقمة.. وما سببته من أضرار جسيمة في صميم الحياة اليمنية في الجوانب الأمنية.. والاقتصادية.. والاجتماعية وغيرها.. غير أن الفرح المتنامي بالاستقلال الوطني لا يتوقف أيضاً عند يوم بعينه أو إنجاز أو انتصار مهما كانت قيمته العظيمة.. وإنما هو يعني الحياة اليمنية المعاشة والتي صارت زاخرة بالمنجزات الوطنية والمكاسب الشعبية التي عمت البلاد وشملت كافة المجالات التنموية والديمقراطية وفي ميادين بناء مؤسسات الدولة اليمنية المدنية الحديثة.. ولذلك يبقى عيد الاستقلال في حياتنا.. عيداً لامتلاك الشعب لكامل الحرية وامتلاك الأرض لحصانة السيادة الوطنية.. وتطور النظام السياسي نحو بلوغ الصورة التي يبشر بها الانتماء لحياة العصر بفضل الوحدة والديمقراطية. ويبقى عيد الاستقلال في حياتنا.. عيداً لامتلاك الإرادة الوطنية لحقها في الحكم والبناء والتغيير وتقرير المصير بإنجاز نصر الحرية والتحرير وإجلاء الاستعمار وببلوغ الثورة اليمنية المباركة سبتمبر وأكتوبر للمكسب العظيم الذي لخصه الهدف الأول من أهدافها الستة السامية.. كما انه العيد الذي يجسد التتويج الرائع لمسيرة النضال الوطني ضد الاستبداد والاستعمار بفوز الروح الأبية التي شغلت الفكر والضمير الوطني خلال النصف الأول من القرن المنصرم، وأوصلت الإرادة الوطنية لمبتغاها الأول في تحقيق السيادة الوطنية على كامل الأرض اليمنية والانعتاق من العبودية والهيمنة الخارجية.
ومع ذلك فقد بقيت روح الثورة اليمنية مع هذا الانتصار الساحق تئن تحت وطأة التشطير حتى حقق الشعب وقيادته الوطنية الوحدوية الأبية والثائرة بزعامة فخامة الأخ علي عبد الله صالح- رئيس الجمهورية إنجاز نصر الوحدة والديمقراطية في وثبة تاريخية شجاعة وحاسمة أكدت عمق الإيمان بالقضية الوطنية الواحدة في الثاني والعشرين من مايو عام 1990م تجسيداً عملياً وبطولياً متواصلاً لأهداف الثورة اليمنية المباركة، وتأكيداً بأن الثورة اليمنية هي ثورة واحدة وخالدة.. وبأن النضال الوطني اليمني هو مجرى لنهر الإرادة الأبية الصانعة للتغيير.. لكي تكتمل الكينونة اليمنية في صورتها الأصيلة ويسترد التاريخ اليمني مساره الصحيح في مجرى النهر الواحد الذي رسمه الشعب بحريته وانتصار إرادته، ولكي يثب إلى مكانته في الحياة باقتداره وإمكاناته وينتصر أبداً لاستقلاله وسيادته.. بل وليجعل من معجزة الوحدة انتصاراً حاسماً على إخطبوط التحدّي في أن يكون أو لايكون.. وأن يحقق النجاة لوجوده من طوفان ظل يجتاح العديد من الدول في عالمنا المعاصر.. وأن يجعل من الديمقراطية حصانة حضارية لصيانة الوجود الوحدوي الديمقراطي,, ولهذا التشكل الذي صارت تمثله التعددية السياسية والحزبية في بلادنا، برغم المأزق الخطير الذي وصلت إليه..ليس لعيب فيها وإنما لقصور شديد في فهمها واستيعاب رسالتها ولوظيفة المعارضة السياسية في الدولة الديمقراطية.
الحقيقة التي يجب أن يقف أمامها الجميع في المرحلة الراهنة وقفة تقييم واستخلاص للدروس المفيدة من أجل نجاح ما يعتقده الجميع بأنه مرحلة جديدة في تاريخ بلادنا مفتاحها الاتفاق.. وتقود إليها الشراكة السياسية البنّاءة والشاملة في مرحلة الوفاق الوطني. ولهذا فإننا في فسحة هذا العيد المجيد لا يمكن إلاّ أن نتفاءل بما تم إنجازه ونتطلع بقوة للسير قدماً في تنفيذ الآلية التنفيذية المزمنة للمبادرة الخليجية حسب أجزائها الستة وفقراتها المسلسلة.. لأن ذلك هو التحدي العظيم الذي لا بد أن تتكاتف وتتآزر لخوضه بثقة وشجاعة كل الجهود والأفكار والأعمال والمسؤوليات داخل الدولة ومؤسساتها.. وفي عمق المجتمع.. كل المجتمع!!. وأن يدرك الجميع بأن انتصارات الشعوب في ميدان التصدي للمخاطر الواضحة ومواصلة تحمل مسؤوليات الحياة وصيانة وجودها المثمر فيها واللحاق بركب التقدم وحركته التي لن تتوقف أبداً!! تحتاج إلى إطلاق حُسن الظنّ إلى مرافئها البعيدة وتعزيز الثقة في قيمة وعظمة العمل المشترك بروح متسامحة وعقليات منفتحة، ليكون الاتفاق جسراً قوياً وطويلاً لتواصل الفهم والتفاهم الذي وصلت إليه القوى السياسية والأطراف المتنازعة في بلادنا وتعزز قوة ومتانة المستوى الذي وصلت إليه حالة النضج السياسي ومفاتيح الاستعداد والتقبل للنهوض الحضاري بإرادة مشتركة وفعل متحد. لأن ذلك لا شك سوف يسوق إلى المزيد من النضوج المعزز للاتفاق وتنمية التوافق والانسجام الفكري وتقدمه لحالة الرسوخ بكل ما يعبر عنه من غنى وتنوع أو تباين، وبما يؤدي إلى تمتين مداميك الثقة المتبادلة في القلوب والضمائر والعقول وقواعد الاستقرار والبناء والنهوض الوطني الشامل على الأرض!!. وهو ما يوجب على الجميع وبروح وطنية عالية العمل على بناء هذه الحقيقة في حياتنا وقد صارت تمتلك أسباباً قوية لتنميتها بفضل الاتفاق الذي تم إنجازه. ولأن العالم كله اليوم صار رقيباً ومتابعاً لكل ما يجري في بلادنا شئنا أو أبينا!! ونعود إلى القول بأن الابتهاج بهذا العيد إنما يأتي أيضاً ليؤكد على المسؤوليات الكبيرة التي تتحملها الدولة تجاه مواصلة التقدير والإجلال لأرواح الشهداء الأبرار والوفاء تجاه أسرهم والرعاية لأبنائهم وضمان حقوقهم بما يجسد قيم المسؤولية الحقة والوفاء والعرفان.. والتعبير عن الفخر والاعتزاز والامتنان بكل صور وأشكال التعبير الأدبية والفنية والفكرية، لكل الشهداء الأبرار الذين قدموا أرواحهم قرابين طاهرة ومقدسة لزمن الحرية والتحرر.. وانتصار الثورة اليمنية المباركة «سبتمبر وأكتوبر» وحماية الوحدة وصيانة الشرعية الدستورية وكل المكتسبات التنموية والديمقراطية.. ومواصلة التلقين والتثقيف للأجيال الصاعدة حول دلالات ومعاني الدروس المستقاة من عظمة الشهادة.. وبطولات الفداء وسخاء وبذل التضحية طوال المسيرة النضالية والثورية المباركة على الأرض اليمنية الطيبة.. ومثلها روعة وتدليلاً على التمسك بترجمة كل تلك المبادئ والقيم ما تسطره لنا تضحيات الأحياء. فهناك صور بديعة لمعاني التضحية الكبيرة التي يقدمها الأحياء ليظلوا نبراساً في الوجود وقدوة حية للآخرين في كافة المجالات وتكون التضحية أكبر عندما ترتبط بالمصلحة العليا للوطن والشعب حيث لا عطاء يرتقي إليها وهو ما أنجزه ويعمل على إنجازه صانع التاريخ الجديد في عمق مسيرة الثورة اليمنية المباركة في وطن الثاني والعشرين من مايو المجيد فخامة الأخ القائد الرمز علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية. ??