عبده محمد الجندي -
حكومة الوفاق الوطني
بعد مخاضات عسيرة وحوارات طويلة ولدت حكومة الوفاق الوطني مستوعبة لكل الأحزاب والتنظيمات السياسية- الحاكمة والمعارضة- ولم يعد هناك ما يبرر القول بوجود سبب لاستمرار الأزمة السياسية المركبة التي اختلط فيها السياسي بالاقتصادي، والاجتماعي بالعسكري والامني، لأن المسؤولية تقع على جميع الاطراف الحاكمة طبقاً لما نصت عليها المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2014م.. ومعنىِ ذلك أن فخامة الاخ رئيس الجمهورية وحزبه الحاكم..
لم يعد هو الشماعة التي تعلق عليها الاسباب المعقولة والمقبولة للمراقب المحايد كما كانت تروج له القنوات الفضائية المعارضة، لأن الرئيس وقع المبادرة الخليجية وفوض نائبه الفريق عبدربه منصور هادي في الكثير من صلاحياته الدستورية، بما في ذلك الدعوة الى انتخابات رئاسية مبكرة خلال تسعين يوماً وتشكيل حكومة الوفاق الوطني على قاعدة المساواة بين صاحب الاغلبية وصاحب الاقلية، وأصبح المعقول والمقبول والمطلوب هو استشعار المسؤولية الوطنية، وانتهاج سياسة التهدئة الاعلامية والانتقال من مرحلة الاقوال الى مرحلة الافعال، والاهتمام بقضايا الحاضر والمستقبل اكثر من الاهتمام بالذكريات المؤلمة للماضي لأن التعاون والتكامل والتكافل هو المدخل الصائب للنجاح تحت شعار العمل أولاً وبعده والتفلسف، لأن هذا وفقاً للعمل وإعادة تعمير ما دمرته الخلافات والصراعات والحروب.
وإعطاء التنمية الاقتصادية والاجتماعية والاستقرار والامن أولويات تعيد لهذا الشعب الصابر والصامد القدر الممكن من الثقة بالديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية والسياسية والشراكة الوطنية بديلاً عن التداول السلمي للسلطة مستفيدين من تأييد ومساندة ودعم العالم بأسره لهذه المبادرة المستندة الى قرار الاجماع الدولي كفرصة نادرة لتحقيق الحد الأدنى من المنجزات الكفيلة بالتخفيف من المعاناة وما أنتجته المكايدات والنزعات والاحقاد الثأرية التي أوشكت على تغليب تداعيات الحرب الاهلية على دواعي التفاؤل والامل والسلام الاجتماعي بين الاخوة..
أقول ذلك واقصد به أن الشعب اليمني هو المنتصر الوحيد من حكومة الوفاق الوطني التي وحدت الصفوف بين الاخوة الاعداء تحت شعار لا غالب ولا مغلوب، ولا منتصر ولا مهزوم يحتم على الشباب المحتشدين في الساحات والميادين العامة أن يتحرروا من التراكمات التي أحدثتها تلك الخطابات والكتابات والبيانات والشعارات الانتقامية النارية وما نتج عنها من التضحيات المدنية والعسكرية والامنية وقوافل الشهداء والجرحى والمشوهين والمعاقين الذين سقطوا خلال عشرة أشهر من الأزمة السياسية المركبة التي أعادت الوطن والشعب عشرات الاعوام الى الخلف في مواجهة لا ناقة للشعب فيها ولا جمل أكدت أنه لابديل لأبناء اليمن سوى الاحتكام لرحمة الخلاف وعدم الانسياق خلف لعنة الكراهية والحقد الدامية والمدمرة.
إن نجاح حكومة الوفاق الوطني مشروطة بتوفر الحد الأدنى من المصداقية والثقة وعدم الافراط والتفريط في الدوامة العنيفة للدخول في منافسات التكتيك والمناورة التي تظهر عكس ما تبطن لأن التجربة والممارسة العملية للتجربة الديمقراطية اليمنية التي ولدت في أحضان الوحدة اليمنية غنية بما نحن بحاجة اليه من الدروس والمواعظ المفيدة بعد أن أكدت للجميع أن السلطة والثروة والقوة متغيرات لا تدوم لطرف دون غيره من الاطراف الاخرى في مجتمع فقير يحتاج الى الشراكة حاجة الطاعنين في السن الى العكاز يعملون بقدر معقول ومقبول من التعاون والتكامل والتكافل والمصداقية والثقة وهم يتعاملون مع المسؤولية الوطنية في شتى مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية والعسكرية.
لأن أي طرف يحاول ابتلاع غيره من الاطراف يضع نفسه في الطريق الخطأ، وما ينتج عنه من المغامرات والتضحيات المكلفة على قاعدة ما لا يلزم من المعتركات الصعبة والتضحيات المكلفة.. على نحو يتضرر منه الجميع ولا يستفيد منه أحد على الاطلاق، سوى من يمكن وصفهم بعدم الانتماء لهذا الشعب الصامد والمكافح والمناضل من أجل الحرية والحق والعدل والتقدم..
هناك الكثير من التحديات وهناك الكثير من الأخطاء وهناك الكثير من الاحقاد التي ولدت في احضان الازمة المركبة تحتاج الى قرارات شجاعة وجريئة في الانطلاقة المتوازنة من الحاضر الى المستقبل متناسية الماضي بما حدث فيه من الاخطاء والتراكمات الموجبة للانسياق خلف ثارات لابداية لها ولا نهاية.
أقول ذلك واقصد به ان من يعتقد أنه بلا أخطاء يوقع نفسه في معطيات الفشل المؤكد مهما اعتقد بأنه الاقدر على الانتقام على نحو يحتم علينا الابتعاد عن هذا النوع من التفكير العقيم الذي تتكرر فيه سلبيات الماضي بما هو متاح من الحاضر والمستقبل لابد أن يكون الايجابي هو البديل الذي ننطلق منه الى التصويب في سياق الاستفادة من الممكنات المفيدة والكفيلة بالتخفيف من المعاناة والابتعاد بقدر الامكان عما لدينا من المخاوف والشكوك والاطماع ونحن بصدد الانتصار لما نحتاج اليه من المنجزات الاقتصادية والاجتماعية مستفيدين من الامكانات المتاحة إذا كنا على قدر من الاستشعار لما نعد به من الانتصارات لأن الرسالات العظيمة تبدأ بكلمة والمسيرات الطويلة تبدأ بخطوة.
يحدونا الامل بأن الحاضر والمستقبل، هو ما يجب ان تشد اليه كل الإرادات وتحشد اليه كل ما لدينا من الطاقات والامكانات المادية والمعنوية، لكي نؤكد للعالم بأسره أن الايمان يمان والحكمة يمانية، واننا الاقدر على تحمل المسؤولية في الاضطلاع بقدر عالٍ من التعاون في بناء اليمن الجديد والمعاصر على طريق الدولة المدنية الحديثة، دولة النظام وسيادة القانون، والمواطنة المتساوية..
ولا يمكن لحكومة الوحدة الوطنية أن تتفرغ لتطبيق المهام الاقتصادية والاجتماعية الا إذا ابعدت نفسها عن سلبيات الفترة الانتقالية التالية للوحدة والديمقراطية وشغلت نفسها في تقاسم المواقع الإدارية والفنية التالية للمواقع السياسية لأن التقاسم يفقد هذه المواقع ما هي بحاجة اليه من الكفاءات والقدرات العلمية أياً كانت انتماءاتها السياسية والحزبية لأن الوقت القصير لا يتسع للدخول في هذا النوع من الخلافات والصراعات الجانبية التي تهدر الكثير من الطاقات والامكانات في الدروب الهامشية على حد يضيف للشعب معاناة الى معاناة وفساد الى فساد وتحديات الى تحديات تقدم الفشل على النجاح.
وهكذا يتضح مما تقدم بأن تشكيل حكومة الوفاق الوطني تعني بأن كل الاحزاب والتنظيمات السياسية أصبحت أحزاباً حاكمة لم تعد بحاجة الى استخدام الاساليب التقليدية الموجبة للمكايدات والمزايدات والمناكفات التي تؤدي الى فقدان الثقة والمصداقية، لأن المسؤولية تقع على كاهل الجميع سلباً وإيجاباً باعتبارهم شركاء في الايجابيات وشركاء في السلبيات لا بديل لهم سوى التعاون والتكامل والتكافل وتقديم الايجابيات على السلبيات بعيداً عن الانتقائية التي تهدف الى الاخذ بأجمل ما في الحكم وأجمل ما في المعارضة لأنهم شركاء في النجاح وشركاء في الفشل أمام الشعب صاحب المصلحة الحقيقية في هذه الشراكة الوطنية غايتهم الانتصار لما لديهم من مهام برنامجية حصلوا بمقتضاها على الثقة من جميع السلطات الدستورية ومن جميع الهيئات القيادية للأحزاب المنتمين اليها.
وذلك ما يستوجب على الاعلام الحزبي مراعاته في خطاباته الدعائية التي لا يجب أن تتسم بما تقوم به بعض القنوات والصحف من حملات دعائية عدوانية تنفذ الحكومة ما هي بحاجة إليه من الاجواء الهادئة بعيداً عن التطرف والافراط في متاهات الفعل ورد الفعل المجنونة لأن الائتلاف غير المعارضة لا مجال فيه للخصومة المؤثرة على التعاون والتكامل والتكافل.