المؤتمرنت/بقلم :خالد سيد أحمد -
مولد بريمر !
مهمته ليست سهلة، بل معقدة للغاية، وتتطلب قدرات خاصة، ليتمكن من حكم شعب لا يعرف لغته او يفهم ثقافته او يهضم اكلاته التي تسبب له اختلالا في برنامجه الغذائي.
ورغم ادراكه لصعوبة هذه المهمة، الا انه اصر على خوض غمار التجربة، وعدم التراجع تحت اي ظرف، وقرر في البدء التقرب الى «رعيته الجديدة» فزار المدارس وابتسم في وجه طلابها، وتجول في المصانع والمنشآت النفطية، ومد يده لمصافحة عمالها، وفتح قلبه لزعماء القبائل والعشائر، عارضا نفسه زوجا لإحدى الماجدات، لكنهم رفضوا بأدب، قائلين ان لغته ودينه لا تسمح له بمصاهرتهم، وأن وضعه كممثل للاحتلال سيظل كما هو حتى يرحل، بدون ان يحظى باضفاء شرعية عليه.
لم ييأس بول بريمر من محاولاته الفاشلة، لكسر الفجوة وتجسير الهوة مع العراقيين، وظل يداعبه خياله أملاً في انهاء عزلته الاجبارية، وان يقبل به هذا الشعب العربي، حاكما بـ «عيون زرقاء ولسان اعجمي» وان يتغاضى عن كونه رمزاً للاحتلال الجاثم فوق الارض وفوق الصدور.
وأصر على تعلم اللغة العربية، لكنه اقلع عنها سريعا بعد ان وجدها صعبة للغاية، ولم يستطع ان ينطق سوى بكلمة «خوش» وهي وإن كانت من مفردات اللهجة العراقية، الا انها ليست من مفردات اللغة العربية، بل هي كلمة فارسية الاصل وتعني جيدا او ممتازا.
الاحباطات المتتالية للحاكم المسجون في قصر الرئيس المخلوع، دفعته الى التنبه لضرورة التركيز على مشاركة العراقيين مناسباتهم الدينية، لعل ذلك يزيل الجفاء ويخلق الود المفقود، ولهذا عندما جاءت مناسبة المولد النبوي الشريف، لم يتردد بريمر في ان يبرق للعراقيين قائلا:
«يطيب لي ان اتقدم الى الشعب العراقي النبيل بأحر التهاني بمناسبة ذكرى مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم رسول المحبة والسلام».واضاف: «لقد اطل النبي محمد صلى الله عليه وسلم على العالم برسالة سماوية اشرق بها على الدنيا فأنار الطريق للبشرية على مدى اربعة عشر قرنا، وتعلم منها وسوف يتعلم مئات الملايين من الناس الواعين والمتعلمين في كل اصقاع العالم مثل الانسانية والسماحة والحرية والمحبة والاخاء».
كلام جميل بالطبع، اجتهد «عرابو الاحتلال» في صياغته بما يلائم المزاج والشخصية والطبيعة العربية، لكن للاسف جهدهم هذا كله بلا نتيجة ولن يكون له تأثير يذكر، لأن وجه الاحتلال القبيح وكذلك وجوه رموزه وعملائه ودعاته، لا يمكن لأحد مهما امتلك من احدث ادوات المكياج، او حتى استعان بأفضل خبراء جراحات التجميل، ان يغير من طبيعته العنيفة واللاإنسانية.
ليس هذا فحسب، بل ان ممارسات الاحتلال الاجرامية، والتي فضحها الاعلام الاميركي نفسه، عندما بث صورا لمن يصفون انفسهم بدعاة الحرية وتحرير الشعوب، وهم يمارسون أبشع انواع التعذيب بحق المعتقلين العراقيين، لا يمكن محوها من ذاكرة الشعوب بقليل من الكلمات المعسولة والمنمقة.
من هنا فإننا نعتقد ان الشعب العراقي، لا يحتاج الى برقية تهنئة من بريمر في المولد النبوي، او حتى قيامه بذبح ألف خروف في عيد الاضحى، وإنما العراقيون يحتاجون على نحو عاجل الى رسالة أسف واعتذار واضحة، عن جرائم جنود الاحتلال وتعذيبهم وتبولهم في وجه الاسرى، وهي جرائم لم يسبق ان شهدها اي شعب فقد حريته واستقلاله من قبل على أيدي جلاديه
/البيان/