فيصل الصوفي -
ماذا لو كان «الاخوان» حزب الرئيس؟
الاخوان المسلمون في شمال اليمن (سابقاً) بذلوا جهداً كبيراً لإقناع الرئيس علي عبدالله صالح منذ بداية حكمه عام 1978م أن يقبل بهم حزباً للرئيس، وعندما بدأ يفكر في تكوين تنظيم سياسي في الشمال نظيراً للتنظيم السياسي القائم في الجنوب بناءً على اتفاقية طرابلس، قالوا: «ونحن أيش».. نحن تنظيم جاهز مجهز ومستعدين نكون «حزبكم يا سيادة الرئيس».. ليش عاد تتعب نفسك في خلق المعدوم.. وحتى أثناء الحوار الوطني بداية عام 1980م وما سبقه من تشكيل لجان عام 1979م وصولاً إلى تأسيس المؤتمر الشعبي العام، كان الاخوان يعارضون ايجاد أي تنظيم سياسي إلى جانبهم بحكم ثقافتهم التقليدية التي لا تؤمن بأي نوع من التعددية، ولكنهم أمام إصرار الرئيس واستقلاله في اتخاذ القرار ظلوا يعملون كل ما بوسعهم لكي يثبتوا للرئيس أن «الاخوان المسلمون» هم حزبه، ومن الوسائل التي استخدموها لإثبات ذلك البطش بالقوى الوطنية، وذلك بعد أن تمكنوا عبر قيادات عسكرية كانت قريبة من الرئيس من التغلغل إلى مراكز الأمن والجيش.. وساعدهم على ذلك أن تلك القوى لم تكن على وئام مع الرئيس علي عبدالله صالح، واستفادوا من ارتباطها بنظام الجنوب والمخاوف التي كانت تراود الاشقاء في السعودية حول «الزحف الأحمر» القادم من الجنوب، فقدموا أنفسهم للداخل والخارج بأنهم «المتعهدون» بوقف الزحف والقضاء على الاشتراكية والقومية، وكل الأحزاب، لأن الحزبية تثير الخلاف وتمزق الأمة حسبما كانوا يزعمون.
رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح محمد اليدومي عمل في ذلك الوقت في جهاز «الأمن الوطني» وكان مسئولاً رفيعاً في الجهاز رُقّي نظير خدماته إلى رتبة عقيد، وهي رتبة عالية جداً حينها، وعمل مع فرقة موت تابعة له على ملاحقة اليساريين والقوميين، إلى جانب مهمته الأساسية في اعتقال وقتل قادة وأعضاء الجبهة الوطنية الديمقراطية وارتكب هو وفرقته جرائم قتل متعمد بحق أشخاص أبرياء، وفي أسوأ الحالات مشتبه بهم ليس إلاّ.. ولكي يثبت «الاخوان المسلمون» للرئيس انهم «حزبه» شكلوا جيشاً خاصاً بهم هو «الجبهة الإسلامية» لمقاتلة الجبهة الوطنية الديمقراطية في المناطق الوسطى.. والعقيد محمد قحطان القيادي الإصلاحي المعروف اليوم كان أحد مقاتلي الجبهة الإسلامية..
ورغم أن الرئيس علي عبدالله صالح جمع مختلف القوى السياسية بما فيها «الاخوان المسلمون» والجبهة الوطنية، مكوناً منها تنظيماً سياسياً واحداً في عام 1982م هو المؤتمر الشعبي العام، إلاّ أن «الأخوان المسلمون» منذ ذلك الوقت وحتى تحولهم إلى تجمع «الإصلاح» عام 1990م، ظلوا يجهدون أنفسهم لكي يثبتوا للرئيس انهم «حزبه» ويتطوعون له بمشاريع لتزكية أنفسهم، ولكن دون جدوى.. تحالفوا معه ضد الاشتراكي ثم تطوعوا لقتال «الجنوب» عام 1994م تحت شعار «قتل الكفار.. وشهداؤنا في الجنة وقتلاهم في النار» وإلى عام 1999م كانوا يحاولون أيضاً.. وقال اليدومي أمين عام حزب الإصلاح حينها إن مرشحنا للرئاسة هو علي عبدالله صالح، وأما المؤتمر الشعبي العام فلا علم لنا من هو مرشحه!
وإجمالاً.. الاخوان المسلمون أو حزب الإصلاح في اليمن عمل على الدوام لكي يكون «حزب الرئيس صالح».. لم يؤمنوا يوماً بالتعددية.. دأبهم أن يكونوا حزب سلطة لتنفيذ مشروعهم الخاص في عدم الإبقاء على أحد غيرهم في الواجهة والنفوذ.. ولما يئسوا من الرئيس علي عبدالله صالح خاصموه ولجُّوا في الخصومة إلى درجة العدوانية السافرة.. هم الآن حتى بعد أن ضمن نقل السلطة سلمياً وتحول الى رئيس سابق، مصابون بالدوار لأنه تفرغ لحزبه، المؤتمر الشعبي العام.. ولو قَبِل ذات يوم بأن يكون الاخوان أو الإصلاح «حزب الرئيس» لاختلف الأمر، صاروا يسمونه «الرئيس المؤمن» والخليفة الذي وهبته السماء لأهل الأرض.