سمير النمر -
«الاخوان» بين فزاعة القاعدة وحلم الخلافة
لاشك أن تنظيم القاعدة بمسمياته المختلفة أصبح من أخطر التنظيمات الإرهابية العالمية ويهدد السلم والأمن العالمي والاقليمي ولديه من القدرات والامكانات ما يجعله يقوم بهجمات إرهابية في أية منطقة وأي مكان، حتى أصبح الآن يبسط نفوذه على أماكن ومساحات شاسعة في المنطقة ويمارس شتى أنواع القتل والإرهاب والتعذيب بحق كل من يختلف معه، بمعنى أن هذا التنظيم الإرهابي أصبح واقعاً يؤرق المجتمع الدولي والاقليمي والمحلي برمته.. وقد دلت متواليات الأحداث والوقائع أن اليمن من أكثر البلدان التي يتواجد فيها هذا التنظيم، وتوفر له بعض الأطراف السياسية في اليمن المناخ الملائم للانتشار والتوسع خاصة الأحزاب التي تنطلق من أيديولوجية دينية تتفق مع تنظيم القاعدة في كثير من الأفكار والمبادئ..
ولعل الهجمات الإرهابية التي يقوم بها هذا التنظيم في عدد من المناطق اليمنية سواءً في شبوة أو أرحب أو البيضاء أو أبين أو غيرها، دليل حي وواقعي على حضور هذا التنظيم وخطورته على أمن اليمن واستقراره وعلى الملاحة الدولية في المنطقة، ولكن يبدو أن هناك أحزاباً سياسية داخل اليمن وخصوصاً حزب الإصلاح «الإخوان المسلمين» لايزال ينظر إلى هذا الخطر الإرهابي الذي أهلك الحرث والنسل على أنه مجرد فزاعة يستخدمها النظام السياسي من أجل تخويف الغرب والمجتمع الدولي، وعندما يقوم هذا التنظيم بأي عملية إرهابية داخل اليمن سرعان ما نجد الإصلاح يوجهون الاتهام مباشرة إلى الضحية ويتهمون النظام بتحريك القاعدة، بمعنى أن القاعدة أصبحت لديهم ورقة سياسية يتم اللعب بها لتسجيل نقاط على الطرف الآخر دون أن يقدموا أي دليل مادي ضد الطرف الذي يتهمونه بتحريك القاعدة، ودون أن يهتز لهم جفن أو بقايا ضمير لبشاعة الجرائم التي يرتكبها هذا التنظيم ضد أبناء القوات المسلحة والأمن.. وقبل أن نسير مع اتهامات الاخوان لأطراف معينة بالتصديق أو التكذيب، يجب علينا أن نقرأ متواليات الأحداث والوقائع قراءة منطقية وواقعية من خلال مقدماتها حتى نصل إلى النتيجة التي تؤكد من هو المستفيد من تنظيم القاعدة ومن يقف وراء هذا التنظيم، وما الفكر الذي يحمله هذا التنظيم ومع من يتقارب ومع من يتقاطع؟
لاشك أننا عندما نرجع قليلاً إلى التاريخ الحديث سنتبين هذه الحقائق، فمن المعلوم لدى الجميع أن الجماعات الإسلامية وخصوصاً جماعة الاخوان المسلمين والتي نشأت في بداية القرن المنصرم على أسس دينية وفكرية تسعى من خلالها إلى تحقيق حلم الخلافة الإسلامية حسب أدبياتهم ومنظّريهم، وتعد فكرة تحقيق حاكمية الله في الأرض هي الأساس الفكري لهذه الجماعة والتي يمكن الرجوع إليها في مؤلفات سيد قطب وأبي الأعلى المودودي وغيرهما.. نشطت هذه الجماعة في كثير من البلدان العربية وذهبت إلى افغانستان للجهاد في فترة السبعينيات والثمانينيات ضد الروس، وكانت اليمن من أهم الدول التي صدرت المجاهدين أو ما يسمى بالأفغان العرب إلى الاتحاد السوفييتي سابقاً وكان للشيخ عبدالمجيد الزنداني وعلي محسن الأحمر وصعتر وغيرهم منمن رموز الاخوان المسلين في اليمن الدور الكبير في تفويج هؤلاء المهربين تدريبهم وإرسالهم للقتال في افغانستان وكان معظم الذين ذهبوا إلى الروس من جماعة الاخوان ومن خريجي المعاهد العلمية التي كان يديرها الاخوان آنذاك، توالت الأحداث في اليمن وحصلت تغيرات سياسية كثيرة، هذه التغيرات ساهمت في خلق مناخ آمن ومناسب لجماعة الاخوان من الانتشار والتمدد والتوغُّل في مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية خاصة بعد حرب صيف 1994م واستطاعوا أن يملأوا الفراغ الذي تركه الحزب الاشتراكي فاستغلوا تحالفهم مع النظام لزرع خلاياهم وعناصرهم خاصة في مناطق الجنوب في أبين وشبوة، هذه الجماعات التي زرعوها كان أبرز نتاجها جماعة أنصار الشريعة التي تحكم أبين في الوقت الحاضر، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تعرضت اليمن لموجة من الهجمات الإرهابية من قبل هذا التنظيم، وكعادة جماعة الاخوان والإصلاح لم تلاقِ هذه الهجمات أي إدانات من قِبَلهم، خاصة بعد أن انفرط عقد تحالفهم مع النظام ودخولهم تحت مسمى اللقاء المشترك، هذا التحالف كان من أجل شيء واحد فقط وهو التخلص من النظام السياسي القائم والوصول إلى السلطة لتحقيق هدفهم الأساسي الذي يتوافق مع مشروع تنظيم القاعدة وهو تحقيق حلم الخلافة الإسلامية الذي سعوا إليه منذ نشأة جماعة الاخوان المسلمين.. ولكي نرى من هو المستفيد من القاعدة ومن هو الداعم الأساسي لها يجب أن ننظر إلى العلاقة الفكرية والروحية التي تربط التجمع اليمني للإصلاح بهذه الجماعات من خلال تصريحاتهم وأفكارهم ومواقفهم تجاه هذا التنظيم الإرهابي، وقد تبدت هذه العلاقة والمواقف بشكل واضح وجلي خلال الأزمة التي افتعلتها أحزاب اللقاء المشترك وعلى رأسهم شيطانهم الأكبر الاخوان المسلمون، هذه المواقف ظهرت للجميع من خلال الحملة الشرسة التي شنوها على مؤسسات الدولة وعلى رأسها الحرس الجمهوري والأمن المركزي حيث جعلوها هدفاً أساسياً لهم للقضاء عليها حتى يتمكنوا من تحقيق حلم الخلافة.
هذا التحريض الإعلامي والديني ظهر من خلال فتاوى الشيخ عبدالمجيد الزنداني وعبدالله صعتر وغيرهما من فقهاء الاخوان والذين أفتوا باستباحة دماء أبناء القوات المسلحة والأمن والتي أسفرت عن استشهاد أكثر من ألفي شهيد من الجيش والأمن بالإضافة إلى تفجير أنابيب النفط والغاز وضرب أبراج الكهرباء من أجل شل حركة الدولة والتعجيل بسقوط النظام وتهيئة المناخات الملائمة لانتشار وتوسع هذا التنظيم الإرهابي، والذي اصبح يسيطر على مدن بكاملها كما في أبين وشبوة ويقوم بشن الهجمات الإرهابية على الجيش والأمن منذ بداية الأزمة سواءً في أرحب أو نهم أو البيضاء أو أبين، وقد كانت حادثة دوفس التي راح ضحيتها أكثر من 180 جندياً من الجيش، أكبر عملية إرهابية يقوم بها هذا التنظيم الإرهابي بمسمياته المختلفة.. هذه الحادثة الإجرامية البشعة التي اهتز لها كل ضمير إنساني يحمل بقايا قيم ومبادئ إنسانية، لكن اخواننا في الإصلاح لم يهتز لهم جفن أو تذرف لهم دمعة وإنما سارعوا بكل قبح وصلف وتجرد من القيم والأخلاق والمبادئ إلى إدانة الضحية وتبرئة القاتل بطريقة قبيحة ورخيصة لا تحمل أي معانٍ وقيم إنسانية.. ألا تدل مواقف الاخوان المسلمين من القاعدة وتعاطفهم معها دلالة واضحة غير قابلة للشك والتأويل على أن الإصلاح والقاعدة ينطلقون من مشروع واحد ويسعون بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة إلى تحقيقه وهو مشروع حلم الخلافة الإسلامية.. هذه التناولات وهذه المواقف للاخوان حول القاعدة تبين لنا بوضوح وجلاء لماذا يعتبرون القاعدة مجرد فزاغة، لأن هذا التوصيف بالنسبة لهم سوف يجعلهم يستطيعون الوصول إلى حلم الخلافة.