عبد العزيز الهياجم -
عبده بورجي
هناك أناس عندما يغيبون ينساهم كثيرون كانوا يتعاملون معهم بحكم مناصبهم ويسبحون بحمدهم من أجل الحصول على منافع، وتلقائياً ينتقلون على الهواء مباشرة إلى داخل استديوهات من يخلفونهم في تلك المناصب ,,لكن في المقابل يظل كثيرون على وفائهم و اتصالهم الروحي والوجداني بهم ولو كان ذلك عن بعد .
ومن هؤلاء الأستاذ عبده بورجي الذي قد يتعامل البعض من منطلق أنه السكرتير الصحفي للرئيس السابق متناسياً أنه عملياً لا زال نائب مدير مكتب رئاسة الجمهورية للشؤون الإعلامية، وهذا منصب لا يتعلق بالرئيس السابق ولا يجدر برئيس حتى لو أتى من المعارضة ان يضعه في لائحة الاقصاءات، فما بالنا برئيس توافقي محسوب على المؤتمر الشعبي العام.
هذا الرجل الذي كان أحد ضحايا حادثة مسجد دار الرئاسة في 3 يونيو من العام الماضي، ومنذ ذلك الوقت يرقد للعلاج في المملكة العربية السعودية , سواء كان في أحد مستشفياتها لفترات عدة أوفي سكن إقامته لاحقاً لاستكمال العلاج من خلال زيارات للمستشفى أو زيارات أطباء له لمتابعة حالته ..ربما أدار كثيرون ظهرهم بحكم تعاملهم المصلحي وتقديرهم لمنصبه وحظوته وقربه من صناعة القرار، وهؤلاء من المؤكد أنهم لن يسألوا عن حالته الصحية، لأن ما يهمهم هي الحالة الصحية لسكرتير الرئيس الجديد ..وآخرون لا يهتمون بحكم مواقفهم السياسية ونظرتهم الشمولية لكل ما يتعلق بالرئيس السابق حتى لو كان في ذلك خطأ سياسي وأخلاقي وإنساني فادح ..خطأ سياسي لأنه لا يجوز أن تكون هناك قطيعة مع العهد السابق دون تمييز بين من أدوا مهامهم في ظل حكم الرئيس السابق وفقاً لما تتطلبه مناصبهم , ولو كان أحد ممن ينتقدونهم اليوم في نفس المكان لأدوا نفس المهام وربما بالغوا في ولائهم بتطرف مثلما يبالغون في معارضتهم بتطرف ..ولا يجوز أخلاقياً وإنسانياً، لأن الرجل لا يستطيع أحد أن يشكك في أخلاقياته واحترامه لنفسه وللآخرين , والكثيرون يدركون ذلك في قرارة أنفسهم حتى ولو كانت طبيعة مواقفهم السياسية التي تختلف معه تحول دون تمكينهم إياه من شهادة حق لوجه الله ..وهناك طبعاً نسبة من الناس الذين يكون لهم انطباع مسبق ليس عن معرفة وإنما عن أساطير ومبالغات واتهامات نسجها البعض فغذت انطباعاً خاطئاً لدى البعض.
أتذكر أنني وبعد عدة مقالات كتبتها لصحيفة 26سبتمبر, دخلت مكتب الأستاذ عبده بورجي «كنائب لرئيس تحرير صحيفة «26سبتمر» لأول مرة في عام 1997 وكان الفضل في ترتيب دخولي يعود للأستاذ أحمد الجبلي ـ مدير تحرير الصحيفة ـ الذي أدين له بأفضال كثيرة ستأتي مناسبة لعرضها وليس موضوعها الآن.
المهم أنني دخلت مرعوباً بحكم منصبه كسكرتير صحفي للرئيس السابق , وما كنت اسمعه من أن الرجل هو «حاكم الوزراء» وصانع قرارات وأبرز وجوه الحرس الجديد للرئيس القديم ..فإذا بي أتفاجأ لأول مرة بمسئول يشغل منصباً هاماً ويحتل تلك المكانة في المطبخ السياسي اليمني, يقوم من كرسيه «الدوار» ليرحب بي بكلمة «أهلاً يا هياجم» ويصافحني قبل أن يجلس مقابلاً لي على الكراسي الجانبية المخصصة للزوار ..كسر بذلك حاجز الخوف والرعب.
سألني بعض الأسئلة الروتينية على شاكلة «أيش أخبارك, أيش عامل وما إلى ذلك» ثم استمع مني إلى ما أريد طرحه ..كنت حينها أتعاون بأعمال صحفية مع صحيفة الميثاق وسمعت انهم سيعملون هيكلة جديدة وسيثبتون صحفيين جدداً يكون لهم مرتبات أو مكافآت من الصحيفة ومن اللجنة الدائمة فطلبت من الأستاذ بورجي توصية إلى رئيس التحرير الزميل عباس غالب ..لا زلت أتذكر رده كأنه اليوم , قال لي: «ماذا ستفعل بالوظيفة الحزبية ,اطمح في وظيفة حكومية» ثم تابع قائلاً: أنت الآن سنة كم في كلية الإعلام ؟ فقلت له: «سنة رابعة» ..فقال لي: « صبرت الكثير وباقي لك القليل» ..فانتهزتها فرصة للحصول على وعد منه» خلاص يا أستاذ سأكمل السنة الدراسية وسأعود اليك ومعي وثيقة التخرج لتساعدني في الحصول على وظيفة , فقال لي: ان شاء الله ..ثم أردف وأنا عند الباب ..أيش يقرب لك عبدالملك ..وكان يقصد الشيخ محمد عبد الملك الهياجم وكيل محافظة تعز ..قلت له ابن عمي ..فقال: ما رأيك نبعثك صحيفة الجمهورية عند علي الرعوي ..فأجبت بأنني أفضل العمل في صنعاء» وعندما عدت بعد التخرج قال لي: «اذا تريد عندنا في صحيفة 26سبتمبر أنا اضمن لك من بكرة بس تتعسكر ..قلت له لا أريد عسكرة ..فقال خلاص سوف أعمل لك توصية إلى أمة العليم السوسوة وكانت حينها وكيلاً لوزارة الإعلام».. وفي نهاية الأمر كان النصيب في صحيفة الثورة وبتوصية من الأستاذ أحمد الجبلي.
..لاحقاً ولسنوات عدة لم أذهب إلى مكتبه وانشغلت في صحيفة الثورة اليومية لكنني كنت أعرف من آخرين متابعته لي وتقييمه وتقديره لجهودي , وإن كنت حصلت على دعم معنوي معقول.. ومادي قد يكون ضئيلاً مقارنة بآخرين أقل جهوداً وأكثر انتهازية وقدرة على الحصول ..إلا أن ذلك لا يقلل في الأمر شيئاً ولا يدفعني إلا إلى المزيد من التقدير والمودة والاحترام لأستاذ وزميل وأخ أكبر يكفي أن أخلاقياته الرفيعة وتعامله الراقي وتقديره للناس يشفع له عما سوى ذلك مما قد ينتقده البعض فيه لأسباب سياسية صرفة .
وختاماً .. دعواتنا له بالشفاء التام وبالعودة القريبة السالمة.