نبيل عبدالرب -
كهرباء أثابكم الله
يشعر المرء بالإحباط والملل وأحيانا بالغثيان عندما يجد نفسه مضطرا للحديث عن ذات المشكلة ويكرر نفس الإسطوانة، لكنه الإنفجار ولو على الورق، والحبر أهون من بارودة الحمقى بعض الأوقات.
مرت اليمن بظروف سيئة، ويبدو أن عقوق أبنائها سيمضي بها سنوات أخرى من البؤس والتخلف، بعد أن استبشرت خيرا بانفراج وضعها السياسي بتوقيع مبادرة الخليج والإقدام على الإنتخابات الرئاسية، وتشكيل حكومة الوفاق، غير أن أيادينا السيئة متفرغة لطحننا وسواعدنا التي بدلا من أن نشمر عنها للبناء، استجمعنا عضلاتها لتمزيق أحشاء البلد وبقايا أمل يسكنها،ومعهما تتمزق قيم نحاول التشدق بها.
الناس ليسوا معنيين مباشرة بترميم البنية السياسية، ولا بحوارات السياسيين ومكايداتهم بقدر اهتماماتهم بما يصلهم من خدمات دولة يحاولون الاعتزاز بالانتماء إليها، ويدفعون لها الضرائب حتى على ماء أنزله الله من سمائه.
سئم التونسيون من زين العابدين بن على، وسئمنا نحن في اليمن من أيادي عابثة مريضة تصر على إبقائنا في الظلام، ظلام الجهل والكهرباء معا.
ليس من المعقول أن يظل بضعة مخربين جهلة يعبثون بإرادة دولة ويكبحون طموح شعب يتوق للإنعتاق من براثن عالم الزواحف إلى دنيا يتسابق ناسها على امتلاك أكبر قدر من الموجات الأثيرية، ويعدون لغزو فضائي آخر يضع فيه الإنسان قدمه على المريخ.
لماذا نصر وبصلف على المكوث أقزاما تتخطفنا أقدام البشر "اللي يسوا واللي مايسوا"حسب أشقائنا المصريين، ونحن كنا في يوم ما فنارات حضارة وحملة رسالة.
لعلنا أعجبنا بتساؤلات طرحها النائب عبدالعزيز جباري لأهل مارب عما جرى لأبناء هذه المحافظة دونا عن الآخرين ولماذا لا تقطع أسلاك الكهرباء في عدن أو الحديدة أو تعز؟ لماذا في مارب فقط؟
ومعه نتساءل، لماذا يرهن عقلاء مارب سمعة قيمهم لأفراد لا يخربون الكهرباء بقدر مايعبثون بصورة أهل هذه المحافظة التي نتغنى كلنا كيمنيين بإشعاعها الحضاري وبمملكة سبأ وحكمة بلقيس.
هل لأن مارب تغط في الظلام؟ نعم من حق أبناء مارب ألا يروا النور يتجاوزهم عبر مناطقهم ليصل إلى محافظات أخرى فيما هم محرومون منه. بيد أننا بحاجة لأن نكون منصفين وأبناء مارب قبلنا، من الذي يعيق كهرباء مديريات مارب؟
أذكر أنه قبل تشغيل محطة مارب الغازية بشهور قليلة ذهبت وزملاء برفقة وزيرالكهرباء السابق عوض السقطري إلى مارب، وفي اجتماع بمقر المحافظة وبحضور أعضاء المجلس المحلي هناك، طلب الوزير من مسؤول كهرباء الريف قراءة ما تم إنجازه في إيصال الكهرباء لكل مديريات مارب، فقرأ المسؤول نسب الإنجاز التي كانت ضئيلة في معظم المديريات، وأورد الأسباب في كل مديرية على حدة، وكان القاسم المشترك بين تلك الأسباب عرقلة أشخاص لعمل المقاولين، هؤلاء الأشخاص ليسوا كائنات فضائية بل هم من أهل مارب، وأذكر يومها أن الشيخ الفاضل علي عبدربه القاضي قال بألم:إذا كنا أصحاب مارب هكذا فكيف نريد خدمات من الدولة.
النائب نبيل باشا اقترح قبل أيام أن يقوم الجيش بمهمة حماية الكهرباء بدلا من أكل "الكدم" في صنعاء.وطلب النائب أحمد الكحلاني تعديل قانون الكهرباء بحيث تشدد العقوبات فيه، ويضمن نصوصا تعتبر جرائم تخريب الكهرباء جرائم جسيمة لا تسقط بالتقادم.
والواقع أن العقوبات في قانون الكهرباء النافذ كافية لو نفذت، كما أن إبقاء الجيش حرس أبراج كهرباء ربما ليس حلا عمليا. بل إن الاعتماد على قوة الدولة في إنفاذ القوانين في ظل حالة الضعف الحالية غير مجدي، وحتى تستعيد الدولة هيبة تجعل المخرب يفكر ألف مرة قبل أن يقدم على جريمته،لاأظن أمامنا إلا الرهان على عقلاء مارب في التنادي لوضع وثيقة عهد يبرؤون فيها من أعمال التخريب، ويلفظون ويعاقبون كل من يسئ لمارب وأهلها بتلك الأعمال المشينة والمخزية.