علي ناجي الرعوي -
مآزق المشهد اليمني
بات من الصعب حصر المشاكل التي يعاني منها اليمن في الوقت الراهن في النطاق السياسي البحت حتى وإن بدا هذا الجانب طاغياً على الجوانب الأخرى الاقتصادية والأمنية والثقافية والاجتماعية فالمؤكد ان الأزمة التي تفجرت في هذا البلد مطلع العام 2011م قد أثرت تأثيراً بالغاً على مختلف مفاصل الحياة ابتداءً من انحسار دور الدولة في مواجهة الاختلالات الأمنية وفوضى التقطعات وانتشار المسلحين في المدن والطرقات التي تربط المحافظات بعضها ببعض وتمدد عناصر تنظيم القاعدة الإرهابي على الأقل في ثلاث محافظات .. ومروراً بالأوضاع الاقتصادية الهشة التي تزداد كل يوم انحداراً بفعل توقف جزء كبير من صادرات اليمن النفطية وتراجع العائدات الضريبية وموارد الثروة السمكية وقطاع السياحة والمساعدات الخارجية وهو ما انعكس بالضرورة على الأحوال المعيشية للغالبية العظمى من أبناء الشعب اليمني الذين تضاعفت معاناتهم وازدادوا فقراً على فقر.
وتتسع دوائر المأزق اليمني لتشمل أيضا تداعيات الصراع المدمر بين القوى السياسية والحزبية وكذا احتقانات الوضع المضطرب في بعض المحافظات والناتج عن تنامي الحركات الاحتجاجية سواء تلك التي تطالب بانفصال الجنوب أو من تأمل بالحصول على بعض الامتيازات السياسية والاجتماعية .. ويبدو من كل هذه الظروف التي يتداخل فيها السياسي بالاقتصادي والجهوي بالقبلي والعام بالخاص والذاتي بالجمعي ان الارتباك هو سيد الموقف في اليمن ولكي يتغير هذا المشهد فان حساب الكلفة سيكون كبيراً وباهظاً ولا يستطيع هذا البلد تحمله لوحده مهما اجتهد او حاول ذلك .
صحيح هناك جهد خليجي ودولي يبذل لكنه لم يصل درجة تمكن اليمن من الخروج من دوامة الأزمات التي تعصف به فغالبية الجهود تدور حول إدارة هذه الأزمات وليس حلها بل إن كل الخطوات التي اتبعت لتنفيذ المبادرة الخليجية قد اختزلت في ممارسة الضغوط الإقليمية والدولية على القوى السياسية المتصارعة وإرغامها على عدم إثارة بعض المشكلات الثانوية التي قد تعيق المضي في تنفيذ تلك المبادرة في ما بقيت القضايا الحساسة والجوهرية مفتوحة على حالها دون معالجات مع ان وضع اليمن لن يصلح دون إيجاد الحلول لمثل هذه القضايا الأساسية من خلال عمل مشترك يتقاسمه جميع أصدقاء اليمن وفي الصدارة الدول العشر المشرفة على تنفيذ المبادرة الخليجية .
ولعلنا نتفق في هذا الجانب مع تقييم مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن جمال بن عمر الذي وصف أثناء زيارته الأخيرة لصنعاء الوضع في اليمن بانه مخيب وانه لا توجد مؤشرات حقيقية على ان الأسوأ في اليمن قد مضى .. ولا نختلف في ذات الوقت مع ما ذهب إليه السفير البريطاني بالمملكة العربية السعودية في مقالة نشرتها صحيفة الرياض الخميس الماضي من مخاطر استمرار الوضع المضطرب على الأمن والاستقرار في المنطقة عموماً حيث ان ماجاء في مقال السفير البريطاني السير توم فيليبس حول الترابط الوثيق بين استقرار اليمن واستقرار المنطقة لم يبن على فرضية تحتاج إلى إثبات بل كان مستنداً الى جملة من المعطيات والحقائق والشواهد الحية التي لا يمكن لأحد إنكارها .
فالتداخل الجغرافي والديمغرافي بين اليمن ودول مجلس التعاون الخليجي يجعلهما يبحران في قارب واحد وعليهما تقع مسؤولية الحفاظ على هذا القارب من الأنواء والأعاصير والأمواج المتلاطمة التي قد تسعى إلى إغراقه قبل أن يصل إلى بر الأمان .
سبق وقلنا ان ترك اليمن ليسقط في براثن الدول الفاشلة سيجعله عرضة لاستغلال بعض الأطراف الإقليمية التي تتحين اللحظة لتحويل هذا البلد إلى بؤرة تتسلل منها العناصر التخريبية والإرهابية إلى دول الإقليم ككل .. وها نحن نكرر هذا القول ليفهم من يريد أن يفهم من ان اليمن بموقعه الجغرافي الاستراتيجي الحساس يقف اليوم على مفترق الطرق وما لم يتداركه الأشقاء في دول مجلس التعاون الخليجي بالدعم والمساندة والوقوف إلى جانبه بكل الوسائل حتى يتجاوز هذا المنعطف الصعب والمعقد فانه قد يأتي اليوم الذي يستيقظون فيه على صومال جديد تتقاذفه الصراعات القبلية والطائفية والمذهبية والعشائرية ونوازع التطرف والإرهاب التي قد تمتد من زنجبار في جنوب اليمن ولا تنتهي عند بوابة مقديشو .
وبعد كل ذلك فإنه يتعين على اليمنيين في هذا الظرف أن يعملوا على التصالح مع أنفسهم عن طريق نبذ الخلافات وتصحيح التشوهات وإحياء الثقة مع بعضهم البعض وتغليب مصالح وطنهم على مصالحهم الحزبية والذاتية .. فما يعتمل في وطنهم يقتضي من كل واحد منهم أن يندفع نحو يمنيته ووطنيته وقيمه العربية والإسلامية وفطرته التي فطره الله عليها إذ انه وباستعادة الرشد ينتصر الإنسان على نزواته ويتفوق على أهوائه ويكون أهلاً لحمل أمانة الضمير وأمانة الحفاظ على وطنه الذي لاشك وانه يتسع لكل أبنائه.