سمير النمر -
التوظيف السياسي للإرهاب
لاشك أن الجرائم الارهابية التي ارتكبت بحق الشعب اليمني والتي كان آخرها الجريمة البشعة والنكراء التي وقعت في ميدان السبعين والتي استهدفت قوات الأمن المركزي وكتائب من طلاب كليتي الشرطة والحربية والتي أودت بحياة ما يقارب مائة جندي وثلاثمائة جريح.. هذه الجريمة أدمت قلوب كل اليمنيين في مختلف ربوع اليمن كونها جريمة بشعة ومتجردة من كل المعاني والقيم الإنسانية والاسلامية.
هذه الجريمة هزت مشاعر اليمنيين باستثناء جماعات وقوى سياسية للأسف الشديد أنهم يمنيون والذين لم يهتز لهم جفن بل انهم بادروا الى رمي التهم وتبرير الجريمة بمزاعم واهية وبطريقة ساذجة وتافهة تعبر عن الافلاس السياسي والقيمي الذي وصلوا إليه والذي يعبر عن الاستهانة بهذه الدماء التي سفكت بغير وجه حق وكذا الاستهانة بأبناء الشعب اليمني بمحاولة بتبريرات فاشلة لتلك الجرائم وكأنهم يجسدون المثل الذي يقول:
«رمتني بدائها وانسلت» اعتقد أننا إذا أردنا أن نعرف دواعي هذه الجريمة الارهابية فلابد من قراءاتها في سياقاتها المتصلة بالجرائم الاخرى التي حصلت منذ بداية الأزمة ومدى ارتباطها بتحقيق أهداف سياسية تصب في خدمة الطرف الذي ركب موجة الاحتجاجات الشعبية واستخدم القوة المسلحة والعنف لتحقيق أهدافه الانقلابية بعد أن فشلت الطرق السلمية، فجريمة السبعين لاشك أنها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالجرائم والاعتداءات التي حصلت في أرحب ونهم والحصبة وأبين وجريمة النهدين، هذه الجرائم لاشك أنها لا تقل بشاعة عن ما حدث من اعتداءات على معسكرات الامن والجيش منذ بداية الازمة، وتصب كلها في إطار أفق سياسي معين لعدد من القوى الظلامية والرجعية التي كانت ومازالت تمثل الحاضنة الحقيقية للارهاب من خلال خطابها الأيديولوجي ومؤسساتها وجامعاتها التي كانت ومازالت بمثابة المعامل الحقيقية لتفريخ الارهاب وإنتاجه وتوجيهه ضد أبناء القوات المسلحة والامن.. بإمكاننا الرجوع الى التصريحات والفتاوى والخطاب الاعلامي والديني الذي صدر عن رموز هذه الجماعات ابتداء من عبدالمجيد الزنداني ومروراً بصعتر وانتهاء بقناة «سهيل» التي تبث هذه الفتاوى الداعية بشكل صريح إلى إباحة دماء أبناء القوات المسلحة والامن وخصوصاً الحرس الجمهوري والامن المركزي، وما جرى في أرحب ونهم وأبين ما هو إلا تنفيذ لهذه الفتاوى التي صدرت من قبل دعاة الارهاب والتكفير، واعتقد أن هذا الأمر لم يعد مجرد كيد سياسي بل إنه أصبح واقعاً حقيقياً لا يقبل الشك أو المراء، وبإمكان الرجل البسيط والعادي الذي لا يمتلك ثقافة واسعة إدراك هذه الحقائق بصورة جلية وواضحة.
أعتقد أن الاعمال الارهابية التي يقوم بها تنظيم القاعدة أو ما يسمى بأنصار الشريعة لاشك أنها تخدم أطرافاً سياسية معينة ترتبط بنفس الفكر والايديولوجيا وتنطلق من إطار فكري واحد وهذه الجماعات الارهابية حتى الآن ظهرت بشكل مدني تنادي بالدولة المدنية والحقيقة في ظهورها هكذا ما هي الا محاولة مفضوحة للتستر وراء هذه الشعارات المدنية البراقة بينما حقيقتها ظهرت بصورة واضحة في أرحب ونهم والنهدين وأبين والسبعين وأصبحت واضحة أمام الشعب اليمني ولا مجال للتهرب منها بأساليب التضليل والخداع وإدانة الضحية..
وإذا تأملنا في تفاصيل ما حدث في السبعين وردود الأفعال من قبل بعض القوى السياسية وبعض أجهزة الدولة الأمنية فإنه يكشف لنا مدى التلازم الوثيق والتواطؤ على هذه الجريمة من قبل هذه القوى في بعض الأجهزة الأمنية والعسكرية.. وأعتقد أن الفضيحة التي وقعت فيها وزارة الداخلية وتمثلت في إعلانها عن اسم الانتحاري الذي فجر نفسه وتبين بعدها أن من تم الاعلان عنه حي يرزق، هذه الفضيحة لاشك أنها ليست عفوية بقدر ما تكشف عن تواطؤ ومحاولة لصرف الأنظار عن الفاعل الحقيقي للجريمة ومن يقف وراءه تمويلاً وتسهيلاً وتكتيكاً، والامر الأكثر غرابة وإثارة للدهشة ان تنظيم القاعدة قام بتصحيح الخطأ الذي وقعت فيه وزارة الداخلية وأعلن أن من قام بالتفجير الانتحاري في السبعين شخص آخر من أجل أن يوفر المهمة والبحث والتحري على وزارة الداخلية حتى لا تنكشف خيوط اللعبة، واعتقد أنها المرة الأولى التي يقوم فيها تنظيم القاعدة بالإعلان عن هوية الشخص الذي قام بالتفجير ولا ندري هل أراد تنظيم القاعدة أن يتعاون مع الداخلية وتخفيف العبء والضغط الكبير على وزير الداخلية لكي يخرجه من الإحراج الذي وقع فيه، أم أن هناك سيناريوهات أخرى أرادت القاعدة بهذا الإعلان صرف الأنظار عن الفاعل الحقيقي ومن يقف وراءه.
ومن هنا نؤكد أن قضية الارهاب أصبحت قضية تؤرق المجتمع اليمني برمته وتهدد أمنه واستقراره وسكينته، وقد أصبح لزاماً على كل يمني يستشعر المسؤولية الوقوف صفاً واحداً أمام هذه الجرائم الارهابية من خلال المطالبة بكشف المتورطين فيها وتقديمهم للمحاكمة العلنية سواء أكانوا رجال أمن أو مشائخ أو رجال دين أو قوى سياسية، بالإضافة الى محاكمة كل من يسعى الى تبرير هذه الجرائم وكذا إدانة كل من يسكت عنها واعتباره لا يقل إجراماً عمن يقوم بالجريمة لأن الساكت عن الجريمة كالفاعل، أما إذا ظل الأمر في طيّ الكتمان والسرية، فأعتقد أن هناك مؤامرة كبرى على الشعب لأن من يسعى لإخفاء الجريمة لاشك أنه مجرم.