المؤتمر نت- محمد دلبح - تقرير أميركي: حكومة بوش خسرت الخيار العسكري في العراق تتصاعد داخل الحكومة الأميركية أزمة البحث عن حل لما اصطلح على تسميته في واشنطن المستنقع العراقي في أعقاب حالة الغليان والاضطراب التي خلفتها فضيحة تعذيب الأسرى العراقيين، حيث لم يعد لدى حكومة الرئيس الأميركي جورج بوش سوى خيارات محدودة خاصة بعد رفض بوش تحميل وزير دفاعه دونالد رامسفيلد مسؤولية ما جرى ويجري في العراق في وقت تشير الدلائل إلى تفاقم حالة الضيق من الوضع العسكري للولايات المتحدة في العراق حتى من بين الجمهوريين الذين يخشون أن تكون الولايات المتحدة لا تفقد فقط جنودها بل شرفها في العراق.
ويقول تقرير لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن أن الرئيس بوش يستنفد الخيارات بشأن العراق في وقت يعترف فيه محللون مقربون من البيت الأبيض أن آمال النجاح آخذة بالانحسار بسرعة. وتتحدث مصادر مطلعة داخل حكومة بوش عن الافتقار إلى تحديد الاتجاه وسيادة الإحساس بالجو المظلم واليأس التي اشتدت بنشر صور التعذيب والانتهاك الجنسي للأسرى العراقيين.
ومن بين أبرز خيارات البيت الأبيض اللجوء إلى الأمم المتحدة ودول أخرى للحصول على مساعدتها لإعادة السلم والاستقرار إلى العراق. ويدعو كثيرون في الكونغرس أيضا إلى تغييرات عسكرية في العراق لتحسين صورة الولايات المتحدة كدولة احتلال ذات قبضة ثقيلة وهو ما وافق عليه رامسفيلد في جلسة الاستماع التي عقدتها لجنتا القوات المسلحة في مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين يوم الجمعة. ولكن أكثر هذه الخيارات تطرفا هو سحب قوات الاحتلال الأميركي من العراق وهو ما تحاول حكومة بوش تجنب الخوض فيه علنا.
وقد تجاوز رامسفيلد بنجاح ضغوط الكونغرس يوم الجمعة حيث كان بعض كبار أعضائه من الديمقراطيين قد طالبوا باستقالته أو إقالته، معلنا أنه يتحمل مسؤولية ما حدث في سجن أبو غريب، ولكنه لن يستقيل لأسباب سياسية. وقالت زعيمة الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إن وزير دفاع البنتاغون في الخارج أصبح جزيرة بعيدة عن المحاسبة تتجاهل معاهدات جنيف وحلفاءنا والإدراك العام. فيما نشرت مجلة إيكونوميست البريطانية الرصينة موضوعها الرئيسي تحت عنوان من كلمتين »رامسفيلد، استقل« كما دعت افتتاحيات صحيفتي »واشنطن بوست« و»ونيويورك تايمز« إلى استقالة رامسفيلد.
ورغم قيام بوش بطرد وزير ماليته السابق بول أونيل في العام 2002 إلا أن طرد رامسفيلد البالغ من العمر 71 عاما قد يكون اعترافا كبيرا بوجود خطأ أكبر مما يريد بوش القيام به وهو خطأ سياسته إزاء العراق منذ البداية.
ولكن مساعدي البيت البيض غاضبون جدا بشأن معالجة البنتاغون لانتهاكات قوات الاحتلال الأميركي لحقوق الإنسان في العراق التي أصبح عنوانها البارز سجن أبو غريب. فقد اشتكى كبير مستشاري بوش الاستراتيجيين كارل روف بصورة خاصة من أن بوش لم يكن على علم بهذه العواقب الضارة.
وقد جاء استجواب الكونغرس لرامسفيلد يوم الجمعة في وقت تشير فيه استطلاعات الرأي العام إلى أن 39 بالمائة فقط ينظرون بإيجابية إلى وزير الدفاع المتطرف في وقت كانت هذه النسبة تصل إلى 52 بالمائة قبل عام مضى. وينظر مجلس الشيوخ إلى أن يحذو حذو مجلس النواب الأميركي يوم الاثنين في إصدار بيان إدانة امتهان حقوق الأسرى العراقيين. وقد اصطف متطرفو اليمين الجمهوري إلى جانب رامسفيلد وقال زعيم الأكثرية الجمهورية في مجلس النواب توم ديلي »ان الديمقراطيين« يريدون أن يفوزوا بالبيت الأبيض أكثر مما يريدون الفوز بالحرب، وأعداؤنا يعرفون ذلك.غير أن دفاع ديلي لم يمنع بعض كبار الجمهوريين من التعبير عن انزعاجهم إزاء تعنت رامسفيلد وقال العضو البارز في مجلس الشيوخ جون ماكين إنني لا أفترض أن أبلغ الرئيس ما ينبغي عليه عمله ولكن من الواضح أن هناك الكثير من التوضيح الذي يتعين على رامسفيلد وآخرين أن يقدموه.
ويقوم البيت البيض باستكشاف سبل لإضفاء مصداقية على التحقيقات الخاصة بالجرائم التي ارتكبت في سجن أبو غريب وأحد الخيارات هو منح مجلس سياسة الدفاع التابع لوزير الدفاع الأميركي الذي يترأسه حاليا النائب الجمهوري السابق تيليه فاولر في أعقاب استقالة الرئيس السابق ريتشارد بيرل. كما يقوم الحاكم الأميركي للعراق بول بريمر بإعداد قائمة كاملة بعدد الأسرى العراقيين وأماكن اعتقالهم. ويبدو أنه لا توجد مثل هذه القائمة، ويطالب وزير الخارجية الأميركي كولن باول بقائمة مماثلة بالنسبة لأفغانستان وأماكن اعتقالهم.
ويشير مسؤول عسكري أميركي كبير إلى انتشار الفوضى في أوساط القيادة الأميركية في العراق بسبب العلاقة المعقدة والملتوية بين القيادات وقال إنني لم أر قط مثل هذه السلسلة المعقدة من القيادة، إنها حالة من الفوضى فقط واضاف إذا كان هناك سبب لذلك فإن أحدا لم يوضحه قط لي.
ويحث ماكين الحكومة الأميركية على »هدم« سجن أبو غريب، وهو أمر يعتقد خبراء وناشطون في مجال حقوق الإنسان أنه محاولة لإزالة أثار جرائم الحرب الأميركية في العراق. فيما شبه النائب الديمقراطي البارز جون موتا سجن أبو غريب بمعسكرات الاعتقال النازية وقال أنه ينبغي عليهم أن يدمروا ذلك السجن، وهذا سيؤثر على العالم العربي ويجعلنا نبدو جادين.
ويقول المحلل الأميركي جي دينمور ان غياب استراتيجية واضحة أدت إلى تغييرات متكررة وإلى تراجعات سياسية ناجمة عن معارك مستمرة بين وزارتي الخارجية والدفاع. ويلقى اللوم على مستشاري الأمن القومي في البيت الأبيض لعدم قيامهم بحل المعارك بين الأجهزة الأميركية المختلفة بشأن العراق.
ففي الوقت الذي امتنع فيه البنتاغون عن التعليق على تقرير اللجنة الدولية للصليب الأحمر الذي يقع في 24 صفحة الذي قال أن الانتهاكات للأسرى العراقيين كانت منظمة وترقى إلى »التعذيب«، فإن باول اتصل برئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر جيكوب كيلينبيرغر في جنيف ليعده بأن الولايات المتحدة ستتعامل مع المشاكل في السجون العراقية وقال مساعدو باول إن وزارة الخارجية تصرفت بشأن التقرير الذي تلقته، وقال الناطق باسم وزارة الخارجية ريتشارد باوتشر لقد أكدنا أن هذه الأنباء عممت في الحكومة الأميركية ونحن نعرف حقا أن الوزارات الحكومية الأخرى تلقت بعض هذه التوصيات مباشرة من الصليب الأحمر.
وقال مايكل روبين، المستشار السابق لسلطة الاحتلال الأميركي في العراق الذي عاد مؤخرا من بغداد وهو من المحافظين الجدد الذين روجوا للحرب على العراق إنهم اشبه بمن يقود طائرة وهو أعمى معتمدا على التعليمات فقط، إنهم يعترفون بالفوضى ولكن لا يوجد استمرارية في الرؤية وعندما يتفقون لا يكون هناك ثبات واستمرارية في التطبيق. واضاف إننا نشهد تحللا وانحدارا في السلطات في غياب استراتيجية واضحة، فالقادة المحليون يتخذون قرارات محلية لها مضاعفات عميقة على بقية أنحاء البلاد.
والقضية الكبرى وراء كل المناورات الدبلوماسية للبيت الأبيض هي ما إذا كان يتعين مضاعفة الجهود الدولية للحصول على مساعدة في العراق حتى لو كان ذلك يعني إضعاف السيطرة الأميركية على تشكيل حكومة مؤقتة جديدة هناك. و قد دعا المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأميركية جون كيري الى تعيين مندوب سام للإشراف على العراق.
ووصل الضيق والاضطراب داخل الجمهوريين بشأن أسلوب بوش في العراق إلى حد أن زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأميركي بيل فريست قال في اجتماع خاص لرؤساء اللجنة الجمهورية في المجلس خلال الأسبوع الماضي أنه يريد أن يجلس مع بوش ويسأله أي شخصين أو ثلاثة في الحكومة يستطيعون ابلاغه ما الذي يحصل حقا في العراق، وقد أجابه رئيس لجنة العلاقات الخارجية في المجلس ريتشارد لوغار قائلا إنني لا أعتقد أنني أعرف من الذي يستطيع أن يفعل ذلك.
وقد عبر مورثا عن قلق الديمقراطيين ايضا إزاء استراتيجية بوش العسكرية في العراق حيث قال إن الاتجاه يجب أن يتغير أو أنه لا يمكن كسب الحرب وحذر الحكومة الأميركية بأنه يتعين عليها أن تلزم نفسها بتعبئة كاملة للقوات الأميركية لإعادة الهدوء وإقامة الديمقراطية في العراق أو الانسحاب من هناك كليا.
وقال إنه كافح طيلة ستة أسابيع من أجل أن يتبين شيئا آخر يمكن عمله خلاف ذلك وكان الاستنتاج الوحيد الذي استطعت أن أتوصل إليه هو إما التعبئة أو الخروج. وقال وحتى الآن فإنني أفضل الجانب المتعلق بالتعبئة أن ترك العراق بصورة مفاجئة سيكون ضربة دولية مدمرة لنا لكنه اعترف بأن النافذة ربما تكون قد أغلقت بالفعل من الناحية السياسية داخل الولايات المتحدة وقال إنني لا أعرف إن كان لدينا الإرادة للتعبئة الآن بعد أن تحول الرأي العام ضد الحرب وقد أظهر استطلاع للرأي أن أكثر من 25 بالمئاة من الأميركيين دعوا الى سحب القوات الأميركية من العراق باسرع وقت ممكن وأن 30 بالمائة دعوا إلى عودتها في غضون 18 شهرا. ويخشى مؤيدو بوش بأن تؤدي ردود الفعل على جرائم الحرب الأميركية الى الرأي العام ضد التورط الأميركي في العراق لدرجة أنه لن يكون قادرا على القبول بالخسائر التي تحتاج إليها لتحقيق انتصار عسكري وفرض النظام في العراق.
ويقول تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إن التوتر السياسي قد تصاعد في العراق وأن الأمن قد تدهور لدرجة أن الولايات المتحدة لم يعد لديها حل عسكري لقتال الثوار، وقال إن الولايات المتحدة التي تفتقر إلى خيارات فعالة سوى تقديم الكثير من الجهود السياسية والمساعدات والأمن إلى عراقيين معتدلين بأسرع وقت ممكن لم يعد لديها حل عسكري، وهي تأمل بأن تستطيع الأمم المتحدة إيجاد نوع من الشرعية السياسية.
وتعليقا على الرفض والمقاومة المتزايدة للاحتلال الأميركي في أوساط العراقيين بشكل عام قال روبين أعتقد أننا نسأل أنفسنا الآن ما هو فن الممكن في المستقبل القريب.. إننا لن نقوم ببناء ديمقراطية جيفرسون في العراق، ان ما يتعين علينا عمله هو أن نضع وجها عراقيا بشأن الأمن. في إشارة إلى إعادة استخدام ضباط الجيش العراق الذي كان بريمر قد حله في شهر ايار من العام الماضي.
|