عبدالعزيز عبدالغني.. وجه الوطن الغائب وجه للوطن الغائب، ترك بلاد الغرب ليحيي التعليم في مدرسة التنوير، هو اكبر من أماني الأرض ومجدها الذي كان! بحث عن أمانيه في عدن بعد عودته من أمريكا، طلبته صنعاء ليكون وزيرا للاقتصاد وعندما وصل صنعاء أصبح وزيرا للصحة، وبعدها خاض غمار الاقتصاد، تفوق في عمله، لم تتخل عنه الجمهورية، انقلاب وراء انقلاب وظل عبدالعزيز عبد الغني عقلاً متحركاً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، مشكلته انه كان باردا في عمله، انفعالاته كانت خططاً واضحة متلاحقة، لم يخض في السياسة كثيرا وهو في قلبها ومفاعل رفيع المستوى في إنتاج الأفكار، من سمع له فاز، ظل يمارس أعماله بلا ضجيج، لم يصارع احداً، ولم يؤيد القتال يوما، كان صارما في فهم الواقع، سياسياً يفقه واقعه كما هو بكل لعناته، يقذف باستشاراته فيسمع من به صمم إلا أن التنافس والخصومات وكثرة النخيط تعاملت مع أطروحاته بعنجهية غبية!! .. كان يفقه الزعيم حذاقة الرجل وخبرته، لم يتخل عنه وكان وفيا للدولة وللقيادة كما هي عادة رجال الدولة الكبار، مشكلة اليمن أن رجال الدولة قليلون، إنهم كنجم في يوم مشمس، رجال الدولة المسيسون أكثر دهاء من تكنوقراط واحد زايد واحد يساوي اثنين، عبدالعزيز عبد الغني عاش صراعات السياسة كلها لكنه لم يظلم احداً لم يقهر احداً، لم يسرق احداً، لم يقتل احداً، سياسي لم يبال بمقولات الأيديولوجيات ولم يهب أو يخف أو يجبن أمام الاسطوانات المملة التي سلخت جلده، كان يراهن على الفعل الصواب على الواقع كما هو وفي أفعال الحذاقة كان يبذل جهده وقلة ممن يشبهونه في إصلاح ما يمكن إصلاحه فالتراكم طريق لابد منه في مجتمع متهور متخلف مقدس للغنائم والثورات البليدة. .. لم يحمل يوماً مسدساً ولم يكن له مرافقون مكدسون بالاسلحة والنخيط، كان يصنع قرارات كبار ولا يهاب إلا ضمير وطن يبحث عن خلاص، بذل جهده باخلاص متقن لواقعه، براغماتي له أحلام بطل لا يملك غير قلبه وعقله وعلمه، لم يقاتل من اجل منطقة ولا من اجل قبيلة ولا من اجل عصبويات مافوية، قاتل بخبرته من اجل دولة ظلت هي حلمه الأثير، كان وحيدا من سلام في بلد يقدس العنف وقهر الخصوم وإهانة الكبار. .. حدثني أحدهم ممن قدسوا الوطن وخدموه بإخلاص الأنبياء انه لم يبك بحياته مثل ما بكى يوم سمع برحيل عبدالعزيز عبدالغني من الحياة وكل جسده جراح واعظم من ذلك نفسه وروحه المشتعلة بالألم، قال لي صديقه لم ابكِ على أمي مثل ما بكيت عليه، انه حساس وروحه شفافة وضعيفة لا تحتمل العنف والكراهية والحقد والخبث، قال لي لم يمت بسبب جراحه بل عذاباته التي أكلت بقايا جسده وروحه ونفسه، عقله ربما تساءل: لقد كهرت العنف ونبذته لم احمل يوما مسدسا لقد كرهت السلاح والقنابل، كرهت صراعات السياسة، أردت اليمن روحاً متوافقة من اجل دولة حديثة، ربما قال لنفسه متى الخلاص الكل واحد وحلمي وحده المذبوح بين وحوش من انتهازية مقيتة، ربما قال ليتني لم اعد من أمريكا وياليتني ظللت في المدارس افتح للعقول أفق النور ربما وربما وربما... .. ثورة بلا عنوان، عنوانها الوحيد أنها قالت لا للعنف ومن العنف خرج ماردها القاهر للشعب والدولة، ذبحت من نبذ العنف، إنها قتلت رجلاً لم يكسل يوما ولم يمل في خدمة الدولة، لم يُقتل إلا الأبرياء، لا شيخ قتل ولا ضابط كبير فقد حياته ولا سياسي من كبار القوم فقد شيئاً، خرج الكل رابح وضابح وكلهم نخيط في نخيط ودجل يملأ المكان من أفواههم وبنادقهم وأرصدتهم وأحزابهم، وحده عبدالعزيز عبدالغني، العزيز الأبي الرحيم الشفيق، قتل في معركة الحقد والكراهية، لم يغادر غيره.. كان هو عنوان الثورة وخلاصتها، لذلك قتل وحده دون غيره. .. رحمك الله يا أستاذ، لم اعرف احداً من رجال دولتنا بحجمك، بذكائك، بحسك، المرهف، بإخلاصك، بصدقك، أكلوا لحمك وأنت حي وقتلوك وأنت الحي فينا!! -عن المنتصف |