|
الدكتور الغامدي :الاختلاط مشروع وأدلته صريحة قال الدكتور الشيخ أحمد بن قاسم الغامدي، رئيس هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكة المكرمة، إن مصطلح الاختلاط الذي أثار الجدل بعد تدشين جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية "كاوست" لم يُعرف عند المتقدمين من أهل العلم؛ لأنه لم يكن موضوع مسألة لحكم شرعي كغيره من مسائل الفقه، بل كان الاختلاط أمراً طبيعياً في حياة الأمة ومجتمعاتها. واعتبر أن الممانعين له يعيشونه واقعاً في بيوتهم، التي تمتلئ بالخدم من النساء اللواتي يقدمن الخدمة فيها وهي مليئة بالرجال الغرباء، وهذا من التناقض المذموم شرعاً". وعدّ الغامدي "الاختلاط" مصطلحاً طارئاً غير معروف بذلك المعنى عند المتقدمين في مباحث الفقه. وأكمل قائلاً: لذلك كان الخلط في حكمه أكثر جناية حين قال بتحريمه قلة لم يعتبروا بالبراءة الأصلية في إباحته، ولم يتأملوا أدلة جوازه، ولم يقتفوا هدي المجتمع النبوي فيه، وهو قدوتنا في امتثال التشريع في كل شؤون الحياة المختلفة، والحق أنه لم يكن الاختلاط من منهيات التشريع مطلقاً بل كان واقعاً في حياة الصحابة. وأضاف في حديث لصحيفة "عكاظ" السعودية الأربعاء 9-12-2009 أن استعمال الفقهاء لعبارة الاختلاط لا يعدو استخدامهم لمفردات المعجم العربي مثل: أخذ، وأعطى. ولذلك لو بحثت عن مصطلح الاختلاط بهذا المعنى المستحدث لم تجده عندهم، كمصطلح: "الخلوة، والنكاح، والطلاق، والرجعة" كما عليه بقية مصطلحات أهل العلم مثل: البيع، والربا، والسلم، والعرايا، وغيرها، وكالمصطلحات المعاصرة التي يمكن قبولها وإدخالها في المعجم الفقهي ضمن نوازله مثل: "التأمين، المرابحة، السندات، بدل الخلو، الحق المعنوي إلخ..."، لكن بعض المتأخرين لما بالغ في موضوع اختلاط النساء بالرجال وصار اللفظ المعاصر ينصرف إليه بإطلاق، تولد ذلك المصطلح الدخيل المتأخر، فغالط به من لم يميز أو من أراد التلبيس، ومثل ذلك لو بالغ الناس في التحذير من جلوس النساء والرجال ولو كان لمصلحة أو عادة، ولا خلوة ولا ريبة فيه، فتولد من كثرة دوران ذلك اللفظ تحذيراً وزجراً مصطلح: "القعود"، كما تولد مصطلح: "الاختلاط" مثلاً بمثل، ولهذا خطورته متى ألصق بعلوم الشريعة، وفيه مد سلبي على تراثنا الفقهي متى أعطي مزية المصطلحات، فإن ذلك يعني إعطاءه هوية غير معهودة عند أهل العلم والفقه، قد يلتبس بذلك الحق بتقادم الزمن عليه كما حصل الآن في مصطلح الاختلاط. ومضى قائلاً: "لذلك لما ذكرت بعض الموسوعات الفقهية المعاصرة الاختلاط في قاموس ألفاظها، لم تستطع أن تشير إلى أن من معانيه اختلاط النساء بالرجال، بل ذهبت إلى معانٍ أخرى: في الزكاة، والحيوان، والسوائل، وألمحت إلى معناه في مصطلح الحديث. حتى المانعون للاختلاط وعن المانعين للاختلاط قال الدكتور الغامدي: وهكذا الحال في كثير من شؤون حياتنا اليومية، وفي واقع بيوت الكثير من المسلمين ــ ومنهم المانعون للاختلاط ــ تجدها مليئة بالخدم من النساء يقدمن الخدمة فيها وهي مليئة بالرجال الأجانب عنهن، وفي مظهر قد يكون من أشد مظاهر الاختلاط في حياتنا اليومية لا يمكن إنكاره. إن من يحرمون الاختلاط يعيشون فيه واقعاً، وهذا من التناقض المذموم شرعاً، ويجب على كل مسلم منصف عاقل لزوم أحكام الشرع دون زيادة أو نقص، فلا يجعل من حماسته وغيرته مبرراً للتعقيب على أحكام الشرع، وقد أنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك على سعد بن عبادة -رضي الله عنه- حين قال: "والله لأضربنه بالسيف غير مصفح"، في شأن من وجد مع امرأته رجلاً آخر، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- حين رأى أصحابه تعجبوا من غيرة سعد: "أتعجبون من غيرة سعد، والله إني لأغير من سعد، والله أغير منا، ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن"، قال الحافظ ابن عبدالبر: "يريد والله أعلم أن الغيرة لا تبيح للغيور ما حرم عليه وأنه يلزمه مع غيرته الانقياد لحكم الله ورسوله وأن لا يتعدى حدوده فالله ورسوله أغير". فكيف يزايد البعض على المشرع الحكيم، وقد زعم أنه آمن بالله مسلماً بحكمه. مؤكداً: "لقد ارتفع ضجيج المانعين، وعلت أصواتهم في قضية "الاختلاط" مع أن الحجة مع من أجازه بأدلة صريحة صحيحة، فضلاً عن استصحاب البراءة الأصلية، وليس مع المانعين دليل إلا ضعيف الإسناد، أو صحيح دلالته عليهم لا لهم". بالأدلة والنصوص وأشار الدكتور الغامدي إلى أهمية سياق الأدلة الصحيحة الصريحة، وسياق ما احتج به المانعون؛ ليبصر الحق كل منصف دون تعسف أو شطط. عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: خرجت سودة لحاجتها ليلاً بعدما ضرب عليهن الحجاب، قالت: وكانت امرأة تفرع النساء، جسيمة، فوافقها عمر فأبصرها، فناداها: يا سودة إنك والله ما تخفين علينا، إذا خرجت فانظري كيف تخرجين، أو كيف تصنعين؟ فانكفت، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنه ليتعشى، فأخبرته بما قال لها عمر، وإن في يده لعرقاً، فأوحى الله إليه، ثم رفع عنه، وإن العرق لفي يده، فقال: "لقد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن". قلت: أخرجه البخاري ومسلم، وفيه الإذن لنساء النبي صلى الله عليه وسلم بالخروج لحاجتهن وغيرهن في ذلك من باب أولى. وعن سهل بن سعد قال: لما عرس أبوأسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما صنع لهم طعاماً ولا قربه إليهم إلا امرأته أم أسيد، بلت تمرات في تور من حجارة من الليل، فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الطعام أماثته له فسقته تتحفه بذلك. قلت: أخرجه البخاري، وقد بوب عليه البخاري في صحيحه "باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس"، قال الحافظ ابن حجر: وفي الحديث جواز خدمة المرأة زوجها ومن يدعوه. قلت: ومن لوازم ذلك نظر المرأة للرجال ومخالطتهم. وعن سهل بن سعد قال: كانت فينا امرأة تجعل على أربعاء في مزرعة لها سلقا، فكانت إذا كان يوم الجمعة تنزع أصول السلق فتجعله في قدر ثم تجعل عليه قبضة من شعير تطحنها، فتكون أصول السلق عرقه، وكنا ننصرف من صلاة الجمعة فنسلم عليها، فتقرب ذلك الطعام إلينا فنلعقه، وكنا نتمنى يوم الجمعة لطعامها ذلك. قلت: أخرجه البخاري، وفيه ما في الحديث السابق، وقد بوّب عليه البخاري في صحيحه "باب تسليم الرجال على النساء، والنساء على الرجال"، يعني به جواز ذلك، وفيه جواز مخالطة الرجال والنظر إليهم؛ فإنها كانت تقرب الطعام إليهم، وتخدمهم في دارها، كما يفيده الحديث. وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث إلى نسائه، فقلن: ما معنا إلا الماء، فقال صلى الله عليه وسلم: من يضم أو يضيف هذا؟ فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت ما عندنا إلا قوت صبياني فقال: هيئي طعامك، وأصبحي سراجك، ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها، وأصبحت سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ضحك الله الليلة، وعجب من فعالكما، فأنزل الله (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون). قلت: أخرجه البخاري، وفيه جواز الاختلاط، ووقوعه بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم كافٍ في جوازه. وعن عائشة أنها قالت: "لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وعك أبوبكر وبلال رضي الله عنهما، قالت: فدخلت عليهما، فقلت: يا أبت كيف تجدك؟ ويا بلال كيف تجدك؟، ومعنى "كيف تجدك" أي كيف تجد نفسك، كما نقول نحن: كيف صحتك؟ قالت عائشة: فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: "اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد". قلت: أخرجه البخاري، وبوب عليه بقوله "باب عيادة النساء للرجال" قال: وعادت أم الدرداء رجلا من أهل المسجد من الأنصار. قلت: وهذا واضح أيضا في وقوع الاختلاط في عمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أعظم الناس تقوى وفهما لأحكام التشريع. وعن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: "دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش... الحديث". قلت: أخرجه البخاري. وعن الربيع بنت معوذ أنها قالت: دخل عليّ النبي صلى الله عليه وسلم غداة بني علي، فجلس على فراشي كمجلسك مني، وجويريات يضربن بالدف، يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر حتى قالت جارية: وفينا نبي يعلم ما في الغد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لا تقولي هكذا، وقولي ما كنت تقولين". قلت: أخرجه البخاري، والجويريات تصغير جارية، وهي الفتية من النساء، والحديث يفيد جواز الاختلاط، وجواز دخول الرجل على المرأة متى كان معها غيرها من النساء، وفيه جواز استماع الرجل لغناء النساء وضربهن بالدف. وعن فاطمة بنت قيس، أخت الضحاك بن قيس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: انتقلي إلى أم شريك، وأم شريك امرأة غنية من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله، ينزل عليها الضيفان فقلت: سأفعل، فقال: "لا تفعلي، إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان، فإني أكره أن يسقط عنك خمارك، أو ينكشف الثوب عن ساقيك، فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبدالله بن عمرو بن أم مكتوم... الحديث". قلت: أخرجه مسلم، وفيه أن أم شريك ينزل عليها الضيفان ومن لوازم ذلك الاختلاط. وعن سالم بن سريج أبي النعمان قال: سمعت أم صبية الجهنية تقول: ربما اختلفت يدي بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء من إناء واحد. قلت: أخرجه أحمد وأبوداود وابن ماجه، وإسناده صحيح، وأم صبية الجهنية ليست من محارمه صلى الله عليه وسلم، ففيه جواز الاختلاط، وجواز وضوء الرجال مع غير محارمهم من النساء، ولا يلزم منه رؤية ما لا يجوز من المرأة. ويشهد لذلك ما رواه ابن عمر قال: (كان الرجال والنساء يتوضأون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعاً). قلت: أخرجه البخاري، وفيه جواز الاختلاط عموما، وأنه ليس من خصوصياته عليه السلام. وفي رواية بلفظ: (أنه ــ أي ابن عمر ــ أبصر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتطهرون والنساء معهم، الرجال والنساء من إناء واحد، كلهم يتطهر منه). قلت: أخرجها ابن خزيمة، وإسنادها صحيح. وفي رواية بلفظ: (كنا نتوضأ نحن والنساء على عهد رسول الله من إناء واحد، ندلي فيه أيدينا). قلت: أخرجها أبوداود، وإسنادها صحيح، والمعنى في هذه الألفاظ واحد، وكلها تفيد جواز الاختلاط عموماً، وقد وجهه البعض بأن القصد هو وضوء الرجل وزوجه فقط، وهو توجيه باطل، يرده منطوق تلك الروايات التي تقطع بجواز الاختلاط عموماً. وعن الربيع بنت معوذ بن عفراء قالت: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنسقي القوم، ونخدمهم، ونرد الجرحى والقتلى إلى المدينة. قلت: أخرجه البخاري، وفيه جواز خروج المرأة في الغزو لخدمة القوم ومداواتهم، ورد الجرحى والقتلى. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد، ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عنها بعد أيام، فقيل له: إنها ماتت، قال: فهلا آذنتموني"، فأتى قبرها، فصلى عليها. قلت: أخرجه البخاري ومسلم، وفيه مشروعية عمل المرأة في المسجد ونحوه. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاءت امرأة من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخلا بها فقال: (والله إنكن لأحب الناس إلي). قلت: أخرجه البخاري ومسلم، وقوله: (لأحب الناس إلي) يعني بذلك الأنصار، وقد بوب عليه البخاري ــ رحمه الله ــ بقوله: "باب ما يجوز أن يخلو الرجل بالمرأة عند الناس"، قال الحافظ ابن حجر: أي لا يخلو بها بحيث تحتجب أشخاصهما عنهم، بل بحيث لا يسمعون كلامهما إذا كان بما يخافت به، كالشيء الذي تستحي المرأة من ذكره بين الناس. وأخذ المصنف قوله في الترجمة "عند الناس" من قوله في بعض طرق الحديث "فخلا بها في بعض الطرق أو في بعض السكك" وهي الطرق المسلوكة التي لا تنفك عن مرور الناس غالباً. وفيه جواز الاختلاط، وجواز الخلوة بالمرأة عند الناس، وكل خلوة تنتفي فيها التهمة لا يتحقق فيها النهي على الصحيح، وإنما المحرم منها ما تحققت فيه التهمة فقط. وعن عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يعذرني من رجل بلغني أذاه في أهلي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا، وقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا، وما كان يدخل على أهلي إلا معي... الحديث". قلت: أخرجه البخاري، وفيه جواز الاختلاط، وجواز دخول الرجل على المرأة إذا كان زوجها معها. العربية نت |