الحملة الأمريكية على الفضائيات العربية بسبب تغطياتها للوقائع في العراق |
هل أشاروا إليهم؟بقلم: جاكي خوجي في المقال التالي يسلِّط الكاتب الإسرائيلي جاكي خوجي الأضواء على تعامل سلطات الاحتلال الأمريكية مع مراسلي وسائل الإعلام العربية العاملين في العراق. ويأتي مقال خوجي المنشور في صحيفة "معاريف" العبرية في الحادي والعشرين من آقدّر وزير الخارجية الأمريكي، كولين باول، أنّ هذا الحفل الصحفي لن يمر بهدوء، ولكن يخالجني الشك أنه كان مستعداً للمفاجأة التي انتظرته. بعد ثوان من بدء الحدث، أول أمس في بغداد؛ قام واحد من ممثلي الصحفيين العرب الذين جلسوا في القاعة وأعلن عن تركها. توالى خروج قرابة عشرين صحفياً عربياً، بعضهم في إثر بعض من القاعة، تاركين وزير الخارجية مع الصحفيين الغربيين والحاكم المدني بول بريمر. "بعد سنة من الاحتلال الأمريكي، لا يستطيع الأمريكيون توفير الأمن للعراق"، بهذا جابه ممثل الصحفيين العرب الضيف السامي. "نطالب بتحقيق مفتوح أمام الإعلام، ونطالب بالأمن للصحفيين". كل الحضور في القاعة، وفيهم باول نفسه، الذي وصل يوم الجمعة في زيارة مفاجئة للعاصمة العراقية؛ كانوا في تلك الدقائق تحت تأثير الانطباع الصعب لأحداث ليل الخميس في ذلك المساء، في الساعة 22:10 هوجم بالصواريخ فندق "جبل لبنان" في بغداد. تدفقت على المكان قوات أمريكية وطواقم إعلام. هدير الربيعي، مراسلة قناة "العربية" مكثت في ذلك الوقت في مكاتب المحطة، ونوت الخروج إلى المكان بصحبة مصور. زميلها، علي الخطيب، فضل أن تبقى. "لقد خاف عليّ، وخاف الخطر في الخارج"، حكت في البث من الغد، عندما غطت باكية جنازة الخطيب. الخطيب وصديقه المصور، علي عبد العزيز؛ خرجا إلى مكان الحادث، الذي كان قد أحاطت به القوات الأمريكية. منعهما الجنود من التصوير. تخلى كلاهما عن ذلك وبدءا يتحركان عائدين إلى المكتب. وصلت في اللحظة نفسها إلى المكان سيارة أخرى، فولفو مجهولة، اقتربت بسرعة من الحاجز الطارئ. شكّ الجنود في أنّ الأمر يتعلق بسيارة مفخخة، برغم أنّ الأمر لم يكن كذلك. الأمريكيون في ذُعر "شرع الجنود الأمريكيون في إطلاق النار باتجاه الفولفو، وهرب صديقانا سريعاً خوف النار"، قالت هدير الربيعي، "ولكن سيارة أمريكية عسكرية طاردتهما، وأطلقت النار عليهما وأصابتهما في رأسيهما". لا ريب أنّ هذا حدثاً مقصوداً، إذ أنهما قبل بضع دقائق عرّفا نفسيهما وقالا إنهما صحفيين من "العربية". المصور عبد العزيز مات في الحال. وأصيب الخطيب إصابة بالغة ومات بعد ساعات من ذلك. سائقهما أصيب إصابة بسيطة. صورة الخطيب، وهو يُنقل مصابا في رأسه إلى المشفى؛ صوّرها رفاقه وزعزعت ملايين المشاهدين في العالم العربي. "تحدث أخطاء، والمآسي قد تحصل"، قال باول المرتبك لحفنة الصحفيين الذين بقوا في القاعة. "لست أعرف تفصيلات الحادث، ولكنني متيقن أنّ هذا لم يكن شيئاً مقصوداً". في يوم الجمعة صباحا دُفن قتيلا العربية في مسقط رأسيهما في النجف وكربلاء. أضيف إلى بث المحطة منذ ذلك الوقت خط أسود، إشارة حداد. دُعي الخطيب وعبد العزيز "شهداء"، وهو لقب ذو دلالة لا تتعجل المحطة منحه قتلى الأحداث التي تُغطي. برغم ثورة الأحاسيس؛ فإنّ "العربية" غطت الكارثة بضبط للنفس نسبي، كعادتها. "موت رفيقينا"، أعلن مراسل المحطة حسن زيتوني، "لن يشكل عائقا لناً عن البحث عن الأخبار والبحث عن الحقيقة، صباح مساء". هذا الحادث رفع للأوجّ التوتر السائد أصلاً بين قناة "العربية" وسائر القنوات العربية ومنها "الجزيرة"؛ والقوات الأمريكية في العراق. لم يكن هذا حادث القتل الوحيد للصحفيين في يوم الخميس. قبل بضع ساعات من ذلك الوقت قتل الجنود الأمريكيون في مدينة بعقوبة شمالي بغداد ثلاثة صحفيين آخرين، عندما هاجموا حافلة صغيرة للمحطة، وأصيب تسعة من رفاقهم. لبالغ المفارقة؛ الحديث عن رجال طاقم "ديالى تي.في"، وهي محطة إقليمية مؤيدة للتحالف، أقيمت برعاية أمريكية، بين القتلى الثلاثة إحدى الصحفيات أيضاً. ليس الحديث عن ظروف تخفيف، ولكن للقوات الأمريكية في العراق أسباباً حسنة لتكون معدومة الراحة. فبعد سنة من اندلاع المعركة لإسقاط صدام؛ لا يوجد يوم تقريباً لا يُقتل فيه جندي أمريكي بهجوم إطلاق نار، أو لغم جانبي، أو مروحية تسقط أو عمل تفجيري. قُبض على صدام؛ ولكنّ عدد القتلى الأمريكيين يزيد باستمرار، وقد قارب الستمائة. "موت الاثنين يدلّ على عدم إحساس وعلى نوع من الذعر عند الجنود الأمريكيين"، قال لصحيفة "معاريف" الدكتور نبيل الخطيب، رئيس مكتب "العربية" في إسرائيل والمناطق. "في العالم كله يحاول الجنود أن يكونوا حسّاسين نحو الصحفيين، لكن ليس في العراق. هذا أيضاً لا يهمّ أحداً في الولايات المتحدة. ما يحدث بعيداً عن أمريكا؛ ليس موضوعاً للبحث العام هناك". الخطيب، الذي يغطي الساحة الفلسطينية منذ الانتفاضة الأولى؛ يقول إنّ جنود الجيش الإسرائيلي يتصرفون تصرفاً آخر في حالات كهذه. "عدد الصحفيين الذين قتلوا هنا أقل بكثير. منذ اندلاع الانتفاضة في تشرين الأول (أكتوبر) 2000، قُتل في الضفة وفي غزة اثنا عشر صحفياً. الجنود الإسرائيليون في ذُعر أقل، ربما لأنهم يعرفون الميدان معرفة أفضل، وربما لأنهم يتلقون أوامر أكثر صرامة". ويظهر من معطيات رسمية أنّ عدد الصحفيين الذين قتلوا في السنة الأخيرة في العراق يصل إلى تسعة عشر. مع التغطية اليومية للميدان الهائج في العراق؛ فإنّ التصادم بين شبكات التلفاز العربية والحكام الجدد للعراق كان مسألة وقت. قبل ثمانية شهور اتهم مساعد وزير الدفاع، بول وولفوفيتز "العربية" و"الجزيرة" بأنهما تذيعان الأكاذيب وتحرضان على العنف. وقد أثار وزير الدفاع، دونالد رامسفيلد، الادعاء العجيب بأنّ "العربية" لها صلات مع معارضي صدام. "لدينا براهين قاطعة على أنّ العربية واستوديوهاتها في دبي تتعاون مع المقاتلين الذين يكافحون القوات الأمريكية"، كما قال رامسفيلد قبل أيام من اعتقال صدام. "ماذا يتوقعون، أن تعد العربية الأمريكيين قوة تحرير؟ هذه قوة احتلال"، رد مدير برنامج المحطة، صلاح قلاب. "يقدم الإعلام العربي تقارير حقيقية، ربما لا تكون محبوبة لجهات معينة، أو أنها ليست لصالحها"، كما قال عدنان الشريف، أحد كبار "الجزيرة". يضيف الدكتور الخطيب بأنّ "العربية وسائر المحطات العربية ليست قنوات دعاية. في كل ما يتعلق بالعراق؛ فإننا أكثر خبرة من "فوكس نيوز" ومن محطات أمريكية أخرى، أرسلت مراسلين "مزروعين" يرافقون القوات وينشئون من التقارير ما هو مريح للجيش فقط". "الجزيرة" غير مبالية قبل خمسة أشهر، بعد أيام من البث المتفرد لخطاب صدام؛ وصلت قوة شرطة إلى مكاتب "العربية" في بغداد مع أمر إغلاق. وقف من وراء الإجراء مجلس الحكم المؤقت، وهو ذلك الجسم الحاكم العراقي برعاية أمريكية، الذي يدير شؤون العراق. أُمر رؤساء المحطة بوقف كل نشاط وعدم إرسال التقارير من العراق حتى إشعار آخر. "قرّرنا منع بث العربية لأجل مسمى، لأنها تبث دعوة إلى القتل وتحريضاً على القتل بواسطة صوت صدام حسين"، كما أعلن الرئيس المناوب لمجلس الحكم المؤقت، الزعيم الكردي جلال طالباني. "حرية التعبير مضمونة هنا؛ ولكن التحريض على القتل محظور في كل دولة في العالم". رُفع الأمر في غضون شهر ونصف، اكتفت في أثنائها المحطة بتغطية الأحداث من العراق من الأستوديو في دبي. "حرية تعبير بأسلوب أمريكي"، كما سخر كاريكاتير في إحدى الصحف العربية. نُقلت الرسالة الأمريكية إلى المحطة، ولكن يصعب القول إنّ هذا حسّن وضع القوات الأمريكية: ما زالوا حين يقدمون على مكان حدث؛ يجدون هناك دائماً طاقماً أو اثنين من المحطات العربية وصل إلى هناك قبلهم وبدأ ينقل الصور، بلا رقابة، وببث حي. برغم وحدة النضال؛ فإنّ موت رجلي "العربية" لم يحظ لدى المنافسة بأكثر من ذكر عارض، في يوم الجمعة الذي دُفن فيه كلاهما، أُدمج التقرير عن موت الصحفيين بتغطية روتينية "للجزيرة" لمظاهرات جماعية ثارت في العراق بعد صلوات يوم الجمعة، مع الذكرى السنوية الأولى للحرب. جربت "الجزيرة" كارثة مشابهة بعد يوم من سقوط بغداد مع موت طارق أيوب، مراسل المحطة. أيوب، وهو صحفي أردني، قتل من نيران مضادة أمريكية وقت مكث في مكاتب المحطة. لم تجهد "الجزيرة" حينذاك في ضبط النفس، وفي غضون يومين وضعت الحدث في رأس نشرات أخبارها. (المقال بقلم جاكي خوجي، ونشر في يومية "معاريف" في الحادي والعشرين من آذار/ مارس 2001) |