البحث الدلالي عند الشوكاني
الأربعاء, 10-أغسطس-2005عرض/ هشام سعيد شمسان - يعد كتاب "البحث الدلالي عند الشوكاني" للدكتور محمد عبدالله العبيدي، أول جهد فكري ولغوي، ونقدي، يتناول بالدارسة العلمية الجهود الدلالية للإمام الشوكاني، من خلال كتابه "إرشاد الفحول" الذي يعد – بشهادة كثير من العلماء- أهم الكتب الفقهية لجمعه -بين الثنايا- كثيراً من الآراء الأصولية، لعدد من المذاهب المختلفة، وفي هذا الكتاب نجد الباحث يحاول الإفادة –قدر المستطاع- من معطيات علم الدلالة الحديث في الكشف عن جهود الشوكاني في مجال الدلالة، مع الوضع في الاعتبار هدف "استيعاب الدرس الدلالي الحديث، واستيعاب الدرس الدلالي القديم، بحيث يطرح -في الأخير- تصوراً عن رؤية الشوكاني، لمفهوم الدلالة، وموضعها بين جهود الدلاليين العرب، والأجانب، محاولاً في ذات الوقت لفت الباحثين، وأنظار الدارسين إلى مخزون التراث اليمني في المجال الدلالي، كيما يتسنى لهم متابعة ما بدأه الباحث، من جهد.
الكتاب يبدأ تمهيده بتناول حياة الشوكاني، وآثاره التي حصرها الكاتب بـ(42) مؤلفاً منشوراً، أغنى المكتبة العربية واليمنية خصوصاً؛ مشيراً إلى أهم الدراسات والبحوث التي كُتبت عنه؛ بحيث استقصي منها (20) جهداً موزعاً بين الدراسة، والبحث، ورسالة الماجستير، تلا ذلك تعريف موجز بـ(كتاب إرشاد الفحول)- موضوع البحث.
وقد عقد الباحث كتابه في أربعة فصول –فضلاً عن المقدمة والخاتمة- بحيث خصص الفصل الأول لدراسة مفهوم الدلالة عند الشوكاني، ممهداً لذلك بتعريف الدلالة لغة، وفي اصطلاح المناطقة والأصوليين، خالصاً إلى أن علم الدلالة (يمكن تعريفه بأنه دراسة المعنى) أو العلم الذي يدرس المعنى.. ويبحث علم الدلالة في الدلالة اللغوية؛ أي العلاقات اللغوية.. من خلال أربعة أنواع من الدلالة، هي:
- الدلالة المعجمية.
- الدلالية الصرفية.
- الدلالة النحوية.
- الدلالة السياقية.."
ولكي يوضح تصور الشوكاني للدلالة ، والبحث الدلالي، استعرض المؤلف –بدءاً- موجزاً لبعض القضايا اللغوية في كتاب "إرشاد الفحول"، متوقفاً عند ثلاث قضايا، حددها بـ"الوضع" وما يتعلق به، وعنى به البحث في الوضع، والموضوع، والموضوع له، والطرق التي يعرف بها الوضع، و(العلاقة بين الدال والمدلول)، من حيث صلة الألفاظ بطبيعة الموضوع، أو عدمه، و(طرائق الدلالة) التي حُصِرت بطريقتين، سلكها الأصوليون في مؤلفاتهم، وما يكتبون، وهما: طريق المتكلمين "الجمهور"، والذين بدورهم قسموا طرائق الدلالة إلى قسمين، هما المنطوق، والمفهوم، والأخرى هي طريق الفقهاء "الأحناف" وقسموها –كذلك- إلى أربعة أقسام: عبارة النص، وإشارة النص، ودلالة النص، واقتضاء النص.. المؤلف يؤكد على أن الشوكاني اختار تقسيم المتكلمين لطرائق الدلالة.
الفصل الثاني من (البحث الدلالي) يعنونه الباحث بـ(الدلالة الحقيقية، والدلالة المجازية، عند الشوكاني) ويتوقف فيه عند أربعة تموضعات دَرْسية، هي: الحقيقة، والمجاز، وبين الحقيقة والمجاز، والتطور الدلالي، بادئاً بتعريف المجاز، لدى كل من عبدالقاهر الجرجاني، والقزويني، والرازي، ثم الشوكاني، الذي عرفه كالآتي (اللفظ المستعمل في غير ما وُضع له لعلاقة مع قرينة"، لافتاً إلى أن كثيراً من الأصوليين، ومنهم الشوكاني، اهتموا بدراسة علاقات التجوز؛ إدراكاً منهم لقضية التغيير الدلالي الذي يعتري الألفاظ.. ومن الأمور التي يعرف بها المجاز –حسب تعريف الشوكاني- ويتميّز به عن الحقيقة "أن يقع بالنص، أو الاستدلال.." وفي مسألة التطور الدلالي أورد الكتاب إشارات عن بعض مظاهر القصور الدلالي، لدى الشوكاني أثناء حديثه عن الحقيقة والمجاز.
مورداً بعض الأمثلة من كتابه "إرشاد الفحول" –موضوع الدراسة- وتتمثل بهذه العنونات:
· تضييق المعنى، أو تخصيص الدلالة: ومن أمثلة ذلك "الحج" و"الصيام"، فكل منهما موضوع في اللغة، إما للقصد مطلقاً، كالحج أو الإمساك مطلقاً كالصيام، فأما الحج في الشرع فقد خصص بقصد مخصوص هو قصد بيت الله الحرام، و"الصيام" خصص في الشرع، لإمساك مخصوص.
· توسيع المعنى، أو تعميم الدلالة: ومن أمثلة ذلك للشوكاني، لفظ "التولِّي"، فهو الإعراض بالجسم، ثم استُعمل في الإعراض عن الأمور، والأديان والمعتقدات، اتساعاً ومجازاً.
· انتقال المعنى، أو تغيير مجال الدلالة: ويجري على سبيلين، هما: الاستعارة، والمجاز المرسل.
· التغيير المتسامي (اللامساس): ويحصل نتيجة تجنب استعمال الكلمات ذات الإيحاءات المكروهة، بحيث تستبدل الكناية بصريح القول، فيكنى عما يسيء، ويورّي عما ينفِّر، ويؤلِم، بمعسول القول، وجاء الكتاب بأمثلة توضح ذلك كلفظ "الرفت" قال الشوكاني: إنها كناية عن الجماع.
· الفصل الثالث يدور حول تعدد المعنى ومشكلاته، وتضمن التباين، ثم الترادف "مفهومه، وخلاف العلماء حول وقوعه، ومن ثم مفهومه عند الشوكاني، وموقفه منه"، كذلك تناول الاشتراك اللفظي (مفهومه، وموقف العلماء منه- لغويين، وأصوليين- ثم مفهومه عند الشوكاني" واُخُتتم الفصلُ بموجز عن التضاد، كما يراه الشوكاني، موضحاً أن الشوكاني لم يكن ليفرق بينه وبين مفهوم الاشتراك اللفظي، معتبراً أن الأول – التضاد- هو من المشترك اللفظي، ومن أمثلة ذلك: القرء؛ فهو مشترك- بتعريف الشوكاني- بين الطهر والحيض، والجون: مشترك بين الأبيض والأسود...الخ.
وبانتقالنا إلى فصل آخر المطاف في كتاب العُبيدي، نقرأ: الدلالة السياقية، عند الشوكاني، موطئاً لها بعرض عن نظرية السياق، باحثاً في جذورها التراثية، وعند الشوكاني تحديداً، وموضحاً أهميتها في البحث اللغوي المعاصر، من خلال آراء العلماء معاصرين نحو "دي سوسير" و"فندريس" و"رومان ياكبسون" و"فيرث" و"جون لاينز" وغيره.. ثم عرج إلى آراء عدد من البلاغيين، والأصوليين، والمفسرين، القدماء في نظرية السياق، كالشاطبي، والجاحظ، والجرجاني، وصولاً إلى السياق والدلالة لدى الشوكاني.
- الكتاب: البحث الدلالي عند الشوكاني ط1، 2004.
- المؤلف: د/ محمد عبدالله العبيدي.
- جهة النشر: وزارة الثقافة والسياحة- اليمن.