الأمن القومي الإيراني
الأحد, 14-مايو-2006مصطفى عبد الرازق -
مؤلف هذا الكتاب هو الدكتور ممدوح أنيس فتحي وهو حاصل على الدكتوراه في تخصصات عدة تشمل العلوم السياسية والإستراتيجية والقانون الدولي والتاريخ الحديث والمعاصر، وقد صدر له من قبل نحو 45 كتابا ومرجعا عسكريا وسياسيا وتاريخيا منها كتاب «الإمارات إلى أين؟» الذي عرضنا له من قبل على صفحات «بيان الكتب».
ويحاول المؤلف في إصداره الجديد فك اللغز الذي يحيط بالقضية الإيرانية التي لا تزال رغم مرور أكثر من 27 عاماً على قيام ثورتها الخمينية تمثل للكثيرين معضلة مستعصية على الفهم، حيث توجد فجوة بين الأقوال والأفعال وبين الشعور بالضعف والسلوك الحماسي وبين المصالح الإيديولوجية والمصالح القومية.
ومن هنا يأتي الكتاب في محاولة من داخل إيران، وفق ما يذكر الدكتور ممدوح، لفهم أمنها القومي بمفهومه الشامل والتعرف على المسؤولين عن تخطيطه وإدارته ولذا تم الاعتماد على كم هائل من المصادر الإيرانية من خطب وأحاديث وتصريحات ومقابلات بما يتيح للقارئ فهما أوضح ومعرفة أوثق بإيران الحقيقية وسلوكها الواقعي الداخلي والخارجي حاليا وفي المستقبل.
وبشكل عام يلخص المؤلف المراحل التي مرت بها سياسة الأمن القومي الإيراني بثلاث مراحل متباينة بين المثالية الثورية (1979 ـ 7 19) وازدواجية العمل بين براغماتية وثورية (1997 ـ 2004) ثم العودة إلى الثورية المتطرفة مع تولي الرئيس نجاد لمقاليد الرئاسة منتهيا إلى أن إيران الخمينية لم تحقق حتى الآن أهدافها ومصالحها الأمنية لكنها ما زالت متمسكة بمرتكزات تحقيق أمنها القومي من مصالح وأجهزة لصنع القرار وإدراك خاص للتهديدات ورؤية محددة لآليات المواجهة.
بداية يتعرض المؤلف للمعطيات الإستراتيجية للمعضلة الأمنية وتأثيرها على الأمن القومي للدولة وتشمل هذه المعطيات موقع الدولة وشكلها ومساحتها وحدودها البرية والبحرية وأهم مظاهر السطح والعمق الإستراتيجي والمشكلات الحدودية ومدى تعرض الدولة للظواهر الطبيعة الكارثية وتكوين الدولة الديمغرافي والوقوف على الأهمية الإستراتيجية لإيران إقليميا ودوليا والمعطيات التاريخية والعقائدية.
ومن هذا المدخل يتطرق إلى موقع قضية الأمن في السياستين الداخلية والخارجية الإيرانية مشيرا إلى أن إيران حاليا لا تملك سوى سياسة أمنية، فعلى الرغم من انتفاء التهديدات الخارجية المباشرة للأمن القومي الإيراني في بداية القرن الحادي والعشرين خاصة بعد القضاء على حركة طالبان في أفغانستان وصدام حسين .
ونظامه في العراق، إلا أن القيادة الدينية السياسية الإيرانية لا تزال متمسكة بالتوجه الأمني كمرتكز أساسي في سلوكها الداخلي والخارجي في ظل الشعور السائد لدى النخبة الحاكمة بأن أهداف الثورة الإسلامية ما تزال تواجه تهديدات.
ومخاطر عدة من أخطرها المشروع الأميركي لإعادة هيكلة الشرق الأوسط الكبير الذي يهدف إلى فرض السيطرة على منابع النفط وتحقيق الأمن المطلق والنهائي لإسرائيل ما يمثل استهدافا واضحا لأمن الجمهورية الإيرانية.
ويقدم المؤلف هنا عرضا لأراء ومواقف النخبة الحاكمة والأكاديمية المثقفة الإيرانية لمفهوم الأمن القومي. ومن أهم ملامح هذا المفهوم وفقا لما يقدمه المؤلف محورية البعد الشيعي ، والاعتقاد بـ «فارسية» الخليج.
ويتناول المؤلف بعد ذلك منظور إيران للتحديات والتهديدات التي تواجه أمنها القومي فيشير إلى أن إيران تنظر إلى العالم من منظور أيديولوجي فترى العالم قسمين هما عالم الشر أو المستكبرين وتقوده الولايات المتحدة وعالم الخير او المستضعفين وتقوده الثورة الإسلامية في إيران أو وفق ما جاء في التراث الإسلامي من تقسيم العالم إلى دار الحرب ودار السلام، لذا فإن رؤيتها لأمنها القومي تنطلق من طبيعة العلاقة بين دول العالم الكبرى.
وإيران فهي إما مع الجمهورية الإسلامية وإما ضدها، أما بالنسبة إلى دول الجوار الجغرافي، خاصة الخليجية، فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ترى ضرورة أن تعترف هذه الدول طواعية بمكانة إيران وقوتها أو تقوم إيران بفرض الأمر الواقع عليها.
ويقدم المؤلف رؤية شاملة لمنظور التهديدات مشيرا إلى أن هناك أربعة مستويات من التهديدات هي أولا: النظام الدولي وإفرازاته وظواهره مثل العولمة ومنظمة التجارة العالمية. المستوى الثاني تهديدات القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا الاتحادية والصين.
أما المستوى الثالث فهو التهديدات الإقليمية وتشمل منطقة الخليج ودول بحر قزوين ودول الجوار الأسيوية وإسرائيل. أما المستوى الرابع فهو الداخلي.
ينتقل المؤلف بعد ذلك إلى تناول وسائل وآليات الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتحقيق أمنها القومي، ويشير إلى أن من يستقرئ سلوك وإجراءات إيران عبر 27 عاما لحماية مصالح أمنها القومي داخليا وخارجيا في مواجهة التهديدات المتربصة بها يستطيع أن يرصد وسائل وآليات عدة تعتمد عليها القيادة الإيرانية بطوائفها وتياراتها كلها وفق ترتيب معين مرتبط بمعطيات أمنها القومي المختلفة والمجال الحيوي الذي تتعامل معه.
ويشير إلى أنه على سبيل المثال نجد أن إيران تتعامل مع دول الخليج بالمزج بين السياستين العسكرية والنفطية والدور العقائدي بينما عند تعاملها مع دول منطقة بحر قزوين وآسيا الوسطى تمزج بين السياستين الخارجية والعسكرية في حين انها تعتمد على السياسة الإعلامية وأجهزة الاستخبارات لمواجهة تهديدات الأمن الداخلي وهذا كله لا يعني إغفالها للآليات والوسائل الأخرى ولكن يوجد فرق واضح بين الوسيلة أو الآلية الرئيسية والمساعدة.
ومن هذا الجانب ينتقل المؤلف إلى قضية القضايا في اللحظة الراهنة وتتعلق بالقدرات النووية الإيرانية والتي يتناولها المؤلف تحت عنوان «اللغز النووي الإيراني» ودوره في تحقيق الأمن القومي.
وفي هذا يشير إلى أنه خلال السنوات العشر الماضية حاولت إيران الحصول على اليورانيوم المخصب من المنشآت النووية التي لا تخضع لرقابة جيدة في كازاخستان وجورجيا وعلى تقنيات معالجة وقود المفاعلات النووية من الأرجنتين.
وعلى مفاعلات نووية لأغراض البحث من الأرجنتين والصين والهند وروسيا ومفاعلات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية من روسيا والصين وعلى تكنولوجيا تخصيب المواد المشعة بجهاز الطرد المركزي من سويسرا وألمانيا.
ويشير إلى حيازة إيران مفاعلات نووية لأغراض البحث المدني ومفاعلات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية وتكنولوجيا من روسيا وفنيين فضلا عن أن لديها خبراء نوويين وكلها عناصر ستساعدها على امتلاك الأسلحة النووية. ويقدم المؤلف رؤية شاملة لحقيقة التوجهات الإيرانية النووية مستعرضا التطور التاريخي للبرنامج النووي الإيراني والتعاون الخارجي.
وضمن سياق تناول هذا الجانب الذي يعد الأبرز في دائرة الاهتمامات الدولية في الفترة الحالية إزاء نجاح إيران في تخصيب اليورانيوم يشير إلى أن معظم الأطراف قد تعاملت معه من منظور إدارة الأزمة والذي يهدف كل طرف فيها إلى تجنب تصعيد الموقف بحيث يؤدي إلى حدوث مواجهة عسكرية،مع محاولة التحكم في مسار التفاعلات المحيطة بالأزمة سعيا من كل طرف إلى صيانة مصالحه.
ويقسم الدكتور ممدوح الأزمة إلى خمس مراحل رئيسية متباينة لكل منها ظروفه وتداعياته على مسار الأزمة. المرحلة الأولى هي الاشتباه في النوايا النووية الإيرانية من يناير 1995 وحتى أغسطس 2002.
المرحلة الثانية والتي بدأت فيها الأزمة في أواخر 2002 حينما وجه المسؤولون الأميركيون اتهامات لإيران بأنها قامت ببناء منشأتين نوويتين جديدتين. الثالثة مرحلة التهدئة والتفاوض المشروط واستغرقت الفترة من اكتوبر 2003 وحتى ديسمبر 2005. أما المرحلة الأخيرة فهي مرحلة التصعيد والمواجهة من يناير 2006 وحتى الآن.
أما بالنسبة لحقيقة البرنامج النووي العسكري الإيراني وردود الفعل المتوقعة فيبدو الكاتب يميل إلى ترجيح فرضية سعى إيران لامتلاك أسلحة نووية باعتبار القاعدة العامة التي وضعتها اللجنة الدولية لحظر انتشار الدمار الشامل بأن أي دولة يشتبه في أنها تسعى لإقامة برنامج نووي عسكري فهي تمتلك فعلا مثل هذا البرنامج. أما دوافع التوجه النووي الإيراني فتشمل البقاء والردع والهيبة والمكانة والأمن والاستقلال الكامل وحالة القوى العظمى.
ويشير المؤلف إلى أنه من خلال وضع كل دافع من هذه الدوافع في مكانه وفق مصفوفة منطقية متسلسلة يمكن أن نتعرف إلى مدى المكاسب التي يمكن أن تحصل عليها إيران من امتلاك سلاح نووي.
وأما عن الاحتمالات المختلفة لامتلاك إيران سلاحاً نووياً فيشير إلى ثلاث نقاط يعزز كل منها بما يدور من وقائع وتتراوح بين الإمكانية وعدمها أو امتلاكها بالفعل.
وفي كل الأحوال يشير إلى أن الموقف سواء امتلكت إيران سلاحا نوويا أم لم تمتلك لا يمنع وجود خيارات عدة مطروحة على الإدارة الأميركية التي قد تتفق مع أو تختلف مع قرارات مجلس الأمن ومنها غزو إيران أو خيار تغيير نظام الحكم .
أو اللجوء إلى إجراءات أحادية الجانب من خلال استراتيجية الخنق الإستراتيجي بحيث تشعر إيران بعدم وجود أي مخرج سوى الرضوخ للمطالب الأميركية، ورابع الخيارات المتاحة أميركيا وليس آخرها توجيه ضربة عسكرية اجهاضية للقدرات النووية.
وإن كان هذا الخيار الأخير يحمل في طياته تداعيات خطيرة من أهمها تصعيد النظام الإيراني هجماته ضد المصالح الأميركية فضلا عن تفعيل رغبته في دخول جولات أخرى من الصراع .