الجمعة, 26-أبريل-2024 الساعة: 06:59 ص - آخر تحديث: 02:05 ص (05: 11) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
المؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
بنك عدن.. استهداف مُتعمَّد للشعب !!!
راسل القرشي
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
تطلعات‮ ‬تنظيمية‮ ‬للعام ‮‬2024م
إياد فاضل
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
قضايا وآراء
المؤتمر نت - أحمد الحبيشي
أحمد الحبيشي -
اليمن والسعودية شريكان في الحرب على الإرهاب ( 11 ) اللحية ليست لها هوية حصرية
تناولنا خلال الحلقات السابقة بالنقد والتحليل عددًا من الأفكار المحورية التي عرضها الأخ عبدالفتاح البتول في مقالين نشرتهما صحيفة (الناس)، والأخ مروان الغفوري في مقال نشرته صحيفة (المصدر)، حيث حرصنا على مقاربتها بمضامين ومنطلقات الخطاب السياسي والديني للحركة الصحوية في اليمن والسعودية، بما هي مشروع سياسي ملتبس بالدين في بيئة عالمية جديدة ارتبطت بظهور الطور الجديد للعولمة المعاصرة ، على أثر دخول الحضارة الصناعية الحديثة مرحلة تاريخية نوعية تميَّزت بالانطلاق المتعاظم لمنجزات ثورة تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، وتجلياتها على صعيد الانفجار المعرفي بالتزامن مع انتهاء الحرب الباردة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية الدولية، إيذانـًا بتحول العَلاقات الدولية إلى نظام عالمي جديد يتشكل باتجاه تكامل وتناقض وتنوع المصالح، بدلاً من توازن القوى القائم على الاستقطابات الأيديولوجية والاقتصادية والعسكرية.
وفي هذه الحلقة سأتناول ما تبقى من أفكار الأخ مروان الغفوري في مقالته الغاضبة على فيلم (الرهان الخاسر) بما هو عمل ثقافي مناهض للتطرف والإرهاب، حيث يرى الغفوري أن بعض مشاهد الفيلم تشكل إهانة للما أسماها (اللحية اليمنية) واتهامًا صريحًا لها بالإرهاب، متجاهلاً المنطلقات الفكرية والعقدية لمرتكبي الجرائم الإرهابية التي ينفذها أتباع تنظيم (القاعدة) بوصفها مرتكزا أساسيا للمشروع السياسي والايديولوجي الذبي يجسد تصور هذا التنظيم ــ ومن هم على شاكلته من الجماعات المتطرفة والمتشددة التي تدور في فلكه ـــ لنمط الحياة في ظل الدولة الدينية التي يسعون اليها ، تحت شعار الجهاد من أجل إحياء نظام الخلافة، وتطبيق الشريعة الإسلامية، وهو المشروع الذي وجد تطبيقـًا له في نمط الحياة الذي فرضته الجماعات الجهادية المسلحة، من خلال نموذج "الإمارة الإسلامية" كنواة لإقامة نظام (الخلافة)، على نحو ما حدث في إمارة أسيوط وإمارة أمبابة في مصرَ أواخر الثمانينات، وإمارة طالبان في أفغانستان خلال النصف الثاني من التسعينات، بالإضافة إلى الإمارات المبعثرة في إطار ما تسمى بدولة العراق الإسلامية، وغيرها من النماذج التي فرضتها الجماعات الجهادية المسلحة بالقوة في بعض مناطق المغرب العربي والصومال وجبل حطاط في محافظة أبين على مقربة من مدينة عدن العاصمة الاقتصادية والتجارية لليمن الموحد ، قبل نجاح الحملة الأمنية الأخيرة التي طهرت مدبنة مدينة جعار وبقية مناطق مديرية خنفر من إرهاب وتخريب الجماعات المتطرفة الخارجة عن القانون .
وكما هو معروف فقد شهدت هذه النماذج قيام الجماعات المتطرفة التي أنشأت تلك الإمارات المأزومة قبل سقوطها بإجبار الرجال على إطلاق اللحى بما لا يتجاوز طول كف إحدى اليدين، وهو ما يدحض محاولة الغفوري إضفاء (هوية يمنية) على اللحى التي يعتبرها المتشددون الإسلاميون ركنـًا من أركان العقيدة الإسلامية، استنادًا الى مخرجات فقهية موروثة من النظام الإقطاعي في العصور القديمة التي لم يكن المجتمع البشري قد اخترع حينها أدوات الحلاقة والتنعيم والتجميل الحديثة.
ولا ريب في أنّ إطلاق اللحى والاكتفاء بجز الشوارب كان سلوكًا عامًا يشترك فيه المسلمون والمسيحيون واليهود وغيرهم من أتباع الأديان غير السماوية، بمن فيهم الملوك وقادة الجيوش والعلماء والفقهاء والشعراء والتجار والقضاة والنبلاء في الإمبراطوريات القديمة، وبضمنهم الرهبان المسيحيون والأحبار اليهود وفقهاء المسلمين، فيما كان عدم إسبال الثياب ضرورة تفرضها شروط البيئة الطبيعية التي كانت تضطر الإنسان إلى رفع ملابسه فوق القدمين أثناء تحركاته وتنقلاته وسط الأتربة الممزوجة بمياه الأمطار قبل ظهور الطرق المرصوفة والشوارع المسفلتة والسيارات الميكانيكية في العصر الحديث ، مع الأخذ بعين الاعتبار ان الانسان ، وبصرف النظر عن معتقداته الدينية ، يضطر أحيانـًا ـــ حتى وهو في العصر الحديث ـــ الى رفع ملابسه الطويلة فوق القدمين أثناء هطول الأمطار التي تغرق الطرقات والشوارع المرصوفة والمسفلتة بالمياه والأتربة، وتحول دون حرية الحركة والتنقل مشيًا على الأقدام، عندما يكون من الصعب على الإنسان استخدام وسائل المواصلات الحديثة أثناء تدفق سيول المطار الغزيرة والفيضانات على الشوارع والطرقات المسفلتة، وما يترتب على ذلك من غياب القدرة على الحركة بواسطة وسائل النقل العصرية.
المثير للتساؤل أنّ مروان الغفوري أبدى سخرية غير مفهومة في مقاله الذي نشرته صحيفة (المصدر) من احتواء فيلم (الرهان الخاسر) على مشاهد تسلط الضوء على المنطلقات الفكرية للمشروع السياسي والثقافي الذي يسعى إرهابيو تنظيم (القاعدة) إلى تحقيقه على طريق إقامة الدولة الإسلامية، من خلال إبراز نمط متشدد ومنغلق للحياة، يقوم على تحريم استخدام أجهزة التلفزيون والتسجيلات الغنائية، ومنع النساء عن العمل والدراسة، وتكفير الرسوم والصور والفنون إجمالاً.. وقد حاول الغفوري إنكار هذه الحقائق بأسلوب سطحي وساخر، لكنه أخفق في إقناعنا بصواب وجهة نظره حين زعم بأنّ كل هذه المعتقدات التي نسبها فيلم ( الرهان الخاسر ) الى المتطرفين ، لا أساس لها من الصحة في الواقع، زاعما ًأنّها تشبه (الحواديت) التي كان يسمعها في القرية.
من الواضح أنّ ثقافة الغفوري لم تسعفه للاطلاع على جذور هذه المعتقدات في التراث الفقهي الذي ساد المجتمع الإسلامي بعد غروب شمس الحضارة الإسلامية، بالتزامن مع تراجع مساهمة المسلمين في ميدان إنتاج الحضارة، واضطهاد وتكفير علماء الطب والفيزياء والكيمياء والرياضيات والفلسفة من قبل فقهاء الملوك والسلاطين ، ومحاربة العقل كأداة للتفكير النقدي، وسيادة ثقافة النقل ومنع الاجتهاد، الأمر الذي أدى إلى تأخر المسلمين وتفكك الدولة الإسلامية وظهور دول وملوك الطوائف، وانتقال مركز الحضارة الإنسانية إلى أوروبا التي شهدت صراعًا حادًا بين الكنيسة والعلماء والمفكرين على إثر ظهور وتوسع الاكتشافات العلمية والجغرافية التي مهدت لولادة الثورة الصناعية الأولى، وظهور الدولة القومية، وتراجع دور ومكانة رجال الدين ومحاكم التفتيش التي اشتهرت بمحاربة العلوم والأفكار الحديثة وكفرت المشتغلين بها.
لسنا بحاجة الى التذكير بالتجربة الاستبدادية لإمارة "طالبان"، التي طبقت مفهومًا متطرفـًا للشريعة الإسلامية بواسطة منظومة متكاملة من السياسات والممارسات والقوانين التي أساءت إلى الإسلام وشوّهت معانيه وقيمه ومبادئه، حيث تمّ منع النساء عن العمل والتعليم، وإجبارهن على البقاء في البيوت، كما تمّ تحريم مشاهدة التلفزيون وممارسة الغناء والعزف على الآلات الموسيقية ، وحظر استخدام الرسوم والصور ، وإجبار الرجال على إطالة اللحى ، وإقامة الحدود بالشبهات في الميادين العامة ، وصولاً إلى تحطيم الآثار الحضارية القديمة، وهو ما تكرر أيضًا مرةً أخرى على أيدي الجماعات الجهادية المتطرفة في بعض مناطق العراق والصومال والمغرب العربي أثناء سيطرة جماعات جهادية اشتهرت بمواجهة الدولة واضطهاد المخالفين وقطع الرقاب وسفك الدماء، والاتجار بالمخدرات واغتصاب النساء ونهب الأموال ونشر ثقافة الكراهية ضد الأغيار المخالفين من أتباع الأديان والمذاهب الأخرى.
مما له دلالة عميقة أنْ تـُعيد (طالبان باكستان) إحياء هذا النموذج الاستبدادي في منطقة (وادي سوات) بعد الاتفاق الذي أبرمته الحكومة الباكستانية مع حركة تطبيق الشريعة الإسلامية، وسمحت بموجبه لحركة (طالبان باكستان) بتطبيق شريعتها الخاصة بها في وادي سوات .. وقد دشنت هذه الحركة مشروعها الجهادي بإحراق وتفجير مدارس البنات ومحلات التسجيلات الغنائية والموسيقية، وتحطيم أجهزة التلفزيون، الأمر الذي يوحي بأنّ ثمة شريعة أخرى لهذه الجماعات تختلف عن الشريعة الإسلامية التي يعتبرها دستور جمهورية باكستان مصدرًا وحيدًا للتشيع منذ عهد الرئيس الباكستاني الأسبق الجنرال ضياء الحق وحتى الآن، وأنّ ما أورده فيلم (الرهان الخاسر) من مشاهد حول نمط الحياة الذي تسعى إلى فرضه وتطبيقه هذه الجماعات يعد مأساة حقيقية ، وليست "حواديث" كتلك التي كان الغفوري يسمعها في القرية يوم كان صبيًا.
وبوسع الأخ مروان الغفوري أنْ يتأكد من صحة المشاهد التي أوردها فيلم "الرهان الخاسر" بهذا الشأن، بإطلالة سريعة على ما يتم تدريسه للتلاميذ والطلاب الذين يرتادون بعض المراكز والمدارس الدينية غير الرسمية في اليمن تحت مسمى تعليم ( العلوم الشرعية )، وبإمكانه أيضًا مراجعة ما جاء في مذكرة ( تحريم الكوتا النسائية ) التي وقع عليها عدد من الفقهاء السياسيين في بلادنا قبل حوالي عام، وطالبوا فيه بمنع النساء من العمل بزعم أنّ خروج المرأة إلى العمل يؤدي إلى الاختلاط بالرجال، وإثارة الشهوات وكثرة أولاد الزنا!!!
ومن نافل القول إنّ ما تقدَّم يندرج في سياق المناهج والأفكار التي تولت نشرها حركة "طالبان" في أفغانستان من خلال مدرسة "منبع العلوم" التي أسسها في قندهار الشيخ جلال الدين حقاني، بالإضافة الى وزارة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سيئة الصيت، التي كان وزيرًا لها قبل سقوط دولة "طالبان" ، حيث مارست هذه الوزارة القمعية أبشع صنوف الاضطهاد والتنكيل والاعتداء على الحريات وجعلت حياة السكان جحيما في أفغانستان .
وبوسع الغفوري أيضًا مراجعة كتاب (التبرئة) للدكتور "أيمن الظواهري، القائد الثاني لتنظيم القاعدة"، الذي تضمن إشادة كبيرة بهذه الأفكار التي أشرف على نشرها وتطبيقها الشيخ جلال الدين حقاني وارتبطت باسمه شخصيًا، عندما كان وزيرًا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومديرًا لمدرسة (منبع العلوم) في دولة "طالبان".
والحال إنّ الظواهري كان أشجع من الغفوري في الدفاع عن سياسات وممارسات دولة "طالبان" التي جرى بموجبها منع النساء عن العمل والتعليم، وتحريم التصوير والصور والفنون، وتكفير الاستماع إلى الأغاني والموسيقى، وإجبار الناس على إطالة اللحى، وتحطيم الآثار والتماثيل الأثرية، وقد واجه الظواهري بصراحة ووضوح مختلف الانتقادات التي تعرضت لها تجربة "طالبان" بهذا الشأن، وقام باستعراض نصوص الفقهاء القدامى والمحدثين الذين قالوبوجوب تلك المحرمات والممنوعات، ولم يقل عنها بأنّها "حواديث" أو افتراءات.
وذهب الظواهري في دفاعه عن تجربة "طالبان" في كتاب "التبرئة" إلى التذكير باللقاء الشهير الذي تم بين الشيخ جلال الدين حقاني وزير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، مع وفد من علماء المسلمين جاء إلى أفغانستان لتقديم النصائح لحركة "طالبان" كي تتوقف عن تطبيق تلك السياسات وتتراجع عنها، بذريعة انها تسيء إلى الإسلام وصورة العالم الإسلامي، ناهيك عن أنّها تحرج وتضعف الحركات الإسلامية المعارضة وتحول دون وصولها الى الحكم وإقامة الدولة الإسلامية في بلدانها . وقد كان هذا الوفد برئاسة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي والشيخ الدكتور محمد فريد واصل والأستاذ فهمي هويدي وجميعهم من الأخوان المسلمين.
والمدهش حقاً أن الوفد الذي ترأسه الشيخ القرضاوي ( تلقى ردًا صادعًا بالحق من الشيخ جلال الدين حقاني ) بحسب قول الظواهري في كتاب ( التبرئة ) ، سواء أثناء لقائه المباشر مع قادة إمارة ( طالبان) في قندهار، أو من خلال المقابلة التلفزيونية التي أجراها المذيع تيسير علوني وأذاعتها قناة (الجزيرة) مع الشيخ جلال الدين حقاني قبل عامين من سقوط دولة طالبان، والتي سلط فيها الضوء على لقائه بوفد علماء المسلمين أثناء زيارته مدينة قندهار بهدف تقديم النصح لقادة"طالبان" ، ومساعدتهم على تحسين صورتهم في الخارج ، وإخراج "إمارتهم" الإسلامية من عزلتها الدولية ، حيث لم يعترف بتلك الامارة ـــ حتى لحظة سقوطها غير المأسوف عليه ــــ سوى دولة واحدة ، هي جارتها باكستان التي قامت أجهزة مخابراتها بانشاء ( طالبان)!!
في ذلك اللقاء التلفزيوني ــ الذي يحتفظ كاتب هذه السطور بنسخة أصلية منه أنتجتها قناة "الجزيرة" للبيع والتوثيق ـــ كان الشيخ جلال الدين حقاني شجاعًا وصريحًا عندما كشف النقاب عن بعض تفاصيل ذلك اللقاء الذي وجه فيه إلى وفد العلماء سؤالاً واضحًا ومحددًا وهو : هل ما طبقته حكومة "طالبان" مخالف لتعاليم الشريعة الاسلامية أم لا.. ؟ فكان جواب الوفد برئاسة الشيخ يوسف القرضاوي يشير بوضوح الى صحة ما يجري في دولة "طالبان" من سياسات وممارسات ، ويؤكد انسجامها مع الشريعة الإسلامية وعدم التعارض معها، ولكن تحفظ وفد العلماء محصور في الوقت، لأنّه غير مناسب لتطبيق هذه السياسات المعبرة عن روح الشريعة الإسلامية وتعاليمها .. بمعنى (مش وقته) حسب تعبير القرضاوي على لسان الشيخ جلال الدين حقاني !!
على الفور كان رد الشيخ جلال الدين حقاني قويًا، حيث تمسك بحق حكومة "طالبان" في تطبيق تلك السياسات طالما أنّها لا تتعارض مع الشريعة.. ( أما إذا كان ما يستدعي النصح والمطالبة بوقف التنفيذ يعودان إلى أن التوقيت غير مناسب – على الرغم – من أنّ تلك السياسات لا تخالف الشريعة الإسلامية ومستمدة منها، فإن حكومة "طالبان" هي من يقرر تحديد الوقت المنسب لتطبيق الشريعة ) بحسب ما جاء على لسان الشيح حقاني .
في هذا السياق يمكن أنْ نفهم القواسم المشتركة بين منطلقات وأبعاد وأهداف الخطاب الصحوي لحركات الإسلام السياسي التي تدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية بالوسائل السلمية من جهة، وبين الخطاب الأيديولوجي للجماعات الجهادية السلفية المسلحة وفي مقدمتها تنظيم (القاعدة) الذي يعمل على تحقيق الهدف نفسه بالإرهاب المسلح، وهو مشروع سياسي بامتياز يسعى إلى تطبيقه في اليمن والسعودية كل من الحركة الصحوية الإخوانية وتنظيم "القاعدة" الموحد من جهة أخرى .
بوسع الباحث الموضوعي التعرف على تشابه عناوين هذا المشروع في "خطاب المطالب" و"مذكرة النصيحة" وغيرها من المذكرات المتوالية التي دأب شيوخ الحركة الصحوية الإخوانية وتنظيم "القاعدة" في اليمن والسعوديةعلى رفعها الى حكومتي هذين البلدين الشقيقين ، وجميعها تتحدث عن انتشار الرذيلة والفجور في اليمن والسعودية بسبب عمل المرأة وتزايد عدد الكفار الأجانب الذين يزورون اليمن وجزيرة العرب لنشر الخنا والتبشير بالمسيحية تحت مسمى السياحة، كما تحذر مذكرات الفقهاء السياسيين ـــ في الوقت نفسه ـــ من (إقامة المهرجانات الغنائية والموسيقية والسياحية) في اليمن والسعودية ، وتدعو أيضًا إلى (منع المرأة من الخروج للعمل و التسوق)، كما أنّها تطالب ـــ أيضا ـــ بوقف بث الأغاني والموسيقى ومنع ظهور المذيعات في التلفزيون اليمني والسعودي وحظر عرض الأفلام التي يظهر فيها رجال ونساء ، ومعاقبة الصحف والمجالات والكتابات التي تخالف من يسمونهم ( العلماء ) وتستهزئ بأفكار (ورثة الأنبياء) . كما تشدد تلك المذكرات على ضرورة احتكام الحكام لرأي رجال الدين في كل مشكلة، وعرض كافة القوانين والسياسات عليهم للحصول على موافقتهم قبل إصدارها وتطبيقها !!!
ولازلنا نتذكر كيف تنوعت الوسائل (الجهادية) بشقيها المدني السلمي والارهابي المسلح ) ، وتوزعت الأدوار لتحقيق هدف محدد ، إنطلاقا من رؤية ايديولوجية مشتركة ان لم تكن واحدة ، عندما تعرض مهرجان عدن الفني الأول لحملة شرسة طالبت بالغائه من خلال الفتاوى والمذكرات التي وقع عليها عدد من الفقهاء ( الصحويين ) ، فيما شارك تنظيم ( القاعدة ) ـــ بما هو الذراع العسكري السري للحركة الصحوية السلفية اليمنية ـــ في دعم تلك الحملة الظلامية من خلال إصدار بيان هدد فيه بقتل الفنانة السورية أصالة ونسف مكان المهرجان !!
وليس من قبيل الصدفة أن تتشابه عناوين الحملات التي درج شيوخ الصحوة الإخوانية على إطلاقها في اليمن السعودية لإجبار الدولة على الخضوع لمطالبهم وتوجهاتهم ، حيث تلجأ هذه العناوين إلى التدليس من خلال رسم صورة سوداء للواقع، وتقديم المشروع السياسي والأيديولوجي للحركة الصحوية الجهادية (بشقيها المدني والمسلح) كوسيلة وحيدة لما يسمونه ( الإنقاذ ) . ويمكن رصد أبرز مظاهر ذلك التدليس بسهولةٍ من خلال تشديد الخطاب الصحوي على اتهام السياسات والأوضاع القائمة في اليمن والسعودية بمخالفة الشريعة الإسلامية، وتسويق مفهوم متشدد للشريعة بهدف (طلبنة) الدولة في اليمن والسعودية تحت عنوان فنتازي : (حتى لا تغرق السفينة ) وهو نفس عنوان مذكرة النصيحة التي رفعها شيوخ الحركة الصحوية السعودية إلى حكومتهم،ومذكرة ( حراسة الفضيلة ومحاربة المنكرات ) التي رفعها نظراؤهم من الفقهاء السياسيين في اليمن إلى الرئيس علي عبدالله صالح عام 2009م.
أما أخطر ما يميز هذا التدليس فهو الزعم بأنّ ضرورة إنقاذ المجتمع اليمني والسعودي من غضب الله تقتضيها الحاجة إلى التميز بالدين على أساس عقيدة ( الولاء والبراء ) .. بمعنى الولاء للعقيدة والشريعة ، والبراء من ثقافة وأفكار ونظم وعلوم الكفار.. وهو ما سنتناوله في العدد القادم .








أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "قضايا وآراء"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024