العلامة الشعبي .. صعدة كانت كعبة الرواد من أهل العلم
الثلاثاء, 25-يناير-2005المؤتمر نت - حاوره/ عارف أبو حاتم - هذا الحوار يسلط الضوء على تاريخ الأئمة في اليمن وبداية التعليم المذهبي منذ القرن الرابع الهجري وشوائب التعليم التي استغنت عنها الحكومة مؤخراً بفعل تأثيراتها الخاطئة في عصر كل مافيه تغير وأصبحت الديمقراطية آلية يجمع عليها الجميع في اختيار حكامهم وممثليهم ومن ينوبون عنهم.
كما يتطرق الحوار الذي أجراه (المؤتمرنت) مع العلامة المؤرخ عيضة الشعبي إلى نوعية التعليم والكتب التي كان حسين الحوثي يلقنها مريديه حتى استحوذ على أفكارهم وسيطر على توجهاتهم حتى أنه انتقد أتباع المذهب الزيدي نفسه!!
فإلى الحوار:
-التعريف بشخصيتي: أنا حسين بن عيضه بن سعد الشعبي الخولاني، هاجرت الى صعدة قبل حوالي (40) سنة، ودرست في جامع الذويد وبها تزوجت وخلفت خمس بنات وأربعة أولاد.
بعدها هاجرت إلى السعودية وأقمت فيها ثمان سنوات عملت فيها كاتباً لدى أحد الحكام في نجد وبتلك الفترة جمعت الكثير من الكتب القيمة ثم عدت إلى بلدي (خولان بن عامر) ناحية (ساقين) صعدة ولبثت فيها حوالي خمس سنوات ثم انتقلت إلى صعدة المدينة بعد أن تزوجت بها وتوظفت مدرساً، ثم مراقباً فنياً، ثم لحقت بمجلس الشورى الأسبق ثم عدت مدرسا في دار العلوم بجامع الإمام الهادي وكانت المساجد من قبل هي الأساس في كل شيء.
صعدة تحتوي نحو (30) مسجداً منها مساجد قائمة الآن.
-عندما كنت في السعودية هل درست على يد شيوخ العلم هناك؟
·لا، إنما كنت اشتري الكتب وأطالعها وأعمل في المسائل الدينية والفقهية والنحوية بما أتوصل إليه من الاختيار، دون التقليد لأي مذهب، لا المذهب الزيدي، ولا الشافعي ولا الحنبلي، ولا المالكي ولا الحنفي.
-مانوع الكتب التي عدت بها من السعودية؟
·كانت قيمة، ومنها في مجال التفسير مثل: تفسير الطبري، وجامع البيان لوجوه تأويلات القرآن وهو اثنا عشرة مجلداً ضخماً. وتفسير ابن كثير وهو أربعة مجلدات، وتفسير المنار لمحب الدين الخطيب، ومشاركة شيخه محمد عبده المصري وهو اثنا عشر مجلداً حتى سورة يوسف، إذ كان محب الدين الخطيب يجعل لكل جزء مجلدا خاصا به، ومنها تفسير الإمام العلامة المحدث محمد بن علي الشوكاني، ومنها تفسير لبعض الآيات كتفسير ابن قتيبة، وتفسير النسفي، وبعض تفسير المراغي، وغيرها الكثير من كتب التفسير.
أما في الحديث مثل كتاب فتح الباري في شرح صحيح البخاري للحافظ العلامة ابن حجر العسقلاني وهو من أصل يمني كما ذكر محمد بامطرف في كتابه للجامع لشمل المهاجرين اليمنيين، وكتب ابن الأمير الصنعاني مثل سبل السلام والعمدة حاشية على العمدة وديوان المطبوع وغيرها من رسائله وكتبة. وكتاب (الروض الباسم في الذود عنه سنة أبي القاسم) للعالم المجتهد المطلق محمد بن إبراهيم الوزير الموفي سنة (840) هـ، ومثل كتاب (المصنف) لعبدالرزاق الهمام (12) مجلدا في الحديث وقد توفي سنة (211)هـ. وكتاب (فيض الباري في شرح صحيح البخاري) لأحد الأصناف، ومثل (نيل الأوطار) للإمام الشوكاني، و (شرح فتح الغفار) للرباعي.
-هذه الكتب ذات توجه (وهابي).. ألم تتأثر بما ورد فيها؟
·السعودية كانت تروج هذه الكتب، وكانت لديهم تحصينات للدفاع عن مذهب الشيخ محمد بن عبدالوهاب، والذي كان موجودا في زمن العلامة محمد بن إسماعيل الأمير وجرت بينهم مكاتبة ورسائل وشعر، وفي زمن الإمام الشوكاني كان بعض اليمنيين الذين ذهبوا للحج ونالوا من المشائخ أبي بكر وعمر وعثمان ونالوا من الصحابة بالسب ونحو ذلك ثم كتابة رسائل من بعض مشائخ السعودية الى نظرائهم في اليمن لمنع استمرار هذا السب للسلف الصالح (تلك أمة قد خلت لها ماكسبت ولكم ماكسبتم).
أما المذهب الوهابي فلم يعتمد على ما ألفه محمد بن عبدالوهاب، وحسب علمي أنه ليس له مؤلفات في الفقه نهائياً وإنما له كتاب من جزئين في الخطب وكتاب يسمى (فتح المجيد في إخلاص التوحيد) وقد أخذ ما كتبه ابن تيمية وابن القيم.. ليس لمحمد بن عبدالوهاب مذهب متبع حتى في أصول الدين وإنما يميلون إلى المذهب الحنبلي المنسوب إلى الإمام احمد بن الحنبل المتوفي في العراق وكان يحفظ (200) ألف حديث شريف بإسنادها.
أما محمد بن عبدالوهاب فقد كان مخلصاً في محاربة القبوريات وتعليق التمائم والصلاة على القبور ويسمي بن يعمل شيئا من هذا (بالمشرك).
ولم يكن ذلك جديداً، فالعلامة محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني تكلم عن هذا الموضوع في كتابه (تطهير الاعتقاد من درن الإلحاد) وحرم فيه الصلاة على القبور أو الصلاة في المساجد التي أقيمت في أماكن القبور، كما جاء في الحديث الذي روته السيدة عائشة رضي الله عنها عن التصاوير التي رآها المسلمون في كنائس الحبشة فنهى رسول الله أمته عن مثل هذه الأشياء.
أما في (الزيدية) فقد أجازوا بناء القباب على الفضلاء والعلماء، كما هو موجود في مقبرة صعدة (القرضية).
-هل استندوا لدليل في هذه الإجازة..؟!
·لم يستندوا إلى دليل قط، بل استدلوا بأنها قد بنيت قبة على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تزل حتى الآن، ولكنها قبة بنيت في زمن الأتراك ولم تكن بأمر رسول الله.
-ألاحظ عليك أنك كلما ذكرت عالما قلت العلامة الفلاني والشيخ الفلاني إلا الشيخ محمد بن عبدالوهاب تذكره باسمه المجرد..
·والله أني ما اتهمه بمثل ما يتهمه أصحابنا، لأن أصحابنا يركزون على كل شائبة فيمن يكرهونه.
-من تقصد بكلمة (أصحابنا)؟!
·(أصحابنا) هم الجارودية من فرق الزيدية.. هناك فرقة تسمى (الجارودية) وقد ذكرت في كتاب (الملل والنحل).
-لمن تعود نسبة (الجارودية)؟
·يعود نسبة الجارودية الى الجارود بن المنذر وترجم له في كتب الزيدية وكان متشددا في مذهبه في التفسيق والتكفير ولم يسلم منه حتى أبو بكر وعمر وعثمان وكثير من الصحابة.. ولا يوجد من هؤلاء (الجارودية) إلا شرذمة قليلة في صعدة وذمار.
أما أهل البيت فقد كانوا أهل سنة وقد جاء العالم الكبير الحافظ للأمهات الست محمد بن سليمان الأوزري المقبور في مقبرة (القرضية) غرب صعدة، وقرأ على أهل صعدة الأمهات الست ومنها صحيح البخاري، وسنن أبو داوود وصحيح مسلم، والنسائي، وكان من العلماء الكبار والمتفقهين محمد بن يحيى بهران وكان موجود في عهد الإمام شرف الدين وكان شاعراً وفقيها وبليغا وممن يحسن فنون اللغة، بل وكان سياسيا فقد دعا ألا أحد يبايع الإمام إلا بحضوره الشخصي وتوفي سنة 957هـ وقبره في (القرضين).
-هل تعتقد أن حسين الحوثي وجماعته هم امتداد لفرقة الجارودية؟!
·والله ياسيدي.. الحوثي أصدر فوق (40) ملزمة وفيها ملازم ذهب فيها الى اختيار المذهب الإمامي (الإثنا عشري) وهذا شيء مصرح به في كتبه وملازمه وقيامه بسب الصحابة وتضليلهم والقول بأنه لا يوجد لهم نسل في اليمن ولا في غيرها.
وقد علقت على تلك الملزمة بأنه يوجد في اليمن الكثير من ذرية أبي بكر مثل آل السماوي، والمحبشي، ومن ذرية عمر بن الخطاب رضي الله عنه آل أبي الرجال في صنعاء ونجد وصعدة والمقبرة حافلة بأسماء آل أبي الرجال العلماء الكبار حتى في هجر العلم، مثل القطابر وهجرة دملان.
وكذلك من ذرية عثمان بن عفان آل الجذينة وآل الوراق المشهود لهم وهناك من ذرية الأنصار والمقبرة في صعدة مليئة بالعلماء والمشائخ وهناك من ذرية مروان ابن الحكم فقبورهم شاهدة وعليها ألواح مذكور فيها أنسابهم في مقبرة (القرضين).
-هل من تعليق آخر على ملازم الحوثي؟!
·كما علقت عليه عندما سمي أبو بكر وعمر الضليلين.
والذي نعرفه من هدف الحوثي أنه قام على أساس أن الدولة يجب أن تكون هاشمية ولأنه في كتب أصول الدين عند (الزيدية) أن (العدل والتوحيد والوعد والوعيد والإمامة) فجعلوا الإمامة من أصول الدين والإمام الهادي رحمه الله قال لا يصح أن يكون الإمام إلا من ولد الحسن أو ولد الحسين وعندما ترجم له المصري في (مجلد) رد عليه في هذه المسألة وقال أن الإمامة تصح فيمن نفذ كتاب الله وأحكام الرسول مثل الخلفاء الراشدين وعمر بن عبدالعزيز وغيرهم ممن قاموا بالعدل والمساواة والرحمة وتطبيق الدين الإسلامي الحنيف.
-كيف يريدها الحوثي هاشمية والزمن قد تغير وأصبحت الديمقراطية بديلا للحكم الوراثي؟!
·لعله كان يفكر بأنه سينجح وقام بتعليم ناس جهلة وكان وارثا من أصول الدين بأنه لا تصح الإمامة إلا في هاشمي ولا يقبل الدعاء مالم يكن هناك إماما هاشميا وهذا رأيه في كل الدولة الإسلامية، فقام على أساس إعادة هذا المذهب ولعله كان معتقدا أن من العلماء من سيلتف حوله ولكنه مني بالخيبة.
فقرار (25) عالما بأنه أخطأ وأضل لأنه تكلم عن ضلال الزيدية في دراستهم لأصول الفقه ودراستهم لأصول الدين والمأخوذ من المعتزلة، فالزيدية تميل إلى القواعد العقلية عند المعتزلة، ولهذا كانت المعتزلة ترد الكثير من الأحاديث لأنها لا توافق العقل ولو وصلت المعتزلة الى هذا العصر ورأوا ما قد حدث من الابتكارات والإبداعات لتراجعوا عن كثير من قضاياهم التي اعتقدوا أن العقل يحيلها.
الحوثي في اعتقادي واعتقاد غيري أنه خاطئ باعتبار لاتباعه منهج الرفض والإمامية وبما أن فيه من مذهب (الخوارج) الذين لا يعرفون الأحاديث وإنما يعرفون القرآن فقط ويكفرون كل من عصى معصية صغيرة أو كبيرة.
والحوثي كان مذهبة التكفير لكثير من الدول وحتى لدولتنا .. وحتى لمن كان في خدمة الدولة مثل العسكر وغيرهم.. ولذلك يسارعون في قتل العسكريين حتى الذين يعملون في حقول ليست حربية لأنهم يعتقدونهم كفار يطلقون عليهم النار ويردونهم قتلى بحجة أنهم تابعون للدولة والدولة، عندهم كافرة، وهذا خطأ كل الخطأ ، لأن اليمن مليء بالمؤمنين سواء كانوا شافعية أو زيدية.
-هل تعتقد أن فكر الحوثي كان أقرب إلى الخوراج منه إلى الزيدية؟
-فيه من الخوارج، فالتكفير على عادة الخوارج، إنهم يكفرون المسلمين ويستبيحون قتلهم، وفيه من ناحية اعتماده على مذهب الإثناعشرية وثناءه على أئمة إيران ويفسرون القرآن بمثل تفسيرهم وهو تفسير خاطئ.
وكذلك مدحه لحزب الله في لبنان وإذا قرأت الملازم التي ألفها تجده لا يؤمن إلا بهذا، ومعه ملزمة ( مسئولية أهل البيت) وفيها يدعوا إلى الإمامة وقد كان في اعتقاد بعض اتباعه بأنه المهدي الذي بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل هذا عند أصحاب الحوثي توصي وتنبى بأنه المهدي.
والحوثي كان راضيا عن إدخال هذه الفكرة في عقول أتباعه الجهال، مع العلم أنك لو القيت علومك لطلبة فارغي القلوب سيطبقون ما تقوله.
-حول مسألة ( الهاشمية) هناك رأيان متشددان الأول يقول: أنهم أدعياء لأن سلالات النبي انقطعت وهذا فيه غمط لحق الناس، فالناس أمناء على أنسابهم، والرأي الآخر يقول أنهم صادقون فيما يزعمون رغم أعدادهم الملاينية من إيران إلى المغرب.. هل فعلا لا تزال سلالات نقية دون دخلاء؟
·هذا العدد كبير أنا لا أتصور بلوغهم إلى هذه الملايين، لكن الهاشميين في اليمن على صح فهم من ذرية علي بن أبي طالب ومن ذرية الحسن والحسين ومن ذرية العباس بن علي بن أبي طالب وله ولد أسمه عمر.. في العراق نسل وله ولد أسمه أبا بكر وآخر أسمه عثمان.
في العراق وإيران الحكم لهم والتشيع فيهم، ففي إيران اعتنقوا غير مذهب أهل البيت السابقين إذا يقولون بجواز ( المتعة) والقرآن يخالف ذلك. والحديث عن رسول الله أنها حرمت، كذلك عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ويعتقدوا- شيعة العراق وإيران- أن الصحابة ارتدوا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم
وما بقي منهم غير عدد قد لا يتجاوز أصابع اليد منهم: سلمان والمقداد وعمار بن ياسر وآخرين قد يصلوا إلى السبعة أشخاص، ويقولوا بكفر المخالفين من العوام ويقصدون أهل السنة.
-السؤال حول السلاله الهاشمية.. هل من قال بالهاشمية قد صدق؟
·يقال أنه في اليمن كانت الأنساب مدونة وهناك من ألف في (الهاشهية) مثل العلامة السيد مجد الدين بن محمد المنصور الذي ألف كتاب (التحف في شرح الزلف) وكتاب ( الواضع الأنوار) وعدد فيه من الهاشميين الكثير ولكن كتب التراجم مثل ( مطلع البدور) للعلامة أحمد بن أبي الرجال ذكر فيه من الفقهاء والهاشمين وأثنى على الكل لأنه لم يذكر إلا العلماء الصالحين الطيبين العالمين بالكتاب والسنة، وهذا الكتاب يحتوى على (1800) ترجمة.
·وكذلك كتاب ( المستطاب) ليحي بين الحسين وكتاب السلسة الزيدية وهو ثلاثة مجلدات.
التعليم المذهبي
-متى بدأ التعليم المذهبي في صعده؟
·بدأ منذ أوائل القرن الرابع الهجري عندما أنتقل الإمام الهادي إلى صعدة في العشر الأواخر من القرن الثالث الهجري وبني فيها مسجده، ومن هنا التحق به ناس كثير للتعليم على يديه وبنيت مساجد كثيرة وقد هاجر إليه أناس من البصرة وكذلك من مكة ودمشق وتركيا ونجران وكانوا أهل فضل وعلم وأقاموا حتى وفاتهم في صعده مثل محمد بن محي الدين النجراني صاحب كتاب (التفاحة في علم المساحة) ومثل آل الدواري وكان منهم الملقب بملك العلماء عبدالله بن حسن الدواري المقبور عند مسجد الإمام الهادي وأصبحت صعدة بعد تصاعد الهجرات كعبة الرواد وطار ذكرها في الأخطار وألف العلماء فيها المؤلفات الكثير والمثير وتخرج من صعدة العلماء وأصحاب الفنون.
- وفي العصر الحديث هل كان التعليم المذهبي مستمر؟
·كان التدريس في أصول الدين وكان يعتقدون أن كل من قال ( بالعدالة والتوحيد والوعد والوعيد والإمامة) فهو ( زيدي)
ومن لم يقل بالإمامة فليس بزيدية.
-هل تعتقد أن التعليم المذهبي أصبح مضرة أكثر من ضرورة؟
·التعليم كان يحكم بالإمامة لمن كان من سلالة الحسين والحسين فقط.
وظلت الإمامة من عصر الإمام الهادي حتى عصر الثورة، وحتى قال الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة المتوفي سنة 614هـ أن من ادعي الإمامة من غير ولد البطنين فإنه يقتل وهذا في أرجوزته الموجودة في ديوانه، حتى وان كان هذا القائل منفذا لكتاب الله وأحكام رسوله.
أما في الفقه فإنه يحكمون فقههم الذي أغلبه مأخوذ مما تلقوه عن الإمام الهادي وقليل منه عن الإمام زيد بن علي