الطريقي :الفضاء الديمقراطي اليمني يتمتع بالمرونة
الإثنين, 13-مارس-2006حوار/ جميل الجعدبي - انطلاقاً من الإيمان العميق بمقدرات الاستثمار في الإنسان وعلى مختلف الأصعدة التنموية، وإيماناً بالنهج المستقى من أرقى صوره وأسمى منابعه تأتي زيارة أ.د محمد بن حمود الطريقي-الباحث الرئيسي المشرف العام على مركز أبحاث الشرق الأوسط للتنمية الإنسانية وحقوق الإنسان- لتشكل إضافة جديدة في العطاء الإنساني والأداء التنموي الفاعل، والمناجزة بالأجهزة التعويضية لحالات عواقب شلل الأطفال والشلل الدماغي في اليمن، هو عنوان الإضافة الجديدة لهذا العطاء المستمد من معالم الإنسانية، وأهدافها الراقية التي يتبناها مركز أبحاث الشرق الأوسط للتنمية الإنسانية وحقوق الإنسان في الجمهورية اليمنية.
(المؤتمرنت) التقى بالدكتور محمد بن حمود الطريقي والذي كشف عن مرئياته تجاه كافة قضايا التنموية الإنسانية العربية، وذلك في الحوار التالي:
• هل لنا أن نتعرف بدايةً على طبيعة الدورة التدريبية؟
- الدورة التدريبية التي تفتح اليوم حول المناجزة بالأجهزة التعويضية لحالات عواقب شلل الأطفال والشلل الدماغي في الجمهورية اليمنية، وتمثل إحدى برامجنا في اليمن، والتي تم الإعداد والتنسيق لها من قِبل مكتبنا في صنعاء، وهي تمثل –أيضاً- أنموذج خبرات وتجارب علمية وعملية على مدى ما يزيد عن عشرين عاماً في التقنيات التأهيلية.
فضاء ديمقراطي يمني:
• لماذا تم اختيار اليمن لهذه الفعالية؟
- الحقيقة لأسباب عديدة أبدأها بالإرث الثقافي المشترك والعلاقات الأخوية التي تربط المملكة العربية السعودية بالجمهورية اليمنية، وثانيها إن المملكة –كما تعلم- وصلت إلى أعلى المصاف في مجال تطوير تقنيات التأهيل على اختلاف أشكالها ونقل هذه التقنيات للإخوة العاملين في هذا المجال في اليمن، وهو واجب وضرورة إذا ما كنا نسعى حقيقة لشمولية الطرح التنموي الإنساني، كما لا يغيب الهدف الأساس لنا وهو تفعيل الأداء التنموي والارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة في المجال الإنساني بشكلٍ عام ولذوي الاحتياجات الخاصة بشكلٍ خاص.
• هل كان التنسيق لهذه الفعالية على المستوى المطلوب وخاصة من قِبل الجهات اليمنية؟
- الجمهورية اليمنية التي تعيش في ظل فضاء ديمقراطي مشهود تتمتع بخاصية المرونة في التعامل، وهو ما قد لا يتوفر في مكانٍ آخر، وهي مرونة شاملة سواءً من الفعاليات الحكومية ممثلة بوزارة التخطيط والتعاون الدولي ووزارة الصحة ووزارة الشباب والرياضة، أو من الجهات العاملة والمهتمة في هذا المجال، وفي مقدمتها مؤسسة تنمية القدرات للشلل الدماغي الشريك التنموي لنا في هذه الفعالية، وهذه المرونة –وللحقيقة- من شأنها أن تسهم في إنجاح أية فعالية في أي مجال، وهذا يسجل للحكومة اليمنية وتوجيهات فخامة الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، كما من المهم أن أشير إلى أننا كمركز يعني بقضايا التنمية الإنسانية وحقوق الإنسان نستمد توجهاتنا من الأجواء الإنسانية التي أضحت أنموذجاً عالمياً متمثلاً في المملكة العربية السعودية من حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، كما إننا نستقي نهج التوجه الإنساني شأننا الكثير من الشاهدين شهادة حق لأمير الإنسانية الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود، والذي تم اختياره –مؤخراً- كما تعلمون شخصية التنمية الإنسانية (رمز الإنسانية) للعام 1426هـ/2005م بإجماع عربي من كافة العاملين والمعنيين بقضايا التنمية الإنسانية وحقوق الإنسان.
• بما أن هدفكم الأساسي والرئيسي هو التنمية الإنسانية وحقوق الإنسان.. أين موقع حقوق الإنسان في عالم اليوم؟
- يجحف العالم اليوم بما يرتكبه بحق نفسه من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، فالقوة والجبروت والطغيان هي المعادل الرئيسي لانتهاك حق التعبير وحرية الفكر، لنعيش اليوم في عالم أدواته الحروب وغذائه الأجسام المتناثرة والشلايا، في حين تقف كل المنظمات الدولية العالمية المعنية عاجزة عن إدانة مجرم واحد!.
وعلى صعيدنا فإننا إذْ ننعم بخير السلام، فإننا نستشف القهر في العيون، لأن الخبز لا يحيي الإنسان، كما إن رسالتنا لإعمار الأرض أكبر من مجرد اللهاث وراء عصر المادة، فلا خير فينا إن لم نكن على مسافة قريبة من شعورنا بقيم الكرامة- أقول على مسافة قريبة- لأن الشعور بالكرامة لا يتأتى إلا مع العدل والمساواة وتكافؤ الفرص، وهذه مصطلحات أسقطت من تاريخنا الأبيض وحاضرنا الذي لا لون له.
• يضج العالم بمصطلحات التنمية الإنسانية والرعاية الشاملة.. فكيف ترون المفهوم الحقيقي لها؟
- التنمية لا تكون على خشاش الأرض، أو ما تحت الأرض، بل تكون في قيم الاستثمار في الإنسان، وفي فكره وعمله وعطاءه وإنجازه ومنها تكون الرعاية الشاملة الإطار النموذجي لأي مجتمع.. أقولها لا، وأعيدها لا.. لا يمكن أن نتقدم خطوة ونحن نستهلك كل مقومات البيئة بحجة الحفاظ على جزء من البيئة، ولا يمكن أن نتقدم خطوة ونحن نبيع كل مقومات مقدراتنا لنحظى بزعامة مجال ما.. إنها التنمية الإنسانية لها حماتها ولها أعداءها، والمؤلم إن الضربة القاضية بيد الأعداء!!
• وهل تحتاج منا هذه التنمية إلى تأهيل؟
- التأهيل هو التأصيل باختلاف حرف واحد، وربما أن (الصاد) في اللغة قبل (الهاء) فمن المهم أن نعرض للتأصيل قبل التأهيل.. لأننا إذا أصّلنا لفكر تنموي شامل تسوده عناصر السلام وتحكمه مفاهيم العدالة، وتسيطر عليه مقاييس المساواة، وتدنو منه مصطلحات الديمقراطية وحرية التعبير وحق النضوج الفكري إلى أبعد من "السمع والطاعة" فنحن نكون قد أهّلنا كياننا أنظمةً وشعوباً.. ونستطيع بذلك أن نقابل أي تحدٍ قادم بكل قوة ونخرج من معركة السلام الفكري بغنائم المكاشفة والوضوح وتقبل الآخر، وهي آخر إنجازات عصرنا الحديث.
• ماذا يختلف هذا التأهيل عن التأهيل المتعلق بقضايا الإعاقة والمعوقين؟
- التأهيل ليس قضية خاصة، بل هو أكثر القضايا شمولية وعموم، لكنه كمصطلح –ولسوء حظه- سخّره المتنفذون ليرتبط بقضية خاصة وهي قضية "الإعاقة" مع أن المعوقين –من تجربتي- هم أكثرنا سوية، لأنهم يعرفون قضيتهم، أما نحن فمعوقون حقاً لأننا بلا قضية، ولنعترف جميعاً أننا كلنا معوقون.. كلنا أصحاء..
• يقال إن الإعلام هو لغة التنمية الإنسانية بكافة مجالاتها.. فهل أنتم مع هذا الطرح؟
- الإعلام لغة العصر.. وهو انعكاس لمجريات أحداثه على كافة المستويات، فإذا كان العصر موبوء بفعل أبنائه، فإن هذا الإعلام سيكون موبوءاً بلا شك، وهنا تظهر الحاجة إلى الأقلام الحرة الشريفة لتبرأ العصر من فعلة أبنائه.. المشكلة الكبرى إن إعلامنا العربي لم يعرف منذ تاريخه إلا اتجاهين، الأول إعلام ضعيف ينطق بشأن السلطة ويستجمع قواه وأفكاره وكلماته من ألسنة المسئولين، ويتقن استخدام الفعل الماضي بطريقة غريبة، والثاني إعلام مسموم إما سياسياً، وإما اجتماعياً؛ بحيث لا تخرج أولوياته على المستوى السياسي عن جلد الذات وإثارة النعرات، وإيقاظ الفتن النائمة، والانحياز العلني لحكومة ما جهةٍ ما أو حزبٍ ما أو فكرٍ ما.. في حين على المستوى الاجتماعي تكتفي باستيراد كل ما هو عاري وقادر على خلق نشء يجيد الرقص أكثر من الكتابة.. هنا مهمتي –ومهمة غيري- كرئيس تحرير أو كصاحب قلم، فإما أن نكتب بمكاشفة ووضوح ونقدٍ بناء، وإما فالأولى أن نكتب استقالتنا قبل أي كلمة.
• ما سر الاهتمام العالمي –برأيكم- بقضايا الطفولة والمرأة؟
- الطفولة اليوم تعني كياننا القادم مستقبلاً، فطفل اليوم هو صانع قرار الغد.. فإذا تعود منذ الآن على سلب ألعاب نظرائه، فهو بلا شلك سيغدو في المستقبل مسئولاً فاسداً، وإذا ما تعود منذ الآن على الخوف، فهو بلا شك سيغدو في المستقبل جراحاً مهزوزاً، والخلاصة أطفالنا أمانة إذا خنَّاها اليوم فسيكون المستقبل لعنة مظلمة علينا..
• وقضية (المرأة) وحقوقها؟!
- من الغريب جداً أن نتجه في عالم اليوم إلى تعريف المرأة بحقوقها، مع إن الأجدر بنا هو تعريف الرجل بحقوق المرأة.. لأنه من سيبادلها هذا الحق في البيت والمجتمع، ولكن إصرارنا على التعامل مع قضية المرأة من منظور سياسي، وكورقة ضغط ضد سياسات الشرق الأوسط يجعلها قضية يكثر أعداءها، وتزداد السيوف المشهرة في وجهها، مع إنها بكل بساطة قضية عادلة إذا ما كانت محورنا العقدي والموروث الحقيقي كنمط عائشة رضي الله عنها.
• إذاً.. هل الإشكالية الحقيقية في مفهوم التنمية الفكرية؟
- التنمية الفكرية –بلا شك- تعتبر العدو الأول للاستبداد والتعنت، لأنها الوحيدة التي تملك القدرة على إجهاض المخططات الداخلية، لذا تحرص كافة أنظمة العالم على السيطرة على وسائل الإعلام المختلفة وتسيرها قسراً نحو ما يخدم أهداف هذه الأنظمة.. من هنا لجأ المفكرون إلى لغة "الكتاب" الذي صار محاصراً بقوانين نشر تتدخل في لغته وأفكاره، ومعانيه، وحتى طريقة إخراجه، ورغم انفتاح العالم على شاشة واحدة من خلال الشبكة العنكبوتية، فإن التنمية الفكرية ما زالت هاجس الصف الأول من النخبة المتنفعة.. لهذا فإن التجارب التي هي الأرض الخصبة للتنمية الفكرية توأد في الرحم، وتحارب بكل الأشكال..