قراءة المؤشرات الأولية: (المشترك ).. إجراءات تسبق الفشل
الأحد, 16-أبريل-2006المؤتمرنت / عارف أبو حاتم - لم يكن رئيس قطاع الإعلام والتوعية في اللجنة العليا للانتخابات والاستفتاء مازحاً هذه المرة حين قال: " غداً الثلاثاء سنعلن أسماء أعضاء اللجان الانتخابية المشكلين من طالبي التوظيف لدى وزارة الخدمة المدنية، وسيكون الإعلان في كافة الصحف الرسمية).
وبالفعل كان ذلك (الثلاثاء) الموعود موعداً لإعلان أسماء أعضاء اللجان الانتخابية الذين سيتولون تسهيل تقييد أسماء المواطنين الذين يحق لهم الانتخاب والترشح ممن بلغوا السن القانونية، البالغ عددهم – تقديراً – حوالي مليون ونصف المليون شخص؛ بالإضافة إلى تحرير ومراجعة سجلات الناخبين الذين تم تسجليهم في الفترات الانتخابية الماضية، بحسب تأكيدات رئيس قطاع الإعلام عبده محمد الجندي الإعلان عن أسماء أعضاء اللجان شكل مفاجأة عند بعض المراقبين، حيث كان متوقعاً أن يتم تقسيم اللجان الانتخابية بين جميع الأحزاب السياسية، بالتوافق فيما بينهما، إلا أن الرفض المتكرر من قبل تجمع أحزاب المعارضة ( اللقاء المشترك ) لكل مقترح تقدمت به اللجنة العليا للانتخابات، دفع باللجنة إلى تشكيل اللجان من منتسبي طالبي التوظيف لدى وزارة الخدمة المدنية، كقرار نهائي وحل أخير رأته اللجنة، وهو حلا أي الجميع فيه عدالة ومساواة بين جميع الفرقاء، رغم أن أصوات ناشرة وصفته بـ( آخر العلاج الكي ) ، وأن ( كي) هذا الجراح سيكون لصالح حزب المؤتمر الشعبي ( الحاكم).
ففي البداية رفضت أحزاب اللقاء المشترك ( الستة) مقترح لجنة الانتخابات بتشكيل أعضاء اللجان الانتخابية بالتوافق بين الأحزاب، فتقدمت اللجنة العليا بمقترح التقسيم بين الأحزاب وفقاً للتمثيل البرلمان فاعترض أحزاب المشترك، واعتبرت أن ذلك يعد تحيزاً بينَاً للمؤتمر الشعبي كونه يملك ( 239) مقعداً برلمانياً، من أصل (301). ورغم تهمة ( التحيز ) الموجهة للجنة العليا فإنها بريئة من حصول المؤتمر على (229) مقعداَ برلمانياَ، فالهيئة الناخبة من عاَمة الشعب هي من منحت المؤتمر هذه المقاعد.
وبمرونة معتادة تقدمت اللجنة العليا بمقترح آخر يقضي بتقسيم اللجان الانتخابية وفقاً لنسب الأصوات التي حصل عليها كل حزب في آخر انتخابات برلمانية ( إبريل 2003م) فرفضت أحزاب اللقاء المشترك رغم أن اللجنة العليا تقدمت بهذا المقترح حتى يتسنى للأحزاب الصغيرة والضعيفة التي لم يحالفها الحظ في الفوز بأي مقعد برلماني بالمشاركة في العملية الانتخابية القادمة.
وبررت أحزاب المشترك هذا الرفض بأن هذه الأحزاب الضعيفة ممثلة بالمجلس الأعلى للمعارضة، وأن المؤتمر ( الحاكم ) متحكم بهذا المجلس، وبالتالي كيف يمكن للجنة العليا المساواة بين أحزاب فاعلة ( كالإصلاح) و( الاشتراكي) مع أحزاب هامدة كالناصري الديمقراطي، وحزب الخضر، في الوقت ذاته طالبت أحزاب المشترك بالتقسيم الذي يساوي بين جميع الأطياف السياسية، دون التفكير بأن تلك الفكرة ظالمة بحق المؤتمر الشعبي العام، الذي يملك (239) مقعداً برلمانياَ، وسيتم مساواته بالبعث العربي الذي لا يملك أي مقعد برلماني، أو حزب الناصري الوحدوي الذي يملك (3) مقاعد فقط.
السيناريو المتكرر:
هذا السيناريو المتكرر من قبل أحزاب المشترك دفع باللجنة العليا إلى إشراك منظمات المجتمع المدني المحلية والدولية المتواجدة بصنعاء والمعنية بالشأن الديمقراطي، فتم اجتماع موسع ضم أعضاء اللجنة العليا للانتخابات، وممثلي الأحزاب السياسية وممثلي المنظمات المدنية، وخرج اللقاء بمقترح سُمي ( فكرة التثليث)، ويعني أن تكون ثلث المقاعد البرلمانية،لأحزاب المشترك (الستة)، وثلث للمؤتمر الشعبي والمجلس الأعلى للمعارضة والثلث الأخير لأعضاء اللجنة العليا للانتخابات، وهذا الثلث هو ما تضع المنظمات المدنية المعنية بالعملية الديمقراطية عينها،علية ،لمعرفة من ستختار اللجنة العليا وإلى أي الفريقين تميل فكانت المفاجئة البائية مرة أخرى بأن رفضت أحزاب المشترك هذه الفكرة وزادت من نبرة رفضها، ووصفت اللجنة بالفاسدة، والمتحيزة، بل إن محمد قحطان -الناطق باسم أحزاب اللقاء المشترك -دعا علانية إلى محاكمة أعضاء اللجنة العليا، بتهمة التزوير في الانتخابات البرلمانية السابقة، وزاد على ذلك بأن قال ( هؤلاء يجب أن يكون مكانهم الحبس وليس اللجنة العليا)، مع أن نائب رئيس اللجنة محسن الأكوع ينتمي لحزب الإصلاح الذي يرأس دائرته السياسية محمد قحطان.
وهنا أعلن عبده محمد الجندي -رئيس قطاع الإعلام في اللجنة العليا -بأن اللجنة اتخذت قراراًَ بتشكيل اللجان الانتخابية من طالبي التوظيف المتقدمين لدى وزارة الخدمة المدنية، وكان هذا الإعلان في المؤتمر الصحفي الذي عقد في الـ(20) من فبراير الماضي بمثابة تأكيد بأن كل الطرق التي تؤدي إلى حل انسدت تماماً، بفعل التعنت المستمر لأحزاب اللقاء المشترك:
اللجوء إلى المشاريع:
وتجاوب الصوت من الجهة الأخرى، ومن مؤتمر صحفي آخر، لأحزاب المشترك؛ إذْ هدد ناطقها الرسمي محمد قحطان باللجوء إلى الشارع اليمني بالمظاهرات السلمية للمطالبة بالتغيير والعدالة، وهو ما اعتبره مراقبون سياسيون ( هراء) و(كلام أحزاب لا تكف عن الأماني)، بل إن ثمة سياسيين اعتبرو ( امتداداً لمبادرة اللقاء المشترك التي تحدثت عن أمنيات أ كثر مما تحدثت عن واقع الحراك السياسي اليومي).
فالسياسيون – على اختلاف رؤاهم – يجمعون على أن السياسية هي مواجهة الواقع، وأحزاب المشترك تتحدث عن الواقع والشارع اليمني وكأنها من ملك اليمنيين؛ إذْ لا يمكن للشارع أن ينجر كأداة .طبقه وراء أحزاب، رفضت كل الحلول، أحزاب لا تعرف ماذا تريد، فمطالبها تتجاهل ذاكرة الناس، وإلا فكيف يطالبون بتغيير أعضاء اللجنة العليا، وهم يعرفون بأنها محصنة دستورياً، فالبرلمان زكى (15) شخصية من مختلف التيارات السياسية، وقدم هذه الشخصيات الـ(15) في قائمة إلى رئيس الجمهورية لاختيار (7) منهم ليكونوا أعضاء في اللجنة العليا للانتخابات لمدة (6) سنوات شمسية ابتدأ من تاريخ صدور القرار الجمهوري على أن يتم الاتفاق فيما بينهم لاختيار رئيس اللجنة ونائباً، ورؤساء للقطاعات المختلفة.
وبالتالي أصبحت لجنة بصلاحيات دستورية منذ أن أقسم أعضاؤها اليمين الدستورية، أمام رئيس الجمهورية وزيادة على ذلك، ولضمان الحيادية التامة، نص الدستور على أنه لا يحق لأي شخص أو جهة أن تغير أو تعدل أو تتدخل في أعمال أعضاء اللجنة العليا حتى وإن كان رئيس الجمهورية، ولا يحق لأحد أن يسقط أو يعفي أعضاء اللجنة العليا من مهامهم إلا القضاء فقط.
وبالتالي أصبحت دعوة قحطان المشترك غير دستورية، ولا ينظر القضاء لدعوة غير دستورية الفحوى، ولهذا لجأ قحطان إلى التهديد باللجوء للشارع اليمني، وليس باللجوء إلى القضاء خاصة بعد أن حكم القضاء ببطلان دعوة تقدم بها الإصلاح ضد اللجنة العليا بخصوص تزوير رافق العملية الانتخابية في الدائرة (227) بمحافظة ريمة في مطلع العام الجاري، ورفض دعوى أخرى تقدم بها المرشح المستقل – المدعوم إصلاحياً - في الدائرة (199) بمحافظة ذمار..
خطوات استباقية
لم تبدِ أحزاب المشترك أي اعتراض على الطريقة التي أعلن بها أعضاء اللجان الانتخابية من طالبي التوظيف الحكومي الثلاثاء الماضي، وإنما كان هناك تشكيك وارتياب حول من الذي قام بإعداد القوائم، هل ( الخدمة المدنية ) أم اللجنة العليا، ففي حال قيام الأولى بالتدخل فإن معنى ذلك أن لحكومة المؤتمر الشعبي العام يد في عملية الانتقاء، إلا أن اللجنة العليا قطعت دابر التشكيك، وقالت إن الشك لا يلغي اليقين، ويقين اللجنة العليا أنها أعدت لجنة من طرفها لتفحص ملفات طالبي التوظيف المقيدين في كشوفات وزارة الخدمة المدنية، ووضع هذه الكشوف تحت تصرف لجنة الانتخابات فقط، ضماناًَ لنزاهة الاختيار، وعلاوة على ذلك ستقوم اللجنة بأخذ ضمانات ممن أعلنت أسماءهم وتأدية قسم شرف، ألا يخلوا بنزاهة أعمالهم، وأن يلتزموا بالحيادية التامة.
وإذا لم تقم لجنة الانتخابات بذلك الإجراء في الاختيار فماذا سيكون البديل المحتمل؟!
بحسب رأي رئيس قطاع الإعلان في اللجنة العليا فإن كل أنظمة العالم الديمقراطي إما أن تشكل لجاناً مستقلة لإدارة العملية الانتخابية، أو تشرف عليها وزارة الداخلية، ويضيف عبده الجندي ساخراً من بلادة المطالب ( إذا وزارة الداخلية أدارت الانتخابات هل ستعامل معها قادة أحزاب المشترك كما تعاملوا معنا تهديداً ووعيداً).
الملفت للنظر في رأي عدد من المهتمين السياسيين أن أحزاب المشترك صَامَتْ عن الكلام بعد إعلان أعضاء اللجان الانتخابية، فما سر هذا الصوم؟ وهل هو تكتيك مرحلي؟!
لا شك أن قطيعة ما حدثت بين أحزاب المشترك وبين الشارع اليمني الذي هدد ( ناطق المشترك) باللجوء إليه في حال استمرار لجنة الانتخابات في عملها، فالمبادرة الوطنية والسياسية للمشترك، لم تلامس عموم الناس وتطلعاتهم، بل أخذت تعزف على جراحاتهم وأوجاعهم وجوعهم وفقرهم المدفع، وذعرهم من ارتفاع الأسعار، من أجل رفع سعر حصتها السياسية والاقتصادية فمطالب ( المشترك) في نظر اليمني، ليست مطالب لصالح عوام الناس، بل سيتكسب منها أحزاب تديرها رؤوس معدودة، فكاتب معارض مثل عبدالرجيم محسن وصف مبادرة المشترك بعد سماع إعلانها مباشرة بأنها ( مقال صالح للنشر في صحيفة من الدرجة الثالثة)!!
بالتالي فإن الشارع اليمني لا يعول على أحزاب المشترك في انتشال وضعه. وإدراك لهذه الحقيقة المرة دفعها إلى السكوت عن إعلان أعضاء اللجان الانتخابية، حتى إذا جرت الانتخابات التي لن يكون للمشترك فيها مرشح للرئاسة، بحسب المؤشرات الراهنة، وبين الفشل الذريع في الانتخابات البرلمانية، سيعلن أجابته الجاهزة بأن اللجان التي أدارت العملية الانتخابية لم تكن محايدة، وعملت لصالح المؤتمر الشعبي ( الحاكم). ولم نكن موافقين عنها، أو راضين عن أدائها، وهذه خطوة يتقدم بها ( المشترك) ليسبق فشله المحتمل!!
رغم أن المتمعن في أسماء أعضاء اللجان سيجد أن أكثر من نصفهم ليسوا مؤتمريين ولا محسوبين على المؤتمر، بحسب الأنباء التي تواردت في الصحف وتحدث كثير من الناس عما يدور في مناطقهم.
وتجدر الإشارة في هذا الشأن إلى أن المنظمات المدنية المهتمة بحقوق النساء لن تطالب بتخصيص (15) من القوائم للنساء، فقد بلغ عددهم في كشوفات أعضاء اللجان حوالي (51%).
تصدع المشترك!!
حاولت أحزاب اللقاء المشترك الستة ( التجمع اليمني للإصلاح، والحزب الاشتراكي اليمني، والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، وحزب البعث العربي الاشتراكي القومي، واتحاد القوى الشعبية، وحزب الحق) أو كما تسمي نفسها ( الأحزاب الفاعلة ، والتي لا أدري كيف جمعت المصالح فيها بين حزب تقدمي ثوري كالاشتراكي، وحزب إقطاعي رجعي كاتحاد القوى الشعبية، وبين حزب قوى عروبي، والعروبة لديه تتقدم على الدين كحزب البعث، وبين حزب ديني مغلق التفكير كحزب الحق، حاولت هذه الأحزاب أن تحدث ارتباكاً داخل صفوف المؤتمر ا لشعبي الحاكم فباغتته بإعلان مبادرتها للإصلاح السياسي والوطني، قبيل انعقاد مؤتمره العام السابع بعدن أواخر نوفمبر الماضي، لكن ذلك الارتباك لم يحدث لسبب واحد وبسيط هو: هشاشة تلك المبادرة وارتفاع حمى الانتقادات الموجهة لها من أوساط الناس، وممن حسبوا على نخبة المعارضة؛ ثم ما لبثت تلك الأحزاب ومبادرتها أن شهدت تصدعاً في أركانها فها هو التنظيم الناصري، يصدر مبادرة سياسية خاصة به، آلمت كثيراً من قادة المشترك وفي مقدمتهم أمين عام الاشتراكي الدكتور ياسين سعيد نعمان الذي قال لي بعد أن سألته عن مبادرة خاصة بالاشتراكي: ( أيش كل واحد بيعمل مبادرة من رأسه.. هذا شيء غير صحيح.. لدينا مبادرة واحدة، وقدمت باسم اللقاء المشترك).
عقد المؤتمر الشعبي مؤتمره السابع وخرج بمجموعة من القرارات والتوصيات أسرت كثيراً من أعضائه ومواليه، وأغضبت عدداًَ غير قليل من خصومه السياسيين، لكنه لم يسم مرشحه القادم للانتخابات الرئاسية، وأرجأ ذلك إلى مؤتمر استثنائي سيعقد لاحقاً.
بعدها ظلت المهاترات وتبادل الاتهامات قائمة، تارة بين المؤتمر واللقاء المشترك، وتارة بين المشترك واللجنة العليا للانتخابات، إلى أن فجَر المؤتمر مفاجأته الجديدة بإصدار قرار قضى بتعديل حكومي شمل (15) حقيبة وزارية، ودخل التعديل الحكومي الأخير شخصيات يكن لها الناس كل الود والاحترام، وعرف عنها النزاهة والإخلاص والكفاءة وخرج من التشكيك الحكومية شخصيات كأن الناس يئسوا من غروب صورهم، الأمر الذي اعتبره مراقبون سياسيون تدشيناً واضحاً لحملة انتخابية بدأها المؤتمر بوجوه نظيفة.
لكن المؤتمر ما لبث أن أغلق باباً كبيراً في وجه أحزاب المشترك، طالما كان هذا الباب مدخلاً لكلَ لوِم وسخط على المؤتمر وحكومته، وهو أحداث فتنة مران بصعدة وما رافقها من خراب ودمار، فقد نجحت مساعي المحافظ الجديد لصعدة العميد محمد الشامي في لم شمل الفرقاء، وتهدئة الأوضاع، بعد أن أدرك الأهالي أن ما قام به حسين الحوثي من إشعال للفتنة إنما هو خروج على ولي الأمر وإرهاق لدماء بريئة وتكفير لنظم تتخذ من الشريعة الإسلامية مصدراً وحيداً لتشريعاته إنها فتنة مران، وتعويض لأهالي الذين تضررت ممتلكاتهم، وتخصيص (150) مليون دولار لمشاريع تنموية للمحافظة، والإفراج عن أكثر من (500) سجين، كلها إصلاحات حقيقية أصابت قادة اللقاء المشترك ووسائل إعلامية بالدهشة والفاجعة من سقوط ورقة التوت من أيديهم ، وكان أفضل ما في تلك الإصلاحات أنها كشفت عن حقدٍ كبير يكنه ( المشترك) لوطنه وشعبه إذ لم يتناول أحد من قادة المشترك أو صحفه تلك الإصلاحات، ولم يتحدثوا عن إيجابياتها مطلقاً، وكأنَ الأمر حدث في جزرالكناري.
هذا الوضع أفرز تصدعاً آخر في كيان المشترك، بدا واضحاً هذه المرة من خلال تصريحات الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي القومي الدكتور قاسم سلام الذي وصف ( حديث بعض أحزاب المشترك عن الحوار الوطني بالتراشق بالحجارة ولا يجدي نفعاً للوطن)، بل زاد عن ذلك واعتبر بعض أحزاب المشترك مفلسة وغير قادرة على الحوار المباشر، وأنها تستقوي بالخارج من خلال ا لحوار مع المنظمات الدولية.