العلاقات اليمنية السعودية من التعاون إلى الشراكة
الإثنين, 07-يوليو-2003المؤتمر نت -
لا يمكن القول أن نجاح أعمال الدورة الخامسة عشرة لمجلس التنسيق اليمني السعودي الذي احتضنته صنعاء اليومين الماضيين تمثل في توقيع سبع اتفاقيات ثنائية بين اليمن والسعودية، تتعلق بجوانب مختلفة سياسية،واقتصادية، وسياحية، وثقافية...الخ. فحسب بل إن النجاح يمثل التحول الحقيقي الذي شهدته العلاقات بين البلدين، وإنتقالها من مفهوم التعاون إلى مفهوم الشراكة القائمة على أسس ومعايير واضحة في أهدافها ومستندة في بنيتها إلى الإدراك العميق بأن تحويل الحاضر إلى آداة ناجحة لصنع مستقبل أكثر تقدماً، وتطوراً، ورقياً للبلدين، وللشعبين الشقيقين الجارين لن يتأتى إلا من خلال بناء جسور الشراكة الواحدة لصنع الغد.
ومن ناحية أخرى فإن التحول من علاقات التعاون إلى منهج الشراكة لم يأت بين عشية وضحاها، ولم يكن وليد لحظة معينة، ولا يمكن القول بأن معاهدة جده الحدودية الموقعة بين البلدين كانت هي نقطة التحول التاريخي للعلاقات بين البلدين رغم أهميتها في وضع المستقبل ذلك أن هذا القول لا يقدر صحته إلا أنه يظل بعيداً عن الإدراك العميق لطبيعة، ونوعية الأبعاد التي أدت إلى حدوث تحولات في مسار العلاقات اليمنية السعودية.
وبناء عليه فإن مسار التنامي في العلاقات اليمنية السعودية، يرتبط بمجموعة عوامل متشابكة، ومتداخلة في مفاهيمها، وسياقات أحداثها سواء أكانت مرتبطة بمسار التطور التاريخي للعلاقات بين البلدين كما تفرضه عوامل الفلسفة السياسية للعلاقات الدولية من ناحية أو حسبما تفرضه عوامل متعلقة بالانتماء التاريخي، والحضاري، والعقائدي، واللغوي، والثقافي للبلدين إلى منظومة الوجود العربي والإسلامي.
إضافة إلى ذلك فإن التطورات العالمية في جانب العلاقات الدولية ساهمت بدور بارز في تشكيل نوعية، وطبيعة العلاقات بين اليمن والسعودية. لكنها في الوقت نفسه ارتبطت بمحددات الجغرافيا السياسية للبلدين، وتواجدهما على رقعة جغرافية إقليمية واحدة، وهو الأمر الذي أدى بدوره إلى بناء علاقات ثنائية بين البلدين اتسمت بالنمو المستمر لها على مدى العقود التاريخية الماضية، ورغم وجود فترات تاريخية وزمنية قصيرة، وجدت خلالها بعض العراقيل التي وقفت حائلاً دون استكمال مسيرة البناء المتميز للعلاقات اليمنية السعودية إلا أنها كانت سرعان ما تزول وتصبح بمثابة "سحابة صيف انقشعت".
وهكذا فإن مسار تطور العلاقات بين اليمن والسعودية اكتسب أبعاده وأهميته من ارتباطه بمحاور شتى فرضت نفسها كعوامل مستقلة في تشكيل وتعميق أواصر ومظاهر تلك العلاقة، ولم يكن مجلس التنسيق اليمني السعودي إلا آلية ناجحة لتفعيل، وتطوير تلك العلاقات.
ومن هذا المنطلق جاءت معاهدة جده لتعطي لمسار تلك العلاقات اليمنية السعودية خصوصاً في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية الراهنة، وإدراك القيادة السياسية في البلدين لحجم المخاطر، والتحديات التي تواجهها الأمة العربية بشكل عام، ودول المنطقة بشكل خاص. الأمر الذي انعكس بدوره في زيادة وتعميق مجالات التعاون والمضي بها قدماً نحو تحقيق شراكة حقيقية.
ويتجلى ذلك المفهوم في مظاهر شتى سواء على مستوى تطابق الرؤية السياسية للبلدين تجاه المواقف، والقضايا القومية أو تجاه العلاقات الثنائية بين البلدين.
وما تضمنه البيان الختامي الصادر عن مجلس التنسيق اليمني السعودي في ختام دورته الـ15 بصنعاء يؤكد ذلك العمق، ويوضح أن ثمة رؤية سياسية موحدة لدى قيادة البلدين تتمحور في الشعور أولاً بأن أمن اليمن هو أمن السعودية والعكس.
وأن التعاون، والشراكة في مختلف المستويات باتت أمراً حتمياً. فضلاً عن الإدراك لحجم المسئولية الملقاة على عاتق البلدين الجارين في الوقوف بقوة في سبيل مناصرة، ومساندة قضايا الأمتين العربية، والإسلامية.
وما يمكن الاختتام به هو التأكيد على أن العلاقات اليمنية السعودية أصبحت تسير اليوم في اتجاه أكثر عمقاً، وإدراكاً لتحديات الحاضر، ومسئوليات المستقبل، وأن السبيل الوحيد لتحمل مسئولية ذلك يتمثل في بناء الشراكة وحدها.