لميس سعيدي: القصيدة هي آخر جرائمي الحرفية
الجمعة, 20-أكتوبر-2006المؤتمرنت / حاورها / عبد القوي شعلان - من بلد المليون شهيد ،تطل علينا شاعرة شابة استطاعت أن تفرض نفسها بقوة في المشهد الثقافي الجزائري والعربي بتجربتها الشعرية المتميزة التي تستلهمها -كما تقول- من تفاصيل الحياة المعقدة ومن تجربتها الشخصية وتجارب الآخرين سواء تلك المدونة فوق القراطيس أو من الوجوه المستترة بأقنعة كثيفة يصعب اختراقها سوى طيف الشعر.
لميس سعيدي(25عاماً) شاعرة تعشق التحليق بتجربتها الشعرية فوق طبقة الاؤزون لتهبط إلينا بإطلالة روحية متدفقة تعكس الواقع الإبداعي لبلدها الذي حاول الاستعمار طمس هويته الثقافية على مدى قرن ونصف وتتعايش" منذ زمن بعيد لم تعرفه بعد الساعات الأرضية مع كائن مدهش يرافقها في كل أنفاسها المتأرجحة بين الفرح و الحزن الخيبة و الأمل، يحاول أن يدونها فوق قراطيس روحية اسمه الشعر".
فإلى نص الحوار
· كيف يمكن أن تتحدثين عن إشراقة قصيدتك الأولى؟
-أذكر أنها جاءت رافضة لما تحاول أن تفرضه علينا بعض العقليات المنغلقة و التي لا تمت بأي صلة للإبداع حتى أنني أسميتها :آخر جرائمي الحرفية.
· كيف تقيمين علاقتك بالقارئ؟
-أرى أن فيها الكثير من التواصل و يسعدني جدا أن كتاباتي رغم ما تحتويه على ما يسميه البعض تعقيداً و غموضاً لغوياًًّ و فكرياًّ تصل إلى قراء من مستويات ثقافية مختلفة يقرؤون ما أكتبه بوعي كبير حد ملامسة أبعاد روحي التي انبثق منها الشعر.
و هذا تحدًّ آخر يرفعه الشعر الحديث كما يرفعه القارئ العربي المتهم دائما بالقصور الفكري و الثقافي.
· متى تأتيك القصيدة؟
- حين تطلب روحي إذناً بالكلام، و هدا يحدث في أي وقت وفي أي مكان.
· ماهو موقفك من الغموض في الشعر الحديث؟
-أولا علينا التأكيد على جزئية مهمة تخص ماهية الشعر و هي أن الشعر ليس خطاباً مباشراً نستعمله لتوصيل فكر معين بوضوح و دقة.
الشعر كما أعرفه دائما هو أسمى حالات استنطاق الروح عبر الكلمة هاته الروح التي تسبح في فضاءات شاسعة و مختلفة و بهية لكل منها خصوصيتها الشديدة حسب تكوين الشاعر الإنساني و لكنها في الأخير تصب كلها في محيط الروح الإنسانية الذي ينهل منه جميع البشر.
لست ممن يحبذون كتابة الطلاسم التي لا يفهمها سوى كاتبها و لكن على الشاعر أن يرسم كونه الروحي الخاص جدا ، بكلماته كما يراه ، و لكن في نفس الوقت إعطاء القارئ مفاتيح هذا الكون دون فرض أي رؤى مسبقة
ليكتشف بخرائطه الخاصة عوالم الأخر و بالتالي جزءاً مهماًّ من شخصيته التي لا تتجزأ من الشخصية البشرية العامة
· ماهو تأثير المكان في تجربتك الشعرية؟
-المكان الخارجي عادة مايشير إلى دروب خفية تجعلني أصل إلى محطات قابعة في عمق الروح.
فالأزقة ووجوه المارة و المحلات و البحر و الغابات عادة ما توحي لي بنبض داخلي فاستجديهم للتعبير عنه و محاولة ملامسته فتكون القصيدة و يكون الشعر
· برأيك.. هل هناك أدب نسائي وآخر رجالي؟
-الأدب و الفن عموماً لغة روحية تتواصل من خلالها أرواح البشر و على حد علمي فالجنس صفة تتعلق بالجسد وليس بالروح لهدا فانا ضد هده المقولة جملة و تفصيلا.
· البعض يقول إن القصيدة الأنثوية العربية خجولة .. مارايك؟
-أولا أنا ضد مصطلح القصيدة الأنثوية و لكن إذا قصدت بها القصيدة التي تكتبها الشاعرة العربية فأرى أنها من خلال العديد من التجارب تخطت مرحلة الخجل من التطرق إلى مواضيع حساسة كعلاقة الرجل و المرأة ، التي تبقى في الكثير من الأقطار العربية مشبوهة شكلاً و مضموناً.
لكن ما نحتاجه فعلا هو الجرأة على تكوين فكر مستقل و رؤى نابعة من التجربة الثقافية و الإنسانية للشاعرة بعيداً عن التبعية و تبني أفكار الآخرين.
· ما الاسم الذي اخترتيه لديوان شعرك البكر؟
-(نسيت حقيبتي ككل مرة) و هو عنوان قصيدة من الديوان لها معزة خاصة في قلبي حيث كانت بمثابة رحلة روحية نحو شواطئ الوطن النقية
· ما هي مصادر لميس سعيدي الأساسية في استلهام تجربتها الشعرية؟
-أستطيع أن أقول إن المصدر الأساسي في استلهام تجربتي الشعرية التوقف كثيراً أمام تفاصيل الحياة الإنسانية المعقدة ابتداءً من تجربتي الشخصية و مروراً بتجارب الآخرين سواء المدونة فوق القراطيس أو فوق الوجوه المستترة بأقنعة كثيفة لا يخترقها سوى طيف الشعر.
· أين موقع الرجل في قصيدة لميس سعيدي؟
-المعروف عني أن شعري لا يتطرق لمواضيع الغزل و الحب الكلاسيكية فالقارئ لن يجد الرجل بسماته الواضحة المتعارف عليها.
القصيدة بالنسبة لي لوحة روحية أحاول من خلالها اقتناص لقطة إنسانية مكثفة محملة بمخزون وجودي يخبرنا الكثير عن الإنسان.
وللرجل مساحة في هذا المشهد بقدر تواجده في فضاء روحي الشاسع
· كيف استطعت التوفيق بين الشعر وتخصصك العلمي؟
-الشعر و الهندسة لا يختلفان كثيراً من حيث الجوهر فكلاهما يجرنا إلى خبايا الإبداع و كلاهما يهدف إلى تقديم مايرتقي حضاريا بوجود البشر فوق الأرض
إلا أنني أجد أحيانا بعض الصعوبات في تنظيم وقتي و ربما علي أن اختار يوما بين الشعر و الهندسة لأن كلاهما يحتاج إلى تفرغ ذهني و صفاء روحي.
· البعض يرى أن المشهد الثقافي العربي مايزال حكراً على دول معينة..
(بيروت -دمشق -القاهرة( وبغداد إلى قبل الاحتلال هل تؤيدين تلك المقولة؟
-الإبداع العربي لم يكن يوماً حكراً على أي دولة عربية و علينا إدراك أَّن لا مركزية الإبداع ضرورية جداً لتأسيس كيان عربي يرتكز على أعمدة حضارية صلبة تضمن استمراريته و تطوره الفكري و الثقافي.
حاليا تشهد معظم الدول العربية تفجر طاقات إبداعية كثيرة في الشعر و القصة و الرواية لكنها تحتاج إلى غربلة و تقنين لترتيب الفوضى التي يعرفها المشهد الثقافي العربي وذلك من خلال وجود مدارس نقدية تعي حجم التغيرات التي تعرفها مختلف المجالات الأدبية.
· هل تشعرين بمسافة نفسيه وثقافيه بين إبداع المغرب وإبداع المشرق؟
-أبدا خصوصا في ظل توسع الوعي الثقافي و الفكري في جميع الأقطار العربية
و الذي صب جل اهتمامات المبدع العربي المعاصر في خلق أدب حر وواعٍ بقضايا و هموم الإنسان
و أنا اليوم أتواصل مع أصدقاء مبدعين من المحيط إلى الخليج، لغتنا الوحيدة الإبداع و الارتقاء نحو الأجمل و الأصدق
· برأيك ما هي الأسباب التي تحول دون التواصل الإبداعي بين شعراء الوطن
العربي وبعضهم وكيف تقيمين المشهد الثقافي العربي في الوقت الراهن؟
-كما ذكرت سابقا ، تفكك الجسد العربي حال دون تواصل مبدعيه و لكن بفضل و سائل الاتصال الحديثة و النوايا الصادقة للكثير من المبدعين العرب نشهد الآن تجارب ناجحة لمد جسور التواصل من جديد.
أما فيما يخص المشهد الثقافي العربي فلا أراه بحالة جيدة لأن المشهد الثقافي يعكس بالضرورة المشهد السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي
و بما أن العالم العربي يشهد أزمات على جميع الأصعدة فتأثر المشهد الثقافي جاء كنتيجة طبيعية لما يصيب الوطن العربي من تدهور في الصحة الحضارية العامة
و لكنه على الأقل و بفضل مجهودات فردية متفائلة بمستقبل الثقافة و مؤمنة بضرورتها
يحاول أن يخرج من أزمته و بعث مياه جديدة في المشهد الحضاري العربي .
· تستعد الجزائر لإعلانها عاصمة للثقافة العربية للعام 2007 .
. كيف استعدت الشاعرة لميس لاستقبال هذه المناسبة؟
-استعد بديواني الجديد الذي أرجو أن يصدر قبل نهاية2006كما أرجو أن أتواجد خلال الفعاليات المختلفة للتواصل مع إخواني المبدعين العرب و للترحيب بهم في بلدهم الثاني
· كيف تنظرين إلى دور الشعر اليوم في ظل العولمة والفضائيات؟
-الشعر يمنحنا في كل عصر إنسانيتنا، ملامستنا لذاتنا الروحية ، ارتقاءنا فوق طبقة الأوزون لإقامة سلام داخلي مع أنفسنا و مع الآخر و هو بالتالي ضرورة مجتمعية من المستحيل التخلي عنها.
وحين تفقد أمة القدرة على الإبداع الشعري فهي بالتالي تفقد القدرة على أي إبداع حضاري من شأنه تطوير و دفع المسيرة الحضارية للإنسان.
· هل لديك فكره عن المشهد الثقافى اليمني
-المشهد الثقافي اليمني يحاول أن يفرض نفسه بقوة من خلال تجارب ناضجة ، وواعية و بالمناسبة أحب أن أهنيء اليمن بتأسيس بيت الشعر اليمني الذي نرجوه مشروعاً ناجحاً يحتضن تدفق المواهب الشعرية في اليمن و العالم العربي.
نماذج من قصائد للشاعرة لميس سعيدي
(1)نسيت حقيبتي ككل مرة
كمٍ الساعة
أرى أطفالا يركضون
بأيديهم دمى بيضاء
وأغطية بيضاء
و قطعة سكر
أقدامهم تحمل الشمس
وأصواتهم علب الألوان
يخترقون جدار اللحم الأسود
ويركبون أمواج الجباه
في صدورهم قلادة فضية
نقش عليها...
وجه الضوء
جاء القطار....
جاء القطار
و نسيت حقيبتي ككل مرة
في غرفة حزني المظلمة
تذكرة سفر مجانية
وصرة
فيها
كسرة شجاعة
ورداء مطرز
بثقوب محبة....
سألعق حشرجة الطين
في رياحهم
وارتدي تمزق الموت
واركب ...
أخشى أن يرحلوا جميعا
و تتبخر جميع السكك
فتاة الأكورديون
في مساء الأقدار المتدلية
من النوافذ الزرقاء
و الشمس بقايا
أحلام معلوكة
تورق الأنامل الخشبية
في أروقة العزف
تشج شفاه العصافير
لترتشف قهوة الفجر الحثيث...
ضحالة اللحم
ضحالة العظم
جسد أرمد
بين براثن طهرها الروحي
أتراب عينيها الكليلتين
بصائر طفولة سرمدية
في قلبها العجوز
منذ... ....ولادة الأرض
صمتها المتهيج
أمام عطور الملح الشهية
لا تلجمه تلك الأمواج بطعم السكر
و لحن البحيرة المترع بالبكاء
يتسول الراجلين
دروب الوحل الرخامية
سيدي...
سيدتي...
قرش صدق
و لو كان متسخا بذنوبكم
مزق الكلام أمعاء أفكاري
و الشرطة تنتظر من يسرق
وميض نقاء يدحر الموت للحظة
*****
(2) قرميد المدينة الأصفر
يرنو إلى سماء
ثغرها جاف
و غدائر الأكورديون
تحيك من السلالم الفضية
أقراطا
لأكواخ صماء
وحدها تتزين
و تسقي عرائس التوت
أصداف قبل في النور
(3) تقاعد من مهنة الحزن
في دهاليز الكلمات الغدراء
و بين أسوجة الخيال
الموصومة بعرق الشعراء
اللاهثين
تحت حملقة القلائد
كأنها...
شرفات باريسية
تتهدل
و تخنق المارة
بأكاليل الأزرق و الرمادي
تزفني أهازيج السمرمر
إلى توابيت الصفاد
الروح العاشقة
القلب الغدق
حيث الشمعدان الأصلع
و المشكاة العارية
يتكممان
بسيهج الحرية
لتشرق الشمس
تحمل الخطوات أشلائي نحو الصمود
تمدس بلاط المدينة الأمحق
والصمت ينشلّ من الحروف
فيندمل حبري
كجرح قديم
قرر التقاعد من مهنة الحزن
(3) شريعة البحر
الليل يسلق مخمصة الروح
عن لحظة الولادة
لتستيقظ حواميل اليقين
فيستمر المحيط
وراء التعاليم
و في زلازل الحرية
بدون أفق
لكي لا يشعر يوما باليتم
أطياف الابتسامات
تمرر على الهياكل
لفيف عطر
فترتبك بوتقة المحسوم
و يترنح المبهم
في مقلتيك
أنت الذي هناك
تتأمل
و تقبل ثغور السماء
بدون شفاه
يتغور حزنك الآن
تلتقطه قوارب وحدة
تلامس موجا
سرعان ما يلتهب
تعتق الرماد
في كتانة ورد
لترتشفه في تلحف الطين بالزبد
وتزفره قوت سرائر
لصغار البلابل
لكن..........
النوارس وحدها تحمل الوصية
بصمت
و تمحو الصقيع
من أوراق الرمل
لتدون شريعة البحر
فوق جبين الأمد
يوم يتذرى الهدير
و يذرف جوالح الطوق
فوق رؤوس المارين
بالخيط الأبيض
الذي....
مند ذلك الغرق
تخطاه
فقد أدرك
أن التلال المغروسة في الغمر
مرآة شبح
و أن الشواطئ
مواعيد موت
يحددها أبناء المجاعة
مع كفن النهار