الكائنات الأسطورية مصدر تجربتي وأتحدث اللغة اللونية(الحلقة الاولى)
الإثنين, 13-أكتوبر-2003المؤتمر نت -حوار- عارف أبو حاتم -
قالت الفنانة التشكيلة الدكتورة آمنة النصيري أنها مهتمة بدراسة الأسطورة والرموز والفلسفات القديمة وأن هذه الرموز أصبحت مصدراً ثرياً لتجربتها الفنية.
وعن توظيفها لتلك الأساطير والميثولوجيات في المساهمة في حل مشاكل الحياة العامة قالت: إنها ليست (مؤمنة أن يخاطب النص الواقع مخاطبة مباشرة) ثم أنها ليست معنية بحل مشاكل الواقع أيا كانت).
وأضافت الدكتورة النصيري في الحوار الموسع الذي أجرته معها "المؤتمر نت" (أنها تبحث عن تحولات الحياة في كائناتها الأسطورية) وأن هذه الكائنات ( لا تخلو من مسحة صوفية).
فإلى الجزء الأول من الحوار:
- نبدأ معك من آخر معرض تشكيلي اقمتيه .. كان الملاحظ في معرضك الشخصي التاسع كثرة اللوحات المستلهمة أفكارها من الميثولوجيات والموروث الشعبي.. مالذي دفعك نحو هذه الأفكار؟ وما لذي استفتدينه منها؟
• كل فنان له مصادره، وأعتقد أن مجالات اهتمامي البحثية مرتبطة إلى حد كبير بتجربتي التشكيلية وتجربتي الإبداعية البصرية.
وأنا مهتمة بدراسة الأسطورة والرموز والفلسفات القديمة بما في ذلك الفنون القديمة التي درستها نظرياً ومتأثرة إلى حد كبير في الفكر الصوفي، وهذه الأشياء تتداخل مع النص التشكيلي، وتصبح مصدراً بشكل غير مباشر. بمعنى أني لا اتعمد الاستدعاء للأسطورة، ولكنها تحضر ضمن ثقافتي البصرية وضمن التراكمات الذهنية التي اشتغل عليها ولا أدري كيف تحضرني. لهذا لا أحاول أن أفلسف العمل كثيراً بعد أن يعرض على الناس فأنا أرسم ما أشعر به، وشيء طبيعي إذا كان الفنان صادقاً، ويحاول نقل عالمه الداخلي، فإن ثقافته أياً كان مصادرها تكون داخل هذا النصوص.
- وماذا استفدتِ من هذه التجربة؟
• استفدت من التجربة أولاً: الاشتغال على الأسطورة التي إذا وقفت عندها لوجدتها نبعاً لا ينضب بالنسبة للفنان أياً كان: قاصاً أو شاعراً أو تشكيلياً.
التشكيليون العرب استلهموا هذا الأفكار، وهناك اليوم استلاب للتراث حتى أننا بدأنا نخاف من تعاملنا مع التراث أو اشتغالنا عليه، أصبحنا نخشى البحث في المصادر القديمة.
أعتقد أن القضية الأهم ليست في أننا نعالج هذه الموضوع أو ذاك، بل في كيف نعالج هذا الموضوع؟
ولهذا أقول إنني استفدت إلى حد كبير من دراستي النظرية في مجال الأسطورة والفنون والفكر القديم بشكل عام بفلسفة الرمز والتداخل بين الفني والعقائدي، البصري والديني، المنتوج المحسوس والرؤية اللامرئية للأشياء، التي لا تخلو من طرح فلسفي وأحياناً عقائدي لكثير من القضايا.
هذه المسائل عندما نستدعيها في النص الحديث، لا يمكن أن نستدعيها بنفس الصورة ولكن، نستدعيها كمضيفات للنص، كعلاقات بصرية متداخلة وفي نفس الوقت نحاول أن أوظف الأسطورة (مثل تجربة الكائنات لدي) وهي كائنات معظمها خيالية وذات طابع ميثولوجي، وهذه الأفكار أصبحت مصدراً ثرياً لتجربتي، وهذه فائدة كبرى في أن تصبح هناك كثير من المضيفات البصرية الفنية داخل النص.
الفن ومشاكل الحياة:
- هل تمكنت من توظيف تلك الكائنات والميثولوجيات في المساهمة في حل مشاكل البيئة والإنسان فـ (بيكاسو) كان يقول: (لا توجد تجربة عديمة الصلة بالجزء الموضوعي للحياة)؟
• ليس بهذه الصورة تماماً، فأنا لست مؤمنة أن يخاطب النص الواقع مخاطبة مباشرة وأن يسقط الواقع في داخله بصورة مباشرة، فلست معنيَّة بحل مشاكل الواقع أياً كانت.
واعتقد أن هذا من اختصاص الباحثين الاجتماعيين، والسياسيين، والمؤرخين ولكنني معنية -بالدرجة الأولى- بالبحث في العلاقات الجمالية لا يضير أن يكون ثمة رؤية فلسفية وأن يكون ثمة طرح فكري، لكن العلاقات الجمالية هي الأساس حتى (كائناتي) بشكلها الغرائبي تتجول في عالم غرائبي،وتطرح قيماً جمالية.يحدث أن يكون هناك إسقاطات رمزية ولكن ليست مستمدة في الواقع بصورة مباشرة.
- وما المانع في أن يصبح النص البصري معنياً بواقع الناس؟
• أنا لا أحب على الإطلاق أن يصبح النص موظفاً للتعبير عن الواقع الطبيعي، أن يكون لكل إنسان موقف وأنا لا أنفي قضية الالتزام في الفن حتى وأن تغيرت الرؤى والإيديولوجيات.
أنا أفهم الالتزام بشكل غير مؤدلج، وأفهم أن القضية الأهم الآن في عالمنا العربي المعاصر هي الدفاع عن القيم الجمالية في مقابل القبح السائد في كل حياتنا ليس فقط على المستوى الجمالي والإبداعي.
- هذه التجربة الأخيرة (تجربة الكائنات) هل من شيء ميزها عن سالف تجاربك؟
• اعتقد أنني قدمت شيئاً جديداً في هذه التجربة. أولاً نضجتُ كثيراً من حيث الطرح في موضوع الكائنات، فهذه الكائنات لم تعد مجرد أشكال جامدة، قريبة الصلة بالميثولوجيا والأساطير القديمة، لكنها أصبحت أكثر انطلاقاً وتحرراً من أي قالب، أصبحت كائناتي الخاصة- ربما- قريبة مني كثيراً انطلاقاً وتحرراً ولا أدري أن كان المتلقي يشعر بنفس الشيء.
المسألة الأخرى هي قضية الشكل في المعالجة التقنية والبصرية، أجدني أكثر مرونة في التعامل مع الخط، الخطوط أصبحت فيها قوة تعبيرية ملحوظة، فيها اختزال، الزخرف يكاد يصبح هامشياً في النص، ربما خوفاً أو تجنباً للعلاقات التزينية داخل النص وبدأت التجريب في تقنيات مختلفة مثل "الاكيروليك" على القماش، التعامل مع القماش بشكل أكثر، وأحب التعامل مع الورق أكثر من التعامل مع القماش، ولكن الدخول في الألوان الزيتية وألوان "الأكيروليك" ومحاولة البحث عن خليط من الألوان يحقق لي علاقة جمالية، بمعنى آخر أن هناك تحرراً ليس على مستوى الموضوع والطرح البصري فقط وإنما على المستوى التقني.
أصبحت أكثر حرية في انتقاء خامات العمل.