هناك تقصير كبير في النقد التشكيلي في اليمن، والغرب استلهموا فنون الشرق (الحلقة الثالثة)
الخميس, 16-أكتوبر-2003المؤتمر نت - حوار-عارف أبو حاتم - تؤكد الفنانة التشكيلية الدكتورة آمنة النصيري أن الرسم والنقد يتكاملان في تكوين وعي وثقافة الفنان، نافية أن تكون إشكالية النقد والفن قد سببت أزمة لها، وقالت: (إن النقاد يحاولون طرح "الناقد التشكيلي" في تجربتي ولا أعتقد أنها تسبب لي أزمة لأنني أرسم ما أشعر به).
وعن النقد التشكيلي في بلادنا قالت الفنانة النصيري أن هناك تقصيراً كبيراً حتى من الفنانين التشكيليين.
وعن تخصصها في دارسة الفنون الإسلامية القديمة قالت: إن تلك الدراسة النظرية فتحت آفاقاً لتجربتها وأنها وجدت في تلك الفنون مصدراً ملهماً للفنانين الغربيين وأن ثورة الفن في الغرب قامت على انفتاحهم على الشرق واستلهام فنونه.
نقرأ التفاصيل في الحلقة الثالثة من الحوار الموسع الذي أجرته "المؤتمر نت) مع الفنانة الأكاديمية آمنة النصيري.
- دراستك العليا كانت حول النقد والرسم، كيف تم الجمع بين الأمرين وأيهما يسعى لتطوير الآخر.
o دراستي الأساسية كانت في الجانب النظري. درست في كلية النقد الفني داخل أكاديمية الفنون، وكان مقرراً علينا 6 ساعات في دراسة الفنون -أي دراسة عملية في الرسم والتصوير- واستغليتها بشكل أفضل، لأنني قررت أن أدرس الفنون التشكيلية، وأخذت "كرسات" في دراسة فن الجرافيك، وحاولت أن أطور من إمكاناتي النظرية، وفي نفس الوقت أقوم بالرسم والتصوير، لأنني شعرت بأني، بدون هذا، أفقد كثيراً من موهبتي وإمكاناتي. فأنا كنت أرى في نفسي فنانة تشكيلية قبل كل شيء.
ركزت على هذا الأمر واستفدت منه إلى حد كبير، وأعتقد أن الرسم والنقد يتكاملان. الدراسة النظرية لا يمكن أن تضيف للفنانين، مثل أي ثقافة. الشاعر بدون ثقافة عامة وموسوعية، لا يمكن أن يكون حقيقياً. الثقافة تعمق التجربة وتؤصلها.
الفنان التشكيلي أيضاً المعرفة الموسوعية تؤصل التجربة وتعدد مصادرها.
- ومن يسعى لتطوير الآخر النقد أم الرسم؟
o هذا السؤال دائماً يوجه إلي، وهناك إلحاح دائم، حتى أن النقاد يحاولون طرح هذه الإشكالية (الناقد والتشكيلي) في تجربتي. ولا أعتقد أن هذه الإشكالية تسبب لي أزمة لأنني أرسم ما أشعر به دون أن أتوقف بوعي عند النصوص التي أشتغل عليها. لا تهمني هذه المسألة كثيراً، لأنني أعرف أن الرسم نتاج عالم داخلي، لا يجب أن يعقلن تماماً.
مؤكد أن الخبرات والتراكمات الذهنية سوف تدخل في هذه التجربة، لكن ليس بالطريقة الواعية والمعلقة تماماً ولهذا لا تعنيني هذه المسألة، وعندما يكتب النقاد حولها، ويستغلونها بشكل مركز، ويبحثون عن تأثير الناقدة في عمل التشكيلية في تجربتي، لا أهتم كثيراً لأنني أشعر أن الناقدة لا تتدخل في هذه المسألة، وأن الاشتغال النظري يضيف إلى ثقافتي، لكنه لا يتدخل في إفساد النص.
- النقد والفن التشكيلي كيف تقرئينه الآن في اليمن ؟
o النقد في اليمن لا زال يحبو، بينما التجربة التشكيلية تسعى إلى تطوير نفسها وهناك أنشطة تشكيلية، كثيرة، برغم كثير من الإشكالات المحيطة بالفنون، وبرغم تدهور الوضع الاقتصادي الذي يؤثر على الفنانين وعلى حياتهم وعلى أنشطتهم أيضا، ومع ذلك هناك نتاج ملفت للنظر، على المستوى التشكيلي، وبالمقابل هناك قصور شديد في الكتابات النقدية، ربما لغياب الناقد المتخصص، وأنا واحدة من هؤلاء المتخصصين أجد في نفسي تقصيراً من هذه الناحية، بسبب انشغالاتي الكثيرة التي تحول بيني وبين أن أبذل جهداً أكبر في العمل النقديِ. فأنا أعمل في الجانب الأكاديمي واشتغل في الرسم، وبالتالي ما تبقى من الوقت يكون للنقد والمساهمات النقدية، وأرى أن هناك تقصيراً كبيراً حتى من قبل الفنانين التشكيليين الذين يتراجعون عن الكتابة في الفنون في الصحف والمجلات، أيضاً لأسباب مادية، لأن التفرغ للكتابة يحتاج إلى عائد مادي. فالفنان وقته ضيق ومطالب بتحقيق كثيرمن الالتزامات وبالتالي من سيتفرغ للكتابة.
الكتابة في عالمنا العربي -ونحن نعترف بهذه الإشكالية- مصدر غير مجد للحياة. الكتابة مغامرة فما بالك بالمجال النقدي الذي لا يحظى بأي اهتمام من قبل الصحف والمجلات.
بعض المجلات تتيح مكاناً للنقد ولكنه ضيق، ثم أنه يظل حيزاً صغيراً مقارنة بالشعر والقصة.
- رسالتك للدكتوراه كانت عن الفن الإسلامي التشكيلي القديم.. هل أفادتك تلك الدراسة الأكاديمية في استلهام التقاليد الإسلامية القديمة كما فعل الفنان العالمي (هنري ماتيس) الذي قال إن لوحة (المستحمات الثلاث) أكملت نموه كفنان ودعمت رؤيته وإصراره.
o أنا لا استدعي هذا المصدر بشكل متعمد، لأن هذه هي ثقافتي. "هنري ماتيس" كان أوروبياً وبالتالي تعامل مع هذه الفنون بعقلية المستشرق.
صحيح أن الفنون العربية والإسلامية طورت الفن الغربي، ودخولها كان مصدراً ملهماً للفنانين، وكانت ثورة الفن الغربي، قائمة على انفتاحهم على الشرق واستلهام فنونه، وليس فقط على العالم العربي والإسلامي، بل حتى على دول الشرق الأقصى مثل اليابان والصين وغيرها.
لقد ظل الغرب حريصاً على اكتشاف العالم، لأن ثقافته غريبة عليهم. أما أنا فالدراسة النظرية فتحت آفاقاً لتجربتي، لكني لا استطيع القول بأني أستدعي الفن الشرقي في تجربتي، لأنه جزء من ثقافتي وحاضر في ذهني بشكل غير مباشر.
- حاضر في اللاوعي؟
o أقصد بحضوره أنك ستجد أن هذه خطوط فنانة شرقية، أحياناً لا تخلو من طرح عقائدي وأحياناً تلاحظ مسحة صوفية، وبالتالي لا يمكن في معرض أوروبي ألاَّ تلحظ نكهة شرقية في تلك الأعمال.