في ذكرى المأثرتين العظيمتين
الإثنين, 01-ديسمبر-2003بقلم د. عبدالكريم الإرياني-الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام - منذ مجيء طليعة الاستعماريين بقيادة الكابتن "هنس" عام 1839م، وحتى انسحاب آخر جنود الاستعمار عام 1967م من عدن أمضى شعبنا الحر نحو 128 عاماً من الكفاح اليومي حتى حقق استقلاله الناجز في 30 نوفمبر 1967م، واليوم وشعبنا يحتفل بالذكرى السادسة والثلاثين للاستقلال لتغمره مشاعر الاعتزاز والتقدير لكل المناضلين الأحرار الشهداء والأحياء الذين توجوا بتضحياتهم ومسيرتهم الكفاحية النصر والحرية لشعبهم وقهروا المستعمرين حتى كان إخراجهم لهم من عدن فكانت النهاية للإمبراطورية الاستعمارية التي كانت توصف قبل ذلك بالإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس.. واليوم ونحن نحتفل بالذكرى السادسة والثلاثين للاستقلال تنتشر في جو المناسبة روح الثقة بحاضرنا ومستقبلنا التي تتعزز بقيادة الرئيس علي عبدالله صالح الذي يواصل مسيرة أسلافه المناضلين الأحرار والشجعان في سبيل إنجاز طموحات شعبنا في التقدم والديمقراطية وازدهار اليمن الموحد.. على أني في ذكرى الاستقلال أود أيضاً الحديث عن ذكرى أخرى باتت متلازمة معها، فقد شهدت مدينة عدن قبل (14) عاماً أهم حدث سياسي في تاريخ اليمن المعاصر حتى ذلك الوقت، كان ذلك الحدث هو اتفاق عدن التاريخي الذي وقعته قيادتا الشطرين في 30 نوفمبر 1989م.. والذي تزامن أيضاً مع الذكرى الثانية والعشرين للاستقلال..
لقد كان ذلك الاتفاق التاريخي خطوة عملية وحاسمة لتجاوز كل المعوقات التي كانت تحول من قبل دون إعادة تحقيق الوحدة اليمنية؛ كونه مثّل تطوراً لقواعد الدستور وعكس رغبة الإدارة والقرار السياسي اليمني لتوحيد البلاد في وحدة اندماجية وفورية مقترنة بالديمقراطية..
لقد تضمن اتفاق عدن التاريخي تعهد القيادتين الشطريتين والتزامهما بالمصادقة على مشروع دستور دولة الوحدة وإحالته إلى المؤسستين التشريعيتين للموافقة عليه والإعداد للخطوات المنظمة لعملية الاستفتاء الشعبي العام على مشروع الدستور، وتشكيل لجنة وزارية للإشراف على تنفيذ هذه الخطوات مع توجيه دعوة لجامعة الدول العربية لإيفاد ممثلين عنها للمشاركة في أعمال هذه اللجنة، كما تضمن الاتفاق تكليف لجنة التنظيم السياسي الموحد الإعداد لإجراءات تنظيم العمل السياسي وفق مقتضيات القواعد الدستورية لدولة الأحزاب، أو الدولة الديمقراطية.. وقد ألزم الاتفاق المؤسستين التشريعيتين (مجلس الشورى، ومجلس الشعب الأعلى) اتخاذ قرار بشأن مشروع الدستور خلال ستة أشهر، وهذا ما حدث بالفعل؛ حيث أقر مجلس الشورى في صنعاء، ومجلس الشعب الأعلى في عدن مشروع الدستور في 21 مايو 1990م.. ولم يواجه المشروع سوى معارضة محدودة تمثلت في بعض أعضاء مجلس الشورى الذين كانوا حينها يمثلون الإخوان المسلمين، والذين تابعوا معارضتهم بعد ذلك من خلال التجمع اليمني للإصلاح، الذي تبنى جبهة رفض الدستور، ومقاطعة الاستفتاء عليه في مايو 1991م.
وقد تعزز اتفاق عدن التاريخي وانتقل إلى مجال التطبيق من خلال الخطوات التي التزمت بها القيادات السياسية اليمنية- شركاء الوحدة- في اجتماع صنعاء الذي بدأ في 19 إبريل 1990م. وانتهى فيه شركاء الوحدة إلى الاتفاق على تنفيذ اتفاق عدن بتوقيع إعلان قيام وحدة اندماجية تذوب فيه الدولتان الشطريتان في كيان دولي جديد (الجمهورية اليمنية) وتنظيم الفترة الانتقالية وترتيب أوضاع المؤسسات الدستورية للدولة الجديدة ابتداءً بتشكيل مجلس الرئاسة ودعوة مجلس النواب الوحدوي للبت في تشكيلة مجلس الرئاسة وتكليفه بإنزال الدستور للاستفتاء الشعبي العام.
وقد أصبح هذا الاتفاق بمثابة قواعد منظمة للحياة السياسية للمرحلة الانتقالية في الدولة الجديدة ومعززة للقواعد المنصوص عليها في دستور دولة الوحدة.
إن هذا الاتفاق التاريخي الذي نحتفل بذكراه اليوم بمناسبة يوم الاستقلال الوطني قد كان نتاجاً لنضال الشعب اليمني الطويل من أجل إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، ومثّل الخطوة الأخيرة التي طالما انتظرها هذا الشعب بعد طول تطلع لحياة جديدة أهم معالمها الديمقراطية والتعددية السياسية والاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، حياة أمكن للإنسان اليمني فيها ممارسة حقوقه السياسية والمدنية، وغيرها والتمتع بحقوق الإنسان دون قيود، أو معوقات، كما أمكن ذلك للإنسان اليمني وللقرار السياسي اليمني أن يحتلا مكانة عظيمة في نظر قوى الديمقراطية، والوحدة العربية؛ حيث تحقق في اليمن ولأول مرة نموذج الدولة الوحدوية والديمقراطية بطريقة حضارية.