(المزايدون) و(دار الرئاسة)
الجمعة, 10-أغسطس-2007المؤتمرنت-المحرر السياسي - من يتابع ويتمعن في لقاءات الرئيس علي عبدالله صالح بأبناء المحافظات يدرك انه حول دار الرئاسة إلى منبر يعبر فيه المواطنون عن مشاكلهم ومعاناتهم دون رقابة .
وكما فتح علي عبدالله صالح دار الرئاسة أمام الشاكين والمتظلمين للتعبير عن أرائهم فان الأهم من ذلك انه –وكعادته – فتح قلبه رحباً للاستماع إلى شكاوى الجميع من أبناء المحافظات الذين التقاهم وسيلتقيهم .
وهذه الخطوة التي اتخذها الرئيس بما تضمنته من اتخاذ القرارات بشان معالجة قضايا المواطنين ومن ضمنها القرارات المتعلقة بمعالجة أوضاع المتقاعدين إنما أراد من خلال ذلك أن يعلم الجميع وفي مقدمتهم "المزايدون" صورة من صور المفهوم الديمقراطي الحق لمعنى المشاركة في السلطة وحل مشاكل الناس بناءاً على الإنصات لهم وفتح جميع أبواب السلطة ومؤسسات الدولة أمامهم .
وهنا يكمن الفرق بين رجل الدولة وبين من يحاولون تقمص دور "رجال الدولة " ،وبعبارة أوضح فالرئيس ومعه كل مؤسسات الدولة لم تألوا جهدا في السعي لمعالجة آثار حرب صيف 94م بشتى الوسائل ومنها قضية المطالب الحقوقية للمتقاعدين التي جسدت قرارات الرئيس بشأنها حقيقة مصداقية الاستجابة لمطالب أصحاب المشكلة في إطار مفهومها الحقوقي .
في المقابل ظلت مساعي المزايدين في أحزاب المعارضة تتعامل مع قضايا الناس ومطالبهم –بغض النظر عن عدالتها من عدمه- بمنظور المصالح السياسية الضيقة التي لا تتجاوز في حدودها القصوى مجرد تحويلها إلى أدوات ضغط على السلطة للتكسب السياسي فقط .
ولعل الدلائل التي تؤكد ان قضايا الناس ومعاناتهم -لم تتجاوز في عرف القوى السياسية في المعارضة مفهوم المساومات ذات الأهداف الحزبية الضيقة كثيرة ،فمطالب معالجة آثار حرب 94 لم تتجاوز حدود الترويج لها في الصحف ،أو اتخاذها أداة مساومة على طاولات الحوار الحزبي مع المؤتمر الشعبي العام الحاكم أو مع القيادة السياسية ،والحديث عن معاناة المواطنين في بعض المحافظات لم تتعدى لدى أحزاب المعارضة المفهوم (الجوبلزي) في الدعاية السياسية .
ومن المهم هنا الإشارة إلى أن تلك الأحزاب اعجز من أن تقدم برهاناً يؤكد أنها أسهمت ذات يوم في حل مشاكل الناس أو في معالجة القضايا التي تمس حياتهم ومعيشتهم ،واعجز من أن تقدم دليلاً على أن الحديث عن قضايا الأسعار أو مشاكل المتقاعدين ،أو غيرها كان ضمن حساباتها او في مضامين نقاشات قادتها خلال لقاءاتهم المتكررة مع القيادة السياسية او على طاولات الحوار التي دارت مراراً مع الحزب الحاكم.
إن ما يجب أن تدركه تلك الأحزاب انه وذا كان من حقها الحديث عن قضايا الناس ،وادعاء البحث عن حلول لها ،فانه ليس من حقها أن تسعى لتأجيج وإثارة واستغلال تلك المعاناة بأسلوب يقتصر على الانتهازية وتحويلها إلى مادة للدعاية الانتخابية .
وفي الوقت ذاته فان الأهم أن تعي أحزاب المعارضة أن التغاضي عن تعاملها مع قضايا المواطنين في إطار الدعاية السياسية لا يعني السماح لها أن يتحول ذلك الاستغلال إلى مساس بالثوابت وفي المقدمة الوحدة الوطنية وهو ما يستدعي أن تدركه تلك الاحزب في ضوء تحذير الرئيس علي عبدالله صالح لها من ذلك مراراً وأخرها ما تضمنته تحذيراته أمس الأول بهذا الشأن .
كما ان قواعد اللعبة السياسية تستدعي أن تدرك أحزاب المعارضة أن المشاكل التي تحاول المزايدة بها وفي مقدمتها مطالب المتقاعدين باعتبارها قضية حقوقية لم تكن صنيعة من هم في السلطة اليوم،بل إنها صنيعة لأخطاء أسهمت في خلق جزء كبير من أسبابها تلك الأحزاب حينما شاركت في السلطة سواء تلك التي لولا حماقة قادتها ومحاولتهم إعادة عجلة الوحدة الى الوراء لما كان لها ان توجد ،أو تلك التي أسهمت في استغلال مشاركتها في الحكم لتحل محل الآخرين ،ومثل هذه الحقائق ليست بخافية على الرأي العام فلم تكد عشر سنوات تمر عليها .
ومع ذلك فان من أوصلهم الشعب وعبر صناديق الاقتراع وحدهم من يتصدون لمعالجة قضايا أخطاء الماضي التي شارك في صنعها من أخرجهم الشعب من السلطة وعبر ذات الصندوق وهذه هي مقتضيات الفهم الحقيقي للديمقراطية التي تفرض على من منحهم الشعب ثقته أن يتحملوا مسؤولية تصحيح سلبياتهم وقبل ذلك سلبيات غيرهم بعيداً عن تحويلها إلى مجرد فقاعات إعلامية ، فمعالجة قضايا الناس لم تمر يوماً عبر صفحات الجرائد أو مقالات المزايدة السياسية واستغلال هموم المواطن لا علاقة لها بشؤون الحكم وإدارة الدولة .
وإذا كان من حق الجميع الحديث عن ضرورة الإسهام في بناء الوطن وصناعة مستقبله –بغض النظر عن طبيعة الوسائل والأساليب لذلك – فان ذلك مرهون بان يعي الجميع أن هذه المفاهيم ليست قابلة لتتحول إلى وسائل دعاية انتخابية ،أو خطابات للاستهلاك السياسي ،أو مبررات لتجاوز جوهر الديمقراطية الذي لا يستقيم إلا حين يدرك المتنافسون أن الشعب هو وحده من يحق له تقرير من يحكمه .
وخلاصة القول انه ورغم أن مالم يقل أكثر مما قيل فما يزال هناك بصيص أمل في أن يعاود المزايدون بقضايا الناس وحقوقهم وحرياتهم قراءة حساباتهم ويستشعروا أن هذا اليمن الواحد هو وطن الجميع ويتسع للجميع وبناؤه مسؤولية الجميع .