لقاء : محمد انعم - طالبت أم المراهق المغرر به »عبدالرحمن مهدي العجيري« والذي استغله الإرهابيون لتنفيذ جريمة شبام الاحد قبل الماضي - الأجهزة المختصة بالقبض على رؤوس الإرهاب الذين يعبثون بشباب بلادنا ومحاسبتهم على ما يقترفونه من جرائم بحق البلاد ولم تستبعد أن يكون ابنها قد اختطف من قبل الإرهابيين وأُرغم على تنفيذ تلك الجريمة.. وحذرت إن لم تقم الدولة بتشديد رقابتها على المساجد فسيكون هناك أكثر من عبدالرحمن.. عبدالرحمن ليس وحده عرضة لتضليل الارهابيين واستخدامهم لتنفيذ مخططاتهم.. وقالت: »إن خسارتي كبيرة وقتل الكوريين بدون ذنب فاجعة أيضاً«.. تفاصيل أكثر في هذا اللقاء..
كيف كانت تربية وتعليم ابنك »عبدالرحمن« الذي غُرر به، وكيف وصل الى ذلك المصير الفاجعة؟
لقد ربيت ابني عبدالرحمن أفضل تربية ووفرت له أحسن التعليم في المدارس الخاصة رغم مصاريفها الكبيرة ثم حولته الى المدارس الحكومية وتابعت دراسته متابعة دقيقة وكان متفوقاً في دروسه ولم نرَ في سلوكه أي شيء حيث كان هادئاً ومهذباً.. الى ما قبل سنتين قال لي: أريد أن أحفظ القرآن، وكانت فرحتي كبيرة وشجعته على ذلك وأدخلته مدرسة لتحفيظ القرآن والحمد لله كان مجداً في ذلك لفترة سنة وبضعة أشهر، كان على وشك أن يتم حفظ القرآن الكريم، الى أن جاءنا بعد أن أكمل اختباراته في صف ثاني ثانوي وقال لي: إنه يريد أن يلتحق بمركز داخلي في تعز ليكمل حفظ القرآن وسيوفرون له السكن والأكل.. في بداية الأمر لم أوافق وكنت مترددة ولكنه ألح عليّ حتى وافقت ليسافر للالتحاق بذلك المعهد في تعز لمدة شهرين وكنت خلالها أتابعه وأرسل له مصاريف أو ملابس وكل ما يحتاجه وبعدها جاء لزيارتنا وأخبرنا أنه تبقَّى له بعض الاجزاء ليكمل حفظ القرآن ثم عاد الى تعز ليحقق هذا الهدف، بعدها بدأ دراسته في صف ثالث ثانوي وكان ملتزماً بنظام دقيق عوَّدته عليه في قيامه ونومه وأكله وخروجه ومواعيد دروسه.. لكنه بعد شهرين بدأ يتغير يتغيب عن المدرسة وكان يقول لي إنه في ثالث ثانوي لا أحد يعاقبه وأنه يستطيع أن يوفق في دروسه وكان يقضي كل وقته في الجامع يؤدي الصلوات وبعدها يجلس في حلقات دروس متواصلة وكنا دائماً نتابعه ويذهب أخوه الصغير ليجده ملتزماً بالحلقات والدروس وكنت مطمئنة عليه لأنه ملتزم بصلواته وبطريق الله والقرآن والسنة..
إنقلاب مفاجئ
إلى أن جاء شهر رمضان الماضي ليبدأ في الحديث عن الشهادة وكان يقول لي: إنه ينوي الشهادة وأنه يريد أن يذهب الى العراق أو فلسطين وقال لي: يا أمي جهّزيني للشهادة »فمن جهَّز غازياً كمن غزا«.. ثم بدأ يحدثني عن شئون الدين والدنيا وكان يحضر لي الكتب الدينية وطبعاً كنت سعيدة بذلك مما شجعني لأن أسجل في معهد للعلوم الشرعية وبدأت أحفظ القرآن.. ولكنه كان لا يكف في الحديث عن الجهاد وكنت أطمئنه وأقول له تأكد اذا الحكومة اليمنية فتحت باب الجهاد الى فلسطين ستكون أنت في أول الصفوف وسوف أجهزك بنفسي وأكون فخورة بذلك.. وكان يقول لي: إن اليهود اعداء الله والدين ولازم نحاربهم.. لأعود وأقول له: نعرف ذلك ولكن الذهاب الى فلسطين ومحاربة اليهود ليس قرارك وحدك ولا تستطيع أن تغير الواقع، فذلك يحتاج الى قرارات الحكومات العربية والاسلامية والى حشود، وأنت وحدك لن تستطيع أن تفعل شيئاً، واذا ما فُتح باب الجهاد فلن أمنعك.. وكان النقاش بيننا حول هذا الموضوع يستمر لعدة أيام ثم يعود بعدها ليطرح أفكاره عن الجهاد.. حتى استطعنا أن نلحقه ونوظفه في مستشفى آزال وكنا نتابعه هناك ونتفقده ووجدنا الجميع يحبونه ويثنون على سلوكه وأخلاقه والتزامه، وبعد شهرين من عمله في مستشفى آزال جاء ليخبرني أنه سيترك العمل فيه لأن الراتب الذي يحصل عليه قليل وأنه وجد عملاً في مكتب خاص بأجر أفضل حيث يقوم بالطباعة وأخذ نسبة مقابل عمله.. ووافقت على طلبه لأنني كنت واثقة منه تماماً وأعرف أنه بسلوكه وأخلاقه واستقامته لن يذهب في طريق الخطأ وكنت متأكدة من ذلك.. ثم عمل في ذلك المكتب وكان ملتزماً في عمله ومواعيد عودته الى البيت.. وطبعاً بالنسبة لوالده كان مغترباً وبعيداً عن أولاده لمدة اثني عشر عاماً، الأمر الذي جعل الأولاد متعلقين بي أكثر من والدهم وذلك لالتصاقي التام بهم خاصة فترة اغتراب والدهم.
رحلة بلا عودة
جاءني في أول شهر ذي الحجة ليحضر معه دقيق وسكر وبعض المستلزمات المنزلية وقال لي يا أمي لقد استلمت الراتب وهذه أشياء بسيطة للبيت وكانت فرحتي حينها كبيرة جداً.. وكان يؤثر أخوته عليه ولم يكن يهتم بأن يكون معه فلوس أو لا، ولم يكن يطلب منا شيئاً على الاطلاق حتى مصاريف المواصلات لم يكن يطلبها من أحد.. وكان يأتي من الدائري الى البيت »جوار مستشفى آزال« مشياً على الأقدام.. وكأم كنت أفتش في جيوبه عندما يكون نائماً ولا أجد شيئاً.. الى أن جاء يوم ودخل البيت وكنت نائمة وأخذ بعض كتبه الدينية وغيرها بالاضافة الى كتبه لمرحلة الثانوية وقال لأخيه: خرجها الى فوق »الموتور« وعندما تستيقظ أمي قل لها إني ذاهب رحلة، وقد كان يذهب الى رحلات بين فترة وأخرى ويذهب مع بعض الجماعة وهم صائمون وكنا متعودين على ذلك وكان يعود بعد العشاء.. لكن في تلك المرة تأخر وكنت أتصل به لكنه لا يرد عليَّ ثم بعثت له برسائل ليرد عليّ برسالة أنه لن يعود، وتلقيت رسائل منه يقول لي فيها إجعلي إيمانك بالله كبيراً، ليستمر ذلك الى عدة أيام حتى دخل علينا العيد وهو ليس بيننا فاتصلت به ورد عليّ برسالة يقول ممنوع الاتصال الى المكان الذي أنا فيه.. فأصبحت بحالة كالمجنونة.. كيف ممنوع الاتصال؟!! فبعثت له برسالة.. هل أنت محبوس.. كلمني.. لكنه لم يرد وأغلق التلفون.. فكان عيدنا نكد.. وكنت أظن أنه ربما ذهب الى عدن لأنه كان يفكر بالذهاب إليها.. وفي ثاني العيد قررنا واقنعنا والده أن نذهب الى عدن لكن عند وصولنا الى الضالع جاءنا منه اتصال كان يتكلم ويبكي وطمأننا عليه وقال لي: كيف أنت يا أمي.. قلت له: نحن في جهنم.. وقد نزلنا عدن نبحث عنك.. كان يتكلم.. ويبكي وقال: دعواتك لي بالشهادة.. ثم عدنا الى صنعاء على أمل أن يظهر أو يتصل لكنه لم يفعل ذلك وأدخلنا في قلق شديد.. ليتصل بعدها بأيام ليقول لي أنه خرج للشهادة ولن ينفعه إلاّ الدعاء.. وكان ذلك قبل حوالي أربعة أشهر.. وبعدها جاء شخصان على دراجة نارية قابلهما ابني الصغير فسلَّماه رسالة منه يقول فيها إنه متجه الى الصومال وإنه على الطريق المستقيم ويطلب الدعاء له بالشهادة، وهذا كان آخر كلام له. فوصلت الى نتيجة أن الولد فعلاً واضع موضوع الشهادة في رأسه وطبعاً لن يستطيع الذهاب الى فلسطين أو العراق.. وبعدها بأيام سمعت كلاماً يتردد في الشارع أنهم حاولوا مغادرة اليمن في طريقهم الى فلسطين ولكنهم أعادوهم وربما يكون مسجوناً أو متحفظ عليه لكن كنت غير متأكدة من ذلك.. وبعدها كان يراودني الشعور بأنه ربما حاول الذهاب الى الصومال بعد ما مُنع من الذهاب الى فلسطين.
حوار غير مجدٍ
يعني كنتِ على قناعة أنه فعلاً لن يتراجع ولن يعود عن قراره؟
كنا في الفترة الأخيرة نناقشه كثيراً بالكتاب والسنة وكنت أقول له: إن وجودك معنا ومساعدة أمك واخوانك نوع من الجهاد أيضاً.. لكن فعلاً وصلت الى قناعة أنه لن يتراجع عن فكرته رغم أني كنت أقول له إن الشهادة في فلسطين أو العراق ليست مطلوبة منك حتى يتم فتح باب الجهاد لكنه لم يكن يقتنع بكلامي أبداً.. وفعلاً في الفترة الأخيرة تغير كثيراً فقد كان يميل للوحدة وترك ارتداء البنطلونات وأطلق شعره اقتداءً بالرسول »صلى الله عليه وسلم«.. وبعد الرسالة الأخيرة منه استسلمت للواقع وكنت أدعو الله أن يحفظه وأقول: يا رب كان أمانة عندي وهو الآن بين يديك فاحفظه وإن كان في عودته خير لنا فأعده لنا يا الله، هكذا احتسبته عند الله.
بيوت الله ليست للخوف هل كان مع أناس محل ثقة؟
كنت أرى أن ابني في بيوت الله وبين الكتاب والسنة لذلك كنت مطمئنة أنه في أمان وأنه بين أناس مأمونين.. فلم أكن أعتقد أن بيوت الله ستجعل الأبناء يعقون آباءهم ويكونون بهذا الجحود والافكار الضالة.. اذا كان الأمر هكذا فإنه مخيف ومن الأفضل أن نغلق بيوت الله ونصلي في بيوتنا.. ويعني ذلك أن نعلّم بقية أولادنا الدروس والصلاة في بيوتنا وليس في بيوت الله أقصد اذا كانت لتغيير الافكار وتضليل الصغار.. فتلك ليست بيوت الله التي نعرفها.. وكنت أتمنى أن يكون دكتوراً أو طياراً أو غير ذلك لكنني وجدته يميل لكتاب الله وسنة رسوله فكنت أدعو الله أن يكون شيخاً أو عالم دين أو داعية كبيراً.
من السبب في ضياع ابنك؟
أسأل الله ان يحتسب ابني عنده شهيد لأنه كان على نيته، طالما وهؤلاء الناس ضللوه بأفكارهم الضالة.. واقنعوه بأن هذه هي الشهادة حيث كان يردد قوله تعالى : »واقتلوهم حيث ثقفتموهم..« الآية. فإذا كان الذين يعلمونهم حرفوا القرآن وغيروا تفسيره،، فأمرهم الى الله.. فابني عمره 17 سنة ويمشي بالثامنة عشرة.. وهؤلاء السياح الكوريون لاذنب لهم هم ضيوف عندنا والرسول صلى الله عليه وسلم أوصى باكرام الضيف.. ولايجب قتله. وكلنا درسنا ونعرف ان هذا ليس الجهاد الذي دعا اليه الرسول صلى الله عليه وسلم.
هل كان المشايخ الذين كان يدرس عندهم عبدالرحمن يعيشوا بهذه الحارة..؟
صراحة لا أعرفهم.. ولا أعرف على يد من ختم القرآن.. الذي أعرفه ان ولدي بالجامع وانه ختم المصحف.. وعملوا له حفل تكريم بالجامع ومنحوا والده شهادة على ذلك..
صور المطلوبين التي نشرتها الأجهزة الأمنية هل تعرفين أحداً منهم..؟
لا أعرف صورة أحد.. وكنت أمنعه من ادخال اصدقائه الى البيت.. حتى والده لايخزن مع اصحابه في البيت ايضاً.. كنت اخيط بالعصر وحالي حال نفسي.. ولا أعرف انه يتكلم عن اسماء أصحابه..
نصيحة للأمهات
وتواصل أم (أيمن) قائلة : أحب ان أقول للامهات بعد ان فقدت ولدي ان لايمنعن أولادهن من الذهاب الى بيوت الله.. لكن أنصح بأن تكون هناك مراقبة على بيوت الله.. لابد من مراقبة شديدة على المساجد ومايدور فيها وان يكون هناك تدقيق شديد على المشائخ الذين يعلمون أولادنا.. هذا هو المطلوب.. أما أن يؤذن للصلاة ونمنع أولادنا من الذهاب الى المسجد فهذا لايجوز، ولايمكن أن نمنع أبناءنا من الصلاة، هذا مش معقول. كان ابنك في سن المراهقة وأي شاب في هذا العمر من السهل التأثير عليه لارتكاب جريمة فلماذا لم تراقبوه مع من كان وتحافظوا عليه؟ - لم أتوقع ان عبدالرحمن يعمل هذا الشيء داخل بلاده.. توقعت انه ممكن يروح يحارب خارج البلاد، أي البلدان التي تمنى ان يذهب اليها.. لم أتوقع ان يعمل شيئاً في البلاد ولم أسمع منه أي كلام فيه اساءة لمسئول في البلاد.
هل تعتقدين ان عبدالرحمن اختطف..؟
-مش بعيد ان يكون قد حصل معه ذلك، وقد يكون تم اخذه الى مكان وهددوه ومنعوه من الاتصال بي.. لأنه كان يتأثر من صوتي.. ويتأثر من كلامي.
ذكرت انه كان يبكي اثناء الاتصال بك..؟
أعتقد ان بكاءه كان غصباً عنه وان هناك من غرر به ودفعه لفعل هذا.. عبدالرحمن كان ضحية.. وأبداً لايمكن ان يكون فعل ذلك برضاه.. ويعمل هذا الشيء داخل الوطن، واني متأكدة من ذلك مائة بالمائة.
هل فكرت في يوم من الأيام ان تبلغي الأمن لمساعدتكم في العثور عليه..؟
نعم فكرت.. صراحة كثير بذلك، لكني لم أفعل ذلك خشية ان يكون ابني في الصومال وهو في مأمن وأضعه في مأزق.. لذا فكرت ان أصبر..
كيف ومتى عرفت بخبر الحادث المؤلم؟
- عرفت بالخبر مساء الثلاثاء الماضي.. ولأني لا أهتم بالاخبار إلاّ انه منذ غياب ابني بدأت اهتم بمتابعة اخبار الجزيرة واليمن.. وفجأة ظهرت صورة عبدالرحمن بشاشة التلفزيون.. فحمدت الله وواجهت الأمر بصبر.. بعد ان تحملت الكثير من أجل تربيته، والحمد لله. ورغم حزني على ولدي أقول وأكرر لقد غرروا بابني الذي طلب الشهادة وصدق ودفعوه لهذا الفعل.
لماذا لاتطالبون الحكومة بالثأر لولدكم من الاشخاص الذين دفعوه الى هذا العمل..؟
- نحن نطالب بذلك، وفيه عبدالرحمن بكره.. وفيه عبدالرحمن بايقع بعد بكرة.. وبعده، وبعده.. اذا الجهات المعنية لم تأخذ حذرها أكيد سيكون هناك اطفال آخرون ضحايا أمثال عبدالرحمن.. لأن هناك من يعمل على تضليل من هم في سنه وسينجحون في ذلك إذا لم يقم الأمن بدوره للوصول الى الشرذمة الكبيرة الذين ينخرون في أطفالنا الضحايا المغرر بهم