الدساتير العربية عملت (خازوقا) للتفريق بين الرجال والنساء(الحلقة الأخيرة )
الأحد, 28-مارس-2004المؤتمر نت-عارف ابو حاتم - في الجزء الأخير من الحوار الموسع الذي أجراه (المؤتمرنت) مع الإعلامية المعروفة الدكتورة رؤوفة حسن نسلط الضوء على وضع المرأة العربية في الدساتير الشرعة لوضعها القانوني .
كما نسلط الضوء على الأزمة القائمة في هذا الوضع ،وأين تكمن معاناة المرأة هل في التشريعات ؟ أم في الموروث الاجتماعي ؟ فإلى الحوار :
المؤتمرنت عارف أبوحاتم
-بصفتك إعلامية عربية معروفة.. كيف تقيمين وضع المرأة العربية عموماً.. اليمنية خصوصاً؟
*النساء عدد كبير من البشر، ومتنوع جداً، ومن الصعب تقييم النساء بتقييم عابر، لا يوجد نساء متشابهات، حتى أقول أنهن واحدات: نساء الريف غير نساء المدن، نساء اليمن غير نساء السعودية، نساء الخليج لسن بالضرورة نفس نساء لبنان، والأردن، وبالتالي الاختلافات الموجودة بين هذه الشرائح من النساء كبيرة جداً، أيضاً هناك نساء مرتبطات بطبقات عليها، مختلفات عن نساء الطبقات الدنيا، والنساء الفقيرات، وبائعات الهوى أمر، والنساء المتزوجات بعقود شرعية، لكنها بين مؤسسات كبرى من رجال مؤسسات الثراء أمر آخر، يعني بين الذين يبيعون أنفسهم فقراً، وبين الذين يبيعون أنفسهم غنى، هؤلاء –أيضاً- بشر آخرون، كيف أقيم؟، ومن أقيم؟!
أنت تطلب مني أن أقيم الشعب العربي، من يملك الحق في تقييم الشعب العربي؟! 50% من سكان العالم العربي نساء، عدد كبير من هؤلاء النساء أميات، وعدد كبير منهن مثقفات، ومتعلمات، ما هو التقييم، ومن يملك قدرة على التقييم؟!
لا أملك قدره على التقييم إلا إذا كنت أملك كل المعلومات الدقيقة عن الاختلافات، والأوضاع التي يعيشها. نحن نعرف أن هناك إشكالات كبيرة تواجهها النساء أكثر مما يواجهها الرجال، وهذه المعلومات موجودة في الكتب، وفي كل الأدبيات.
-السؤال كان أكثر تركيزاً على المشهد اليمني؟
*يبدو لي أن المشهد اليمني أكثر وضوحاً من المشهد العربي. في بعض ملامحه خادع، وبعض ملامحه يعطي معلومات دقيقة.
مثلاً في المسألة الديمقراطية خادع جداً، يوجد في اليمن ثلاثة ملايين، ونصف المليون امرأة ناخبة، وهذا معدل كبير في النساء الراشدات اللاتي بلغن سن الثامنة عشرة، ويملكن حق التصويت في هذا البلد، غيرهن في الجزيرة العربية، لا يمكَنَّ هذا الحق. هذا مشهد تقدمي جداً، مشهد حضاري، مشهد ديمقراطي، مشهد يعطي انطباع بأن النساء اليمنيات يملكن القدرة على المشاركة في صناعة القرار، لكنه جزء من مشهد إذا أخذته على هذا، وقلت أن النساء اليمنيات سياسيات درجة أولى، فيكفي أن تلقى نظرة واحدة على مجلس النواب، وترى أن الـ3.5 مليون امرأة ناخبة لم يفرزن حتى المنتخبة الواحدة التي دخلت البرلمان، لإن هناك حوارات سياسية بين أحزاب، ومرشحين، وليس بسبب ضغوط النساء، وليس بسبب قدرة الـ3.5 مليون صوت، إذن هذا يقول أن الـ3.5 مليون غير قادرات على صناعة قرار يخصهن، مع أن هذا الرقم قادر على فشل، أو نجاح حكومة، وصعود برلمان، أو سقوطه، هذا الرقم قادر لكنه غير واعي بهذا القدر.
إذن المشهد السياسي ناقص، إذا نظرت له بهذا القدر من الخداع. نفس هذا المشهد تجده في المغرب ففيه عدد كبير من النساء دخلن مجلس النواب، لإن الأحزاب السياسية هناك لديها نشاط فاعل تجاه النساء، عكس نشاط الأحزاب السياسية تجاه المرأة في اليمن، بالتالي النساء اليمنيات الناخبات لا ينتخبن كقرار مستقل، وإنما ينتخبن كقرار تابع، تبعية القرار هذا تبعية أسرية، وليس تبعية حزبية، أو مجتمعية، أو فكرية، أو ذاتية، أو تعبير عن حركة، وإنما هي تبعية معبرة عن مجاميع أخرى. هذا واحد من المشاهد مشهد آخر، الحراك الفكري –أيضاً- ضعيف جداً، هناك ندوة عقدتها مؤسسة "تنمية وتخطيط البرامج الثقافية" قبل فترة، حاولنا نبحث فيها عن الكتب والأعمال الاجتهادية التي تتم في المجال الإسلامي، والتي نشرها رجال، أو نساء، لم نجد كتاب نشرته امرأة يمنية، وإنما وجدنا كتباً ألفها رجال مجتهدين في الإسلام عن حقوق النساء، هذا مذهل، مع أن النساء موجودات في كلية الزراعة، وموجودات في الدراسات الإسلامية، وموجودات كداعيات، وموجودات في الأحزاب اليمنية. ومع هذا لا توجد اجتهادات بحثية، وعلمية لهن في مسألة حوقهن، هذا مثل من جملة أمثلة كثيرة.
أعتقد أن السؤال عام وكبير، ومن الصعب تقييم الأوضاع.
-تركيبة البرلمان مكونة من 300 رجل وامرأة واحدة، ليس في هذا لوم على المرأة نفسها 3.5 مليون امرأة تمثلهن عضوة واحدة.
*ليس صحيحاً.. هذه المرأة الموجودة في البرلمان لا تمثل النساء. هذه المرأة داخل مجلس النواب مثل البقية تمثل حزبها، وبالتالي لا تمثل النساء، ولم تنتخبها النساء ممثلة لهن.
أن تكون امرأة واحدة ممثلة عن النساء من قال ذلك. أنا لم أصوت لها، وليس عندي الفرصة بأن أصوت لها، لأني غير موجودة في مدينة عدن.
ما أقصده أنه ليس صحيحاً أن النساء الموجودات في مجلس النواب ممثلات للنساء، هن ممثلات لأحزابهن، وبالتالي معبرات عن تلك الأحزاب، والموجودين من الرجال ليسوا ممثلون عن النساء حتى لو صوتن لهم، فهم ممثلين عن أحزابهم، وعن القضايا التي يقولون إنهم معبرون عنها. ولم أسمع عن أعضاء مجلس النواب بأنهم قالوا أنهم ممثلون للرجال، بمعنى أن (300) رجل مُنتخبٍ يمثلون ثمانية ملايين مواطن مُنتَخب.
- لماذا لا يتم العمل على المطالبة بتخصيص مقاعد، ودوائر خاصة بالتنافس للنساء فقط.
*هناك مقترحات، ولابد أن يواجه الناس هذه المشكلة بحلول، والحلول هي إما أن يفعلوا بنظام (الكوتا) أو يعملوا إجبار على الأحزاب السياسية بأن يكون في لوائحها السياسية مرشحات في مناطق ينجحن فيها ، فهناك عشرة ملايين يمنية يجب أن يكون لهن الحق في أن يكون لهن مرشحات في مجلس النواب، فإذا لم يعطوهن عدداً من المقاعد فلا يستطيعون إدعاء أن العملية الديمقراطية تمت؛ فالديمقراطية لا تتم إلا إذا مثلت كل شرائح الشعب.
فإذا كان 50% غير موجود فإن الديمقراطية غير موجودة.
-الحديث عن العنف ضد المرأة والمطالبة بحقوقها وإنصافها وجعلها... ألا ترين بأن ترديد مثل هذه المقولات المبالغ فيها يأتي مداراة للغرب،هم أطلقوها لأجل تصنيف المجتمعات إلى متخلفة ومستجدة، ونامية حتى تظل الوصاية الغربية على مجتمعاتنا؟!
*أنا لا أرى أن هناك مبالغة، هناك نفاق، وكذب، وزيف وإدعاء بأن قضايا النساء تدرس، وبأنه يعبر عنها، قضايا النساء، لا أحد يعبر عنها.
لقد حضرت المؤتمر الذي عقد مؤخراً حول مناهضة العنف ضد المرأة، وحصل أن جاءت امرأة، وعرضت قضيتها، وبكت، وبمجرد ما بدأت تتحدث عن قضيتها الشخصية، أسكتوها جميعاً، لم يكن عندهم قدرة أن يحتملوا هذا الصوت الحقيقي. صوت يتحدث عن عنف حقيقي، كانت قدرتهم أن يجردوا الأشياء، ويتكلموا عن ظواهر، ويتحدثوا، ويتفلسفوا عنها مع أجهزة الإعلام.
أما أن يواجهوا حالة حقيقية واحدة، فهذا صعب. وقد تتبعت ما حدث لهذه الحالة بعد أعمال المؤتمر، وكانت حالة تكشف أنه لا يوجد منظمة تدافع عن قضايا العنف الحقيقية، لا توجد منظمة تستطيع أن تمثل امرأة في حالة تعنيف، وتذهب لتتابع قضيتها عند الناس الذين عنفوها، لا توجد منظمة تملك بيتا تؤوي فيه النساء المعنفات عندما يحصل، وأن يرتمين في الشارع، لا توجد منظمة تستطيع أن تتابع الحقوق لهذه المرأة المعنفة التي تخرجت من بيت تملك جزءً منه، مادام لا يوجد شيء من هذا كله إذن ذلك المؤتمر المخصص للعنف هو مؤتمر ظريف لناس يلتقوا مع ناس، ويتحدثوا في موضوع لا يهمهم البتة.
-وبالمقابل نجد أصحاب هذه المنظمات يترددون على أبواب السفراء، والمنظمات الدولية للارتزاق باسم المرأة والطفل، والحرية والديمقراطية؟
*أظن أن المنظمات تعرف ذلك، واللعبة عموماً محلية، دولية، الكل يلعب مع بحض (أحملني، أحملك)، أنا أدفع فلوس، وادعي أني أخلي عهدتي، وأنت تستلم فلوس، وتدعي أنك قمت بالمهمة، والمعنفون الحقيقيون ملقون في الشوارع، مثل الفقراء الحقيقيين الذين في الشوارع.
-وبهذا تصبح المرأة ورقة توت تلعب بها المنظمات، والأحزاب، والهيئات؟
*المرأة، والفقراء –أيضاً- والديمقراطيات، وبلدان العالم الثالث.
-كلها قيم زائفة تتساقط...
*جميعها تتساقط عندما يكون الناس غير صادقين، عندما يقبلون الكذب، ويستمرون في قبوله، عندما لا تقوم الصحافة بكشف الظواهر الحقيقية.
-إذن برأيك أين يكمن الخلل؟
*هو نفس الخلل الذي يكمن في تصنيف واقع المجتمع ككل، المجتمع لا يتم تشخيص واقعه حقيقة بكل فئاته، طالما أن الذين يدرسون واقع المجتمع لا يدرسون بمنظار الحقيقة، والواقع، وإنما بمنظار تخيلات عما هي الحقيقة، والواقع، ومعنى أن هناك تطورات وهمية ووسائل منهجية لا يتم إعادة تصحيحها، وقياس مدى صحتها، ومدى قدرتها على دراسة المجتمع، ثم إن الناس قد ألغوا مقولات صار لها فترة طويلة، ربما كانت سائدة في السبعينيات، والآن يعكسونها على واقع قد تغير، وتطور.
وهذه مشكلات التشخيص، وهي مشكلات تشبه الحالات المرضية، المريض لا يمكن معرفة مرضه بدقة، إذا كانت المواد التحليلية المستخدمة في المعمل قد انتهت صلاحيتها.
-المشكلات التي تواجهها المرأة العربية أين يمكن خللها في الدساتير، أم الموروث الاجتماعي، خاصة إذا ما علمنا أن الدساتير أعطت لها الحقوق كاملة على الورق فقط؟
*الدساتير من البداية لم تمنح النساء حقوقهن.
ليس صحيحاً أن الدساتير قد منحت النساء حقوقهن، الدساتير من البداية عملت خازوقا للخلل، وعملت استثناءات داخل الدستور يفرق بين النساء، والرجال، وبالتالي الدستور نفسه ليس دستورا مساويا، ولا يتم التعامل مع الأفراد من المواطنين والمواطنات كمواطنين بشكل عام ، وإنما يتم التعامل معهم كذكور مواطنين (درجة أولى) وكأناث مواطنات تابعات للذكور المواطنين، فيصبحن مواطنات (درجة ثانية) وهذا وضع الدستور.
بعد هذا تأتي لمجموعة القوانين الباقية: كل قانون يتم اشتقاقه من الدستور يقلل نسبة أخرى من الحقوق التي منحها الدستور للنساء، وبعد هذا تأتي اللوائح التنفيذية تقلل أيضاً من الحقوق التي منحتها القوانين، ثم تأتي تفسيرات ذاتية للأشخاص الذين يقومون بالعمل، وهم بالغالب رجال، وتقلل أكثر مما هو في القانون، وحتى تغض النظر عنه، وتنفذ ما تظن أنه مجتمعياً مقبول.... وهكذا لا تعامل النساء كمواطنات، وإنما يعاملن كأفراد داخل الأسرة في البيت، مرتبطات بما هن عليه داخل الأسرة، وليس بما هن داخل الوطن.
الوطن لا يتحدث مع مواطنات، وإنما يتحدث مع أمهات، وأخوات، وبنات، وزوجات يعني تبعية.
أقول إن مشكلة المواطنة في العالم العربي لم تحسم، وما لم تحسم مسألة المواطنة للرجال، والنساء، لا نستطيع التوصل إلى أوضاع ملائمة، ونستطيع أن نتكلم عن نساء متساويات، مع الرجال داخل الدستور، لأن المطلوب ليس مساواة الأمهات مع الآباء، أو الزوجات مع أزواجهن، أو البنات مع أخواتهن، وإنما المساواة بين المواطنين داخل الوطن.