بقلم/ عباس غالب -
لا يمكن إهمال مناسبة كتلك المرتبطة ببروز تحولات عميقة في مجرى حياة الشعوب سواء كانت إيجابية أو سلبية، وبحيث لا تمر مرور الكرام، بل ضرورة التوقف أمامها لأخذ الدروس والعبر منها، فضلاً عن تقويم مسارها لتلافي الأخطاء، وإزالة ما علق بها من مظاهر سلبية بهدف تطوير بنيتها وتجديد مضمون رسالتها وبما يتواكب مع المتغيرات والمستجدات..
وفي هذا الشهر، وتحديداً في الرابع والعشرين من أغسطس يحتفل اليمنيون ـ لا أقول أعضاء المؤتمر الشعبي العام فقط ـ بانطلاقة تأسيسه الخامسة والعشرين كتنظيم سياسي احتضن مختلف التوجهات الحزبية من أقصى اليسار واليمين والوسط في إطاره العلني بعد أن كانت هذه الأحزاب تعمل تحت الطاولة ـ كما يقال ـ ليس ذلك فحسب، بل لأن المؤتمر الشعبي العام أقر في هذا التاريخ وثيقة الميثاق الوطني الدليل النظري الذي طبع ـ ولايزال ـ توجهات المؤتمر وعبّر عن رؤاه ومنطلقاته الفكرية والعقيدية والسياسية، حيث جاء إقراره بعد الاستفتاء عليه، وهي التجربة الأولى في ذلك الحين.
ولا شك أن انطلاقة التأسيس في 24 أغسطس 1982م كانت لها ظروفها وأسبابها وعواملها الداخلية والخارجية التي فرضت ذلك الشكل من العلنية للأحزاب على الساحة بعد حوار وطني استمر ثلاث سنوات تقريباً قبل إعلان التنظيم؛ رعاه فخامة الأخ الرئيس/علي عبدالله صالح مع كافة القوى السياسية والحزبية التي كانت تنشط في الساحة اليمنية «ولكن تحت الطاولة» وذلك منذ إطلاق القاضي/عبدالرحمن الإرياني لمقولته المشهورة: «الحزبية تبدأ بالتأثر، وتنتهي بالعمالة» وهو الخط الذي التزم به الرئيس/ابراهيم الحمدي، وإن كان لأسباب أخرى ارتبطت بالفكر الناصري أثناء حكمه وهيمنة هذه القوة على القرار، واستبعاد مبدأ الشراكة مع أية قوى أخرى على الساحة في تلك الفترة.
عندما جاء الرئيس/علي عبدالله صالح إلى سدّة المسؤولية كشفت شخصيته عن نظرة مغايرة لما كان سائداً، حيث كان سبّاقاً إلى الدعوة إلى الحوار مع أكثر من فصيل سياسي، وكان منفتحاً على الآخر على الرغم من إدراكه حجم الصعوبات، وأبرزها الثقل التقليدي لمكونات السلطة وقتذاك، وظل ممسكاً بخياره الديمقراطي حتى نجح ـ بعد حوار طويل ـ إلى اتفاق كافة القوى السياسية والحزبية على الساحة على صيغة «الميثاق الوطني» وإطاره السياسي المتمثل بالمؤتمر الشعبي العام الذي قاد بعد ذلك حوارات الوحدة مع التنظيم السياسي في جنوب الوطن.
لقد مرّ المؤتمر بمنعطفات وتحولات كثيرة ومتعددة، وأبرزها تلك التي تزامنت مع إعادة تحقيق وحدة الوطن اليمني في الثاني والعشرين من مايو1990م، حيث ارتبطت الوحدة بالتعددية الحزبية والسياسية، وهو أمر أتاح للراغبين من القوى الحزبية المنضوية في المؤتمر الخروج وإعلان أحزابها وتنظيماتها المستقلة، وهو ما يعني أن هذا المنعطف أو التحول قد وضع المؤتمر أمام مرحلة مختلفة تمثلت في إعادة البناء على أسس ومعايير تنظيمية جديدة تستوعب مرحلة التعددية الحزبية على الساحة.
وأستطيع القول بعجالة إن المشاركة السياسية للمؤتمر سواء في الحكومة الانتقالية أو حكومات الائتلاف المتعاقبة منذ ما بعد الوحدة قد اتسمت ـ هي الأخرى ـ بإجراء مراجعة داخلية لأداء التنظيم واستيعابه لمتغيرات هذه الشراكة التي فرضتها عوامل استيعاب الآخرين بعد قيام الوحدة وإعلان التعددية وإجراء الاستحقاقات الانتخابية في الدورتين 93ـ1997م.
هذه المراجعة المستمرة والعميقة لأداء عمل المؤتمر خلال تلك الفترة قد جعلت منه التنظيم الأكثر جماهيرية وثقة بين الأحزاب جميعها على الساحة، حيث انكفأ الحزب الاشتراكي إلى الداخل، خاصة بعد مؤامرة الانفصال والحرب إثر فشله في تحقيق أغلبية برلمانية تساعده على المشاركة الرئيسة في الحكم، ثم تجلى ذلك الانكفأ في مقاطعته انتخابات 1997م.
أما «الإصلاح» الذي عمل جاهداً على وراثة مكان «الاشتراك» فقد قادته خطواته المتسرعة ومحاولاته للانقضاض على السلطة دون الوسائل الديمقراطية، فضلاً عن فشله في إدارة الوزارات التي شغلها قد جعلته غير كُفء لتحمل المسؤولية، وهو ما أثبتته الانتخابات المنفردة أو المشتركة مع أحزاب ما يسمى بـ«المشترك» وتحديداً في الانتخابات النيابية 2003م أو في الانتخابات الرئاسية والمحلية في عام 2006م.
أشير إلى تلك المحطات لأهمية وقدرة تنظيم المؤتمر على التكيف مع مختلف الظروف التي مرّ بها ليثبت أنه حزب الأغلبية في اليمن.
وعلى الرغم من التحولات والتغييرات التي أجرتها مؤتمراته المركزية، وتحديداً المؤتمر الخامس العام الماضي في عدن من تغييرات في تكونياته ورؤاه وآليات عمله؛ إلا أنه ظل مسكوناً برعاية بعض القوى التقليدية التي عملت ـ دون شك ـ على كبح محاولات التغيير.
ويعتبر الرئيس/علي عبدالله صالح أكثر تأييداً للأخذ بمبدأ التغيير، وإحداث تحولات جوهرية في أداء وخطاب وآليات عمل المؤتمر، ولذلك ـ ربما ـ كان اختياره الأخ/عبدالقادر باجمال أميناً عاماً وإحداث تغييرات جوهرية في قيادات المؤتمر العليا، وهي القيادات التي ظلت ردحاً من الزمن تتحكم في توجيه أداء المؤتمر دون قدرة على إحداث التغيير المطلوب.
ولا شك أن أمام اللجنة الدائمة الرئيسة المقرر انعقادها السبت القادم متزامنة مع ذكرى تأسيس المؤتمر، جملة من الاستحقاقات الوطنية؛ ومنها تلك المتعلقة بحزمة الإصلاحات وتحديات التنمية ومشكلات الفقر والبطالة والطاقة، فضلاً عن توسيع المشاركة السياسية والحكم الرشيد واجتثاث مظاهر الفساد وغيرها من الاستحقاقات التي يرى فيها الرئيس/علي عبدالله صالح أكبر التحديات في أداء مهامه الرئاسية للفترة القادمة.
وأتوقع أن تكون الدورة القادمة للجنة الدائمة عند مستوى تلك التحديات من حيث اتخاذ قرارات تواكب خصوصية هذه المرحلة وترتقي بالأداء التنظيمي والحكومي إلى سقف أطروحات القوى السياسية حتى تثبت أن المؤتمر فعلاً عند مستوى تلك التحديات، وسيكون حاضراً بقوة في الانتخابات النيابية المرتقبة.