حوار للاتفاق لا للمناكفة وحده الحوار هو الذي يرغمك على تقبل من تختلف معه، ووحده الحوار هو الذي يكشف لك الجوانب الخفية لمن تتعامل معه، ووحده الحوار هو الذي يصنع أهدافا مشتركة يدعمها الجميع، ووحده الحوار هو الذي يوصلك للحقيقة، لذلك لا نستطيع أن نخرج من الأزمات المتلاحقة إلا بالحوار. الحوار هو الأسلوب الوحيد الذي يمكن أن يصنع مجتمعا إنسانيا مستقرا، لقد سئمنا فكرة الظالم والمظلوم والقاهر والمقهور والمستبد والمستسلم، نتوق إلى أن نعيش معا بقناعة تامة بأهدافنا وأعمالنا وأنظمتنا، نريد أن نتفق على أهداف مشتركة تشبع احتياجات الجميع، وتسعد الجميع، حتى ولو لم تكن عند مستوى الطموح، فالاتفاق حول الأهداف هو الخطوة الأولى للعمل من أجل تطويرها. وصناعة الأهداف المشتركة لا تتم في غرف مغلقة، أو من طرف واحد، يجب أن يشارك الجميع في صناعة الأهداف ليشارك الجميع في تحقيقها فيما بعد، ولن يصنع الأهداف المشتركة إلا الجلوس معا على طاولة الحوار، لذلك فالتهرب من الحوار معناه الرضا بالإقصاء والتهميش، وتحكم الآخر. إذا لم يتحمس الجميع ويشارك الجميع في الحوار فسنظل نشكو ونتبرم، ونشعر بالظلم حتى وإن لم نكن مظلومين، وربما أقسى أنواع الظلم أن يشعر الإنسان أنه ينفذ أهدافا لم يشترك في صياغتها، ولا يستطيع تعديلها لتشبع احتياجاته. الحوار هو الحل؛ ولا بد لمن يشترك في الحوار أن يكون مقتنعا بأن هدف الحوار هو إنقاذ المواطن والوطن وليس جلب مزيد من الأزمات، وأن يقتنع بحق الآخر في التوصل إلى نتائج عادلة، وأن يكون لديه استعداد نفسي للتنازل عن المصالح الخاصة من أجل المصالح العامة. الحوار علم وفن؛ فلا ينبغي أن يشترك في الحوار إلا من تتوفر فيه شروط الحوار الأساسية، بحيث يكون عالما بموضوع الحوار في كل جوانبه وتفاصيله، وعالما بمستوى من يحاوره، وبطبيعته، وقدراته، وأهدافه، ومستواه، ومؤمنا بأهمية التوصل إلى هدف مشترك من خلال الحوار، وحريصا على منطقية الحوار وعلميته وواقعيته، وبعيدا عن الجدل العقيم، ومقتنعا بحق الآخر في طرح أفكاره مهما كانت مخالفة، ومتقبلا للفكرة الصحيحة كيفما كان صاحبها. في إجابة أحد الصحفيين الغربيين على سؤال حول ثقافة الحوار في الوطن العربي قال: " إنكم في الشرق تعتقدون جميعا أنكم وحدكم على حق، والآخر على خطأ، ولذلك ترفضون الإصغاء إليه وقبول رأيه، بينما نحن في أوربا نشعر أننا على حق والآخر يعتقد مثلنا أنه على حق، فإذا أقصيناه نحن، سيفعل هو الشيء ذاته، لذلك نحن نقبل بعضنا ونتعايش معا، ويعتبر كل واحد منا الآخر أمرا واقعا، عليه التعايش معه، وقبوله، والتحاور معه، والتعاطي مع أطروحاته بإيجابية، وعندما نمارس النقد نمارسه بموضوعية ودون المساس بالجوانب الشخصية ودون كيل للاتهامات" هذا هو واقع الحوار عند غير العرب، و هذه هي صورة ثقافة حوارنا لدى الغربيين، وفيها تلميح بمنهجيتنا الذاتية المزاجية في نقد الواقع، وهي صورة تشكلت لدى الغرب من واقعنا، ومما يشاهدونه لدينا من ضعف في مهارات التواصل والتحاور فيما بيننا، ولذلك تتسع خلافاتنا ، وتكبر أزماتنا، ونبتعد عن بعضنا أكثر، فيستغل أعداؤنا واقعنا، ويفكرون بالنيابة عنا، ويرغمونا على تنفيذ إملاءاتهم، و سنظل ننفذ إملاءات الآخرين إذا لم نتحاور، فلماذا لا نغير هذه الصورة في(يمننا) مادامت الفرصة متاحة للحوار؟! لماذا نتقاعس عن الحوار مع أنه منهج ديننا الإسلامي لإثبات الحق حتى مع الكفار والطغاة؟! إن قرآننا غني بالقرائن التي تعلمنا الحوار، وتلزمنا به لإثبات الحق فحتى مع ألد أعدائنا نحن ملزمون بالحوار، وفي قصة سيدنا موسى مع فرعون دليل واضح على ذلك، أليس من الواجب الديني أن نكون مع الحوار ما دمنا مسلمين؟!! هذا ما نتوقعه من أهل الحكمة والإيمان. [email protected] كلية التربية - جامعة صنعاء |