المؤتمرنت-خاص- نزار العبادي - أمسيات رمضانية في رحاب السعيدة ونحن نتصفح أوراق تراثنا الشعبي فإن الكثير من المحطات ستستوقفنا، وربما سيطول تأملنا في البعض منها، إذْ تحتوينا دهشة الإعجاب بكل ذلك التألق الفني الذي حمله الإنسان اليمني عبر السنين، فطاول به الإبداع نفسه، وأضفى على صنعة الخلق الجديد لوناً فريداً من التفاعل الوجداني مع الحياة، كما لو كانت العفوية والفطرة هي سر اليمنيين لدخول عالم التألق الإبداعي.
لقد استوقفتنا الكثير- جداً - من النصوص الرائعة، إلاّ إننا سنحاول المرور على بعضها تباعاً خلال حلقات الشهر الكريم، وسألتقط لكم في هذه الأمسية مختارات متنوعة من فنون تراثنا الشعبي.
*من روائع الفن الزواملي:
اليوم سنقف أمام (زامل) ينفرد بعرض صورة شعرية في غاية الإتقان الأدبي، ويروي قصة شاب من أرياف اليمن قرر بعد مدة من زواجه أن يترك منزل والديه، ويستقل بنفسه وزوجه في بيت آخر. ولمّا كان مثل هذا العمل يُعاب عليه، ويُعد خرقاً لتقاليد القبيلة التي ترى في اجتماع شمل الأسرة قوة وبركة، لذا صار الأب يحذر ابنه بزامل يقول فيه:
(يا طيرْ مهما طرتْ لاَْ جْو السماء *** لا بُدْ ما تنزلْ رضا وَلاّصميلْ
مِنْ ِوينْ باتشربْ إذا جاكْ الظما *** وِنْ ُقلتْ ريشكْ يَخزنِ الماءْ مستحيلْ)
وبنفس الفطرة التي نظم بها الأب زامله، أجاب الابن عليه بزامل آخر يقول فيه:
(الطيرْ لا قدْ طار عجَّزْ من رمى *** ِونْ مدَّ ريشُّهْ يقَطعِ الخطَّ الطويلْ
ِشيْ بعلمكْ طَيرْ قدْ صابُهْ عمى *** وَلاَّ بنى عشُّهْ على عابرْ سبيلْ؟)
إن قمة الإبداع تكمن في الكيفية التي استعار فيها الأب صورة الطير ليحاجج ابنه بنقاط ضعف الطير ثم كيفية ورود رد الابن على الفور بنفس الصورة الشعرية، ولكن بنقاط قوة الطير.
ومن الجدير بالذكر أن (الطير) تشبيه للابن، كونه يرمز إلى الحيوية والحركة والنشاط.
*مثل شعبي:
(إذا هاج الجمل دخلت زُوره)، (مثل جمل سابعة)
كثيرة هي القصص التي تروى عن الجمال في اليمن، وإحداها ما يحمله هذا المثل الشعبي من معنى. فكلمة (زور) تطلق على أسفل عنق الجمل، ويقال أن هذه المنطقة يستخدمها الجمل لقتل أعدائه؛ حيث أنه يطيح بخصمه أرضاً ثم يجثو على الأرض، ويأخذ بالضغط والفرك بقوة على خصمه بهذا الجزء من عنقه- والذي تتدلى منه وصلة لحمية سميكة- حتى يطمأن بأنه قضى عليه تماماً. ويروي بعض رجال البادية بأن الجمل إذا هاج أمامهم وليس من مناص للهرب يعملون على مخادعته بالمرور بسرعة كبيرة تحت رأسه إلى الجهة الأخرى، فيظن الجمل أنه أطاح بخصمه تحته، فيبرك ويأخذ بفرك أذن رقبته (زوره) بالأرض حتى يتوقف بعد حين، هادئ الأعصاب كما لو أنه قضى على منْ آثار غضبه، ويراد بهذا المثل الحث على الإقدام وخوض غمار الصعاب عندما يشتد أوارها كسبيل وحيد للنجاة، وهو أقرب ما يكون لمعنى المثل الشعبي القائل: (قاربْ من الخوف تأمنْ).
وهناك مثلُُ آخر يتحدث عن هيجان الجمال وهو: (مِثْلٌ جمَل سابعة)؛ حيث يروي أهل البادية بأن الجمال في أحد المواسم تصاب بالهيجان، وهذا الموسم هو (سابعة) حسب التسميات القديمة- ويوافق الربيع من زماننا الحاضر، ويعتقد البعض أن سبب ثورة الجمال في هذا الوقت بالذات يعود إلى نمو بعض النباتات البرية التي تثير حساسية الجمال إذا ما تناول منها، وتسبب له ضيقاً شديداً يتصرف على أثره على نحو عصبي جداً . ويُضرب المثل على الإنسان العصبي ، الذي يثور لأدنى سبب .
ومما يُروى بشأن الجمال عند أهل البادية في اليمن هو أن لها طبيعة تختلف عن باقي الحيوانات تماماً. فيقال أن الجمل لا ينسى خصمه، أو من يتسبب له بأذى، وهو قادر على حفظ صورته وتذكرها أيضاً ولو بعد حين، فضلاً عن الانتقام منه على حين غرة. علاوة على ذلك فالجمال تحفظ صور أصحابها أيضاً وتركض مُرحبة بمَلقاهم من بعد مسافة.
كما يروي المهتمون -بهذا الشأن- بأن الناقة (أنثى الجمل) ترفض الولادة بحضور الغريب من الناس، ولا يمكن أن تقبل المساعدة من غير مربيها أو ممن ألفت وجوههم حتى لو اضطرها الأمر لتكابد الآلام لساعات طويلة. لكنها بمجرد أن تطمأن لخلو المكان تُنزل جنينها من رحمها، والحال نفسه مع مسألة (الجماع) فإن الإبل لا تتزاوج بحضور المتلصصين عليها، وقد تؤذيهم إذا ما اكتشفت وجودهم. لذلك اعتاد رعاة الإبل أن يطلقوا الجمال والنياق في البراري الجرداء ومن بعد مسافة طويلة (في موسم التزاوج) لتطمئن نفوسها وتقدم على التزاوج دون قلق أو خوف. فسبحان ربنا القائل: (ألم تر إلى الإبل كيف خُلقت).
*حلول الألغاز في الحلقة رقم (3) ليوم الثلاثاء.
1. حل اللغز الأول هو (الغيوم).
2. حل اللغز الثاني هو (الساعة ويوم القيامة)
3. حل اللغز الثالث هو (الكفَّيْن) وهو مرتبط ببعض ما هو شائع من اعتقادات بأن الخطوط المرسومة وسط راحة الكف الأيمن تمثل رقم (18) وفي الأيسر رقم (81) ومجموعهما (99) بعدد أسماء الله الحسنى ، كذلك يذهب البعض إلى الإعتقاد بأن ناتج طرح الرقم (18) من الرقم (81) سيكون (63) وهو عمر خاتم النبيين سيدنا محمد " صلى الله عليه وآله وسلم " . ومن الجدير بالذكر بأن هذا اللغز كان من تأليف الشاعر المعروف (الخالدي) ووجهه لنده (الصمبحي) الذي أجاب عليه بأبيات شعرية يقول فيها:
(هي اليدين والأطراف الأربع *** الأصابع ذي بها فضل المناعة
والإبهام الذي يختم ووقع *** عدد تسعة وتسعين اجتماعه).
|