نـص كلمة رئيس الجمهورية في افتتاح مؤتمر الحوار
الإثنين, 18-مارس-2013المؤتمرنت - وصف الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية - رئيس مؤتمر الحوار الوطني افتتاح اعمال مؤتمر الحوار الوطني اليوم بدار الرئاسة بصنعاء هذا اليوم بالاستثنائي والكبير والخالد الذي يلتحم فيه اليمانيون جميعاً في قاعة واحدة ليبدأوا كتابة صفحة بيضاء جديدة في تاريخهم المعاصر ويطوون فيه صفحات كالحة السواد كادت أن تجعلهم اشتاتاً متفرقين لولا رحمة الله التي تداركتهم بعنايته وفضله وأحيت فيهم روح الحكمة والإيمان وأحاطتهم برعاية الشقيق القريب والصديق البعيد "..
المؤتمرنت ينشر نص كلمة رئيس الجمهورية
الحمد الله القائل (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ))
والقائل (( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا )) صدق الله العظيم
والصلاة والسلام على أشرف النبيين وخاتم المرسلين سيدنا محمد القائل الإيمان يمان والحكمة يمانية وعلى آله وصحبه أجمعين
والرحمة الغامرة لشهداء اليمن الذين قدموا أنفسهم فداء لشعبهم ووطنهم عبر مراحل مسيرة طويلة ظلوا يبحثون خلالها عن دولة الحرية والكرامة والعدالة والمساواة والوحدة والأمن والاستقرار والرخاء والتنمية والانتصار للمشروع الكبير المتمثل باليمن الواحد الذي يحكمه كل أبناءه بعيدا عن هيمنة الأسرة أو القبيلة أو المنطقة
الأخ السيد جمال بن عمر مستشار ومساعد الأمين العام للأمم المتحدة
الأخ الدكتور عبداللطيف الزياني أمين عام مجلس التعاون لدول الخليج العربية
أصحاب السعادة السفراء الأشقاء والأصدقاء
الأخوة الحاضرون أعضاء مؤتمر الحوار الوطني الشامل
الحاضرون جميعا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أرحب بكم جميعا في هذا اليوم الاستثنائي هذا اليوم الكبير والخالد الذي يلتحم فيه اليمانيون جميعا في قاعة واحدة ليبدأو في كتابة صفحة بيضاء جديدة في تاريخهم المعاصر ويطوون فيه صفحات كالحة السواد كادت أن تجعلهم أشتاتا متفرقين لولا رحمة الله التي تداركتهم بعنايتها وفضلها وأحيت فيهم روح الحكمة والإيمان وأحاطتهم برعاية الشقيق القريب والصديق البعيد ، وتشاء الأقدار أن ينعقد هذا المؤتمر الكبير في الثامن عشر من مارس الذي كان قبل عامين يوما فارقا في ملحمة التغيير اليمانية باستشهاد ذلك العدد الكبير من شباب اليمن الطاهر ذلك الحدث الذي زلزل ضمير اليمنيين جميعا والعالم كله ، فكانت البذرة الأولى للحل السياسي الذي تعارفنا عليه لاحقا بالمبادرة الخليجية ناتجا لذلك اليوم الدامي وأول خطوة جادة وحاسمة في دوران عجلة التغيير إلى الأمام التي وصلت بنا إلى يومنا هذا الذي سيكون هو الآخر لحظة مفصلية خالدة، لن يكون اليمن بعدها كما كان قبلها بكل تأكيد ، فإما أن يمضي اليمانيون نحو فجر جديد ومستقبل مشرق ، أو العودة لا سمح الله إلى نفق مظلم لاسمح الله لاتقوم بعدها لهم قائمة ولا يجدون منه مخرجا ولا مفرا.
إننا اليوم أمام لحظة فارقة تتطلب منا جميعا إرادة قوية في تغيير طريق تفكيرنا العقيمة وآليات أداءنا السقيمة التي ماجلبت لليمن إلا الشر والفساد والاستبداد والبؤس وتسيدت المشاريع الصغيرة إذ يجب علينا أن ندرك أن تغيير أساليب الإدارة وعادات السلطة التي سرنا عليها طوال العقود الماضية أثبتت فشلها بشكل قطعي وهو قرار صعب لا مفر منه حتى لاننصدم بسنة الحياة في التغيير والتطور، وإلا فاتنا الزمان ووجدنا أنفسنا في ذيل القافلة كما هو حالنا الآن.
ومن ظن أن الحياة لاتمضي إلا بتلك الأساليب المتخلفة والعادات البائسة فليعلم أنه أسيرا للماضي وأسيرا للأنانية وعبادة الذات التي تجعل من مصلحة فردا كان أم جماعة فوق مصلحة الشعب والوطن ، أما إذا استحضرنا تجارب الشعوب المعاصرة التي نهضت من كبوتها وحققت نقلات هائلة في حياة فترات زمنية محدودة فإننا سنعلم يقينا أننا في اليمن قادرون على السير بنفس الطريق إذا تجاوزنا كل عوامل التخلف وستجدون أيها الأخوة القادة المجتمعون في هذه القاعة أنَّ شعبنا قادر على عمل المعجزات إذا تغلبتم على النوازع الصغيرة والمصالح الضيقة وقررتم تخليد أسماءكم ليس فقط في ذاكرة أجيالنا القادمة بل في ذاكرة العالم كله أيضا ، باقتناعكم الكامل بأن هذا المؤتمر الوطني الكبير ليس أمامه سوى خيار واحد هو خيار النجاح والنجاح فقط، وبذلك ستتجاوزن تعقيدات الماضي وعاداته الأسيرة وأساليبه الجامدة وستضعون اللبنات الأساسية لبناء يمن جديد موحد وآمن ومستقر، وهذا يتطلب منكم منذ هذه اللحظة التي انطلقت فيها أعمال هذا المؤتمر الإتفاق على نقطة البداية الصحيحة بكل تجرد وصدق وإخلاص والتي ستطل بنا بشكل تلقائي ومنطقي وواقعي إلى النقطة التالية فالتي تليها وهكذا حتى تتكلل أعمالنا بالنجاح الكبير ، فلا نخيب ظن شعبنا بنا ولا آمال العالم فينا.
الأخوة والأخوات أعضاء مؤتمر الحوار الوطني الشامل..
تدركون أن فرقاء كثيرون كانوا إلى عام واحد فقط مضى يقفون خلف متاريسهم ويترصدون لبعضهم البعض، هم اليوم يجتمعون في هذه القاعة تحت سقف واحد هو مصلحة اليمن والشعب اليمني ، وهي نعمة منَّ الله بها علينا من خلال المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية التي رسمت لنا خارطة طريق واضحة للخروج ببلادنا من أزمتها المستفحلة إلى رحاب التصالح والتوافق والتسامح والمحبة وتغليب المصلحة العامة على المصالح الأنانية والخاصة، لذلك فإنني باسم الشعب اليمني أطلب منكم في هذه اللحظة التاريخية الفاصلة أن تغادروا الماضي بكل تفاصيله وأن تخرجوا من خنادق العصبيات الصغيرة وأن تتخلصوا من موروثات الصراع وترموا أثقالها وراء ظهوركم ، فلا تستحضروا من كل ذلك إلا العبر والعظات والدروس التي يمكن أن تساعدكم إلى الانتقال إلى آفاق مستقبل أفضل الذي ينشده منكم الشعب اليمني، إن عليكم فتح صفحة بيضاء جديدة بقلوب صادقة وعقول متًقدة ونفوس مخلصة وأن تتركوا مكائد السياسة ووسائلها السلبية خارج قاعات الحوار وتتمسكوا بقيم وأخلاقيات ونبل شباب اليمن الأطهار الذين انطلقوا في مختلف الساحات والميادين للبلاد ليعبروا عن رغبتهم الصادقة النقية في بناء دولة مدنية حديثة ايضا طموحنا وهدفنا الذي فشلنا في انجازه طوال العقود الماضية دولة مدنية حديثة تقوم على أسس الحكم الرشيد ومبادئ الشورى وآليات الديمقراطية المعاصرة والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون، دولة مدنية حديثة تحكمها الأنظمة والقوانين المستمدة من شريعتنا الإسلامية الغراء التي تتصف بالمرونة والعدالة وترفض الغلو والتطرف وتواكب احتياجات العصر وتلتزم بحقوق الإنسان وتكفل الاجتهاد وتحترم العقل وتشجع التفكير وترتكز على مكارم الأخلاق وتكرس قيم العدل والحرية والمساواة والكرامة الإنسانية.
الأخوة والأخوات اعضاء المؤتمر الوطني الشامل..
لقد تم اختياركم بعناية من كل أطياف ومكونات المجتمع اليمني لا لتكونون فرقاء متخاصمين بل لتكونوا فريقا واحدا يعمل بكل صدق وإخلاص لإخراج اليمن من أزماته الأمنية والسياسية الاقتصادية ، ولتجعلوا التنوع الخلاق في آرائكم سبيلا لتغلبون الرأي الأكثر صحة والأقرب تعبيرا لمصلحة الوطن، لتتمكنوا من وضعه على عتبة القرن الواحد والعشرين وتجنبوه الانجرار إلى أي نوع من انواع الصراعات الداخلية التي لن تؤدي إلا إلى هدم هيكل الدول الذي حافظنا عليه ويجب أن نستمر في ذلك رغم هشاشته طوال الفترة العصيبة الماضية ليكون منطلقنا لبناء جوهر وأسس النظام الجديد ويجب ان نستحضر دوما ان اليمنيين نجحوا رغم التنوع السياسي القائم في تشكيل حكومة متوازنة تعمل على انجاز مهامها بقدر من الانسجام والتوافق مما جعل المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي يتأملان هذه التجربة الفريدة بالكثير من الجدية والعمق ويعتبر أنها نموذج في التغيير ويمكن الإقتداء به كأسلوب سلمي حضاري يجعل من عملية التغيير وسيلة لتقارب الرؤى وتوحدها عبر استيعاب مختلف الأطراف المتنازعة وتمكينها من الشراكة في بناء الدولة المدنية الحديثة لذلك فإن علينا أن نعتز ونفتخر بتجربتنا التي ستترسخ من خلال حرصنا جميعا على انجاح أعمال مؤتمرنا هذا، الأمر الذي يجعلنا ندرك أن كل القضايا المطروحة للنقاش في المؤتمر تتطلب من جميع الأطراف تقديم تنازلات قد تبدوا مؤلمة بمعايير اليوم لكن الأجيال ستعتبرها معايير الغد انجازا تاريخيا في السجل السياسي لهذه الأطراف وستحكم تلك الأجيال كل من في هذه القاعة إما بقدر ما يستحقونه من الإنجاز فيصبحون في سجل الخالدين أو ما قد يتسببون فيه لا سمح الله من الإخفاق في خيبة أمل للشعب فيهم ، لذلك فإن عليكم الاستفادة من المساندة الغير مسبوقة التي تحظى بها بلادنا سياسيا واقتصاديا من المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي عبر هذا الإجماع النادر لإنجاح هذا المؤتمر الوطني الكبير فالإرادتين الإقليمية والدولية قد توفرتا لإنجاحه وتبقى الإرادة الوطنية بأيديكم أنتم لكي تعبروا عنها من خلال حرصكم على تغليب المصلحة الوطنية العليا على المصالح الضيقة بمختلف أشكالها وتنتصرون للمشروع الوطني الكبير على حساب المشاريع الانتهازية الصغيرة فتصلون بسفينة الوطن إلى بر الأمان بسلام وحكمة وبصيرة.
الأخوة والأخوات جميعا..
مايزيد عن ثلثي أعضاء المؤتمر هم من حملة الشهادات العليا بكلاريوس ماجستير دكتوراه وهذا يبعث على الإعتزاز والطمأنينة في ذلك الوقت لأن هذا المؤتمر الوطني الكبير أحوج مايكون لأصحاب التخصصات المختلفة فأنتم لن تناقشوا قضايا سياسية فقط بل ستناقشون الكثير من القضايا الجوهرية والملحة التي تشكل حاجة ضرورية لأبناء شعبنا، إلا أن قضيتكم المحورية والجهورية التي ستكون المفتاح الأساسي لمعالجة سائر القضايا هي لقضية الجنوبية التي يجب أن تقفوا امامها بمسؤولية وإحساس وطني عميق بعيدا عن العواطف والحلول المطبوخة والجاهزة والتصورات غير المدروسة والضغوط السياسية وكل أنواع الإبتزاز وردود الفعل كما ان أي تفكير لفرض أي تصور لمعالجة هذه القضية الوطنية بالقوة المسلحة لن يقود إلا إلى فشل ذريع وأخطاء كارثية ودمار كبير فهذا هو الدرس الذي تعلمناه من الحروب السابقة التي لازالت ماثلة أمامنا لانريد تكرارها إلى أي اتجاه ، فنحن في النهاية شعب واحد يجمعنا من القواسم المشتركة أكثر مما يفرقنا ناهيكم عن قضايانا ومعاناتنا هي ذاتها في شمال الوطن أو جنوبه في شرقه أو غربه فنحن في الشعب لم نلج بعد إلى حياة الرفاه والرخاء والديمقراطية والحرية والعدل والإستقرار والتنمية الحقة، ولا يزال ثالوث الشر الجهل والمرض والفقر يفتك بنا ويفترس مواطنينا بعد خمسين عاما من الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر التي جاءت لتقضي عليه دون جدوى.
الأخوة والأخوات أعضاء مؤتمر الحوار الوطني الشامل
إن التوافق على رؤية عقلانية ووطنية حول القضية الجنوبية تحديدا سيقودنا حتما لسياقة عقد اجتماعا جديد من خلال دستور يكفل معالجة الإختلالات التي أدت إلى كل المحن التي عشناها والحروب التي خضناها والبؤس الذي فرض علينا وسيادة مفاهيم القوة ومعاني الفوضى وقيم التخلف وأمراض العصبيات الأسرية والقروية والقبلية والمذهبية والمناطقية التي عانينا منها.
نريد منكم دستورا يخرجنا من كل ذلك ويكفل لأبنائنا واخواننا أسس حياة كريمة سوية ترتقي بنا إلى مستويات المعيشة الإنسانية الراقية التي أرادها الله سبحانه وتعالى لعباده ، وأنا على ثقة بالله ثم بكم كبيرة وتفاءلي بجديتكم ومصداقيتكم لا حدود له رغم كل المصاعب التي لازلنا نعاني منها ورغم كل العراقيل التي لازالت تواجهنا وذلك إن إرادة البشر إذا مضت في الطريق السوي طريق بناء الإنسان وإعمار الوطن بأنها من إرادة الله الذي لايرضيه شيئا مثلما يرضيه أن يرى العدل والسعادة والرخاء والمساواة والحرية تسود بين عباده ، وإنني على يقين أنكم ستبذلون كل جهودكم لإخراج اليمن من محنته ومعاناته وستنجزون الكثير في هذا المؤتمر الذي يرقبه كل مواطن يمني باهتمام ويتطلع عليه بآمال لا يأس فيه ويثق بكم كنخبة راشدة واعية تشكل الطليعة التي ستمضي به إلى مستقبل أفضل وحياة كبيرة واستقرار منشود فلا تخيبوا ظن شعبكم بكم ولا حسن ظن العالم كله بحكمتكم.
وفي ختام كلمتي لابد أن أتوجه بالشكر والعرفان لأشقائنا في دول مجلس التعاون الخليجي وفي المقدمة الممكلة العربية السعودية وعلى راسها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله ابن عبدالعزيز آل سعود ولأصدقائنا في المجتمع الدولي وفي مقدمتهم الدول الخمسة الأعضاء في مجلس الأمن الدولي على رعايتهم الكبيرة ومتابعتهم الحثيثة ووقفتهم الجادة إلى جانب بلادنا في محنتها التي مرت بها.
إن شراكة أشقائنا وأصدقائنا معنا في اليمن نموذج يحتذى به وهي شراكة أوصلتنا إلى هذه اللحظة التاريخية.
نأمل أن تستمر حتى يقف اليمن مجددا على قدميه.
وفقكم الله لما فيه خير الشعب اليمني وخير الوطن وندعوه تعالى أن يسدد خطانا جميعا وأن يكتب لمؤتمرنا هذا النجاح والسداد والتوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وكالة خبر