لا مستقبلَ لنا إلا بالوحدة
الثلاثاء, 20-مايو-2025غازي أحمد علي محسن* - * نعلم جميعاً أن الوحدة اليمنية لم تتحقق في يومٍ وليلة، بل سبقتها حوارات ولقاءات بين قيادتي الشطرين، استمرت عدة سنوات، قادت إلى تحقيقها وتحويلها من حُلم كان يراود القيادة السياسية وأبناء الشعب في كلا الشطرين، إلى واقع يعيشه اليمنيون ويفتخرون بتحقيقه وإنجازه..
الوحدة اليمنية مثَّلت إنجازاً حقيقياً في التاريخ اليمني المعاصر، وهو الإنجاز الأعظم بعد الانتصار التاريخي الذي حققته الثورة اليمنية "26 سبتمبر و 14 أكتوبر" ورحيل آخر جندي استعماري من عدن الحبيبة في الـ 30 من نوفمبر 1967م..
* منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي بدأ النقاش الوحدوي يأخذ طابعاً جِدّياً؛ ورغم أنه لم يَخْلُ من التحديات إلا أن هذا النقاش لم يهدأ، بل تَواصَل، رغم ما شهده الشطران من أحداث مؤسفة، أدت إلى خلق صراع بين القيادتين السياسيتين، والذي ارتدى العديد من الألبسة والأقنعة، بعضها كان معروفاً، ومنها ما كان خفياً.. ومع كل ما حدث لم ينتهِ أو يتوقف النقاش الجاد والمسئول للمِضِيّ صوب تحقيق هذا الهدف الثوري السبتمبري الأكتوبري، وبدأت ملامح الصورة الوحدوية تتضح وتتجلى مع مرور السنوات وفي ظل إصرار غير عادي على توحيد الجغرافيا واستعادة التاريخ اليمني المسروق..
مضت الأيام والأشهر والسنوات في اتجاه العنوان الواحد والكبير لليمن، وتقاربت وجهات النظر إلى أبعد مدى حتى كان الـ30 من نوفمبر 1989م، التاريخ الذي مثَّل فاتحة الكتاب اليماني، مُؤذِناً بإزالة الثنائية الشطرية، ومُعلِناً عن استعادة اليمن واليمنيين جغرافيتهم وتاريخهم اليماني الواحد في الـ22 من مايو 1990م، وكل ذلك تم على رؤى واضحة تتجه للمستقبل وبنائه دون العودة مطلَقاً إلى الوراء مهما كانت التحديات..
* اليوم وبعد مِضِي 35 عاماً على تحقيق هذا الحلم اليماني العظيم تبرز الكثير من التحديات التي تهدد الوحدة اليمنية وواحدية الشعب، ورغم أن هذه التحديات المتدثّرة بالمؤامرات الخارجية رافقت مسيرة الوحدة منذ إعادة تحقيقها، إلا أنها اشتدت في السنوات الـ 14 الماضية، لا سيما مع بدء العدوان على بلادنا في مارس 2015م، الذي تكشَّفت فيه طبيعة المؤامرة وأصبحت واضحة ومُعلَنة من قِبَل قيادات العدوان، الذين ذهبوا يغذُّون الأحقاد والكراهية بين أبناء الشعب الواحد، وتشكيل الميليشيات المسلحة المنادية بتمزيق الوطن والعودة إلى ما قبل الـ 22 من مايو 1990م..
الوحدة اليمنية هي وحدة الأرض والإنسان التي استعادها اليمنيون بعد نضالات وتضحيات لا يمكن تجاهلها أو نسيانها والقفز عليها مطلَقاً، ولم ولن تكون وحدة تُسيّرها أمزجة هؤلاء أو أولئك، الذين وجدوا أن بقاءها فيه تهديد لمصالحهم ووجودهم ومشاريعهم البعيدة عن روح الشعب والوطن، ونراهم منذ أكثر من عشر سنوات يتجهون لإنهائها والعمل على تمزيق الوطن تنفيذاً للأجندة الخارجية التي تُسيّرهم وتُوجّههم وتقودهم إلى إدماء الشعب والوطن.. وإدماء تاريخهم الضارب جذوره في أعماق الأرض..
* إن التدخُّل الخارجي في الشئون اليمنية يُعد من أبرز التحديات التي تواجه وحدة الأرض اليمنية والإنسان اليمني، فهذا التدخُّل لم يعد مخفياً أو يُدار من وراء الستار، بل أصبح معلَناً، ولعل ما تقوم به دول العدوان وفي مقدمتهم الإمارات في مناطق واسعة بالمحافظات الجنوبية والشرقية، وما نراه في محافظة سقطرى وعدد من الجزر اليمنية في البحر الأحمر، يكفي لفهم طبيعة المخطط التدميري الذي لا يستهدف المحافظات الجنوبية والشرقية فحسب، بل يستهدف اليمن وسيادته ووحدته واستقلاله من خلال تقسيمه وتفتيته وتحويله إلى كانتونات صغيرة متناحرة..!
كما أن مساعي البعض في محافظة حضرموت لإعلان انسلاخها عن الجسد اليمني يصب في إطار المخطط التآمري الذي لم يكن ليحدث لولا التدخُّل الخارجي الذي يغذّي هذه التوجهات لتحقيق اطماع قديمة متجددة، إضافةً إلى كونه نتاجاً طبيعياً للخطاب الانفصالي الذي تقوده بعض القيادات بتحريض خارجي..
يقيناً.. لن يقف المشهد عند حضرموت فقط، بل سيمتد إلى مناطق ومحافظات أخرى، ما دام الخطاب المناطقي والجهوي يعلو ويتسيَّد، وما دام أيضاً الصراع القائم بين المكونات السياسية يتواصل دون وجود أي مؤشرات لإنهائه..
* إن مساعي التشظّي التي يتجه صوبها البعض ستنعكس عليهم وسيدفعون أثمان انخراطهم في هذه المشاريع التدميرية؛ وعليهم أن يدركوا أن الوحدة هي صمام أمان الجميع، وأن التباينات والاختلافات يمكن حَلّها بالحوار، خاصةً وأن السنوات الماضية كانت كافية ليفهم الجميع أن مصلحتهم مرتبطة ببقاء الوطن موحَّداً، وأن الخيارات الأخرى لا تحقق إلا مصالح القوى الخارجية الطامعة في اليمن وموقعه الاستراتيجي وثرواته..
وهنا ندعو القوى والأطراف التي لديها قضايا حقيقية في إطار الوحدة اليمنية، إلى أن تعود إلى جادة الصواب، وتدرك أن مصلحتها في بقاء وحدة الوطن، وأن تعي أن المظلوميات والاختلالات ليست مرتبطة بجماعة أو حزب أو منطقة أو جهة، بل تشمل الجميع؛ ومعالجتها وإيجاد الحلول لها تحتاج إلى توفُّر الإرادة النابعة من إدراك أن مصلحة الكل تتطلب وضع كل الملفات على الطاولة ومناقشتها بجدية ومسئولية بعيداً عن أي تدخُّلات أو تأثيرات خارجية؛ وفي هذا الاتجاه بكل تأكيد سيجد اليمنيون الحلول لكل القضايا مهما كانت صعوبتها، حتى وإنْ كانت مؤلمةً للبعض..
على الجميع أن يفكّر بطريقة لا تستغرق في الماضي بل تستشرف الآتي.. ولا مستقبلَ للوطن وأبنائه إلا بالوحدة.
* الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام