نص خطاب رئيس الجمهورية بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك
الأربعاء, 07-أغسطس-2013المؤتمرنت - قال الرئيس عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية :إن الأزمات المتلاحقة التي مر بها وطننا الغالي في الفترات السابقة لم تكن على خلفية أزمة معرفية خاصة في ظل تطورات أدوات المعرفة وثورة الاتصالات والمعلومات التي يشهدها العالم وإنما كانت بسبب أزمة قيمية ترسخت فيها ثقافة الكراهية وتراجعت فيها الروح الوطنية لتحل محلها المصالح الشخصية والحزبية وليكون منطق المماحكات والمزايدات هو الطاغي على منطق بناء الدولة وعلى المصالح الوطنية العليا للأسف الشديد .
جاء ذلك في خطاب وطني هام وجهه رئيس الجمهورية مساء اليوم إلى أبناء الشعب اليمن في الداخل والخارج وإلى كافة أبناء أمتنا العربية والإسلامية بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك .
المؤتمرنت ينشر نص خطاب رئيس الجمهورية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيين وهادي البشرية إلى سواء السبيل ..
الإخوة المواطنون .. الأخوات المواطنات
في ربوع الوطن الغالي وفي رحاب الأرض العامرة بإقامة الدين أحييكم بتحية الإسلام تحية الإخاء والمودة والسلام وأهنئكم جميعا بأداء فريضة الصوم وإقامة ركن هام من أركان الدين الحنيف ويسعدني أن أزف إليكم داخل الوطن وخارجه ولكافة أبناء أمتنا العربية والإسلامية أزكى التهاني وأطيب التبريكات بمناسبة عيد الفطر السعيد .. سائلا المولى أن يعيده على وطننا وأمتنا العربية والإسلامية باليمن والخير والبركات وأن يكتب لنا كبير الأجر والظفر بالرحمة والمغفرة والعتق من النار وأن يتقبل صيامنا وقيامنا خلال شهر رمضان المبارك الذي سمت فيه أرواحنا وتطهرت فيه نفوسنا من الأدران والأوزار .
وإذا كنا قد ودعنا الشهر الكريم الذي كان بمثابة مدرسة إيمانية عظيمة ومحطة سنوية تسمو فيها الروح وتكون أكثر قربا من تلك القيم والمثل الجليلة التي أوحى الله تعالى بها نبيه الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم قرآنا عربيا نزلت فيه أسس الهداية والفلاح للبشرية جمعا .. فإننا ندعو المولى عز وجل أن تظل قيم الأخوة والتكافل والمحبة والتسامح حاضرة فينا طوال العام .. فما جاء في ديننا من تعاليم عظيمة هي بمثابة ثورة أخلاقية نحن على الدوام في حاجة إلى الاقتباس من نورها والاقتراب من مُثلها ومبادئها السامية خاصة ونحن نخوض معركة التغيير التي هي في حقيقة الأمر ثورة على الأفكار والسلوكيات الخاطئة التي ترسخت بحكم العادة .. فالتغيير دائما يبدأ في الفكر ثم يتبعه التغيير في السلوك وهذا هو جوهر الثورة التي نحن في حاجة لها لنجاح جهود الإصلاح والتغيير التي تجري على قدم وساق .
فالأزمات المتلاحقة التي دخلت فيها البلاد في الفترات السابقة لم تكن على خلفية أزمة معرفية خاصة في ظل تطورات أدوات المعرفة وثورة الاتصالات والمعلومات التي يشهدها العالم وإنما كانت بسبب أزمة قيمية ترسخت فيها ثقافة الكراهية وتراجعت فيها الروح الوطنية لتحل محلها المصالح الشخصية والحزبية وليكون منطق المماحكات والمزايدات هو الطاغي على منطق بناء الدولة وعلى المصالح الوطنية العليا للأسف الشديد .
وكل ذلك ألحق الضرر الفادح بمبادئ العدالة والمساواة والحرية وأدى إلى انسداد تام للعملية السياسية ووصلت البلاد إلى مفترق طرق شديد الخطورة يهدد بالتشظي والاحتراب والضياع لولا أن تداركتنا العناية الإلهية وأحيت فينا روح الحكمة وأدركت كل الأطراف داخليا وخارجيا خطورة المرحلة واستطاع شعبنا اليمني العظيم وحكمائه السياسيين وبدعم ومساندة الشقيق القريب والصديق البعيد تقديم تجربة فريدة في المنطقة تجلت فيها الحكمة اليمانية بأبهى صورها ومن الواجب علينا الحفاظ على هذه التجربة والوصول بها إلى آخر خطواتها المزمنة .. فالنفق المظلم الذي وصلت إليه البلاد كان نتيجة طبيعية لتراجع الروح الوطنية والمنظومة القيمية والأخلاقية التي هي في حقيقة الأمر الأساس الذي لا غنى عنه لأي مشروع نهضوي أو بناء حضاري .
وسنظل نذكر بتلك المرحلة الخطيرة التي مرت بها بلادنا في تاريخها الحديث حتى يدرك الجميع صوابية النهج السلمي الذي اتبعناه ورشد منهج الوفاق الذي ارتضيناه والذي أوصلنا إلى ما نحن فيه اليوم من نجاح في تنفيذ التسوية السياسية .
ولا شك بأن ما يجري من أحداث مؤسفة في أكثر من بلد شقيق هبت عليه رياح التغيير وأحداث دموية وتدمير للبنى التحتية ولمقومات الدولة وظروف عدم الاستقرار هو أمر يجب أن نأخذ منه العبر والدروس الكفيلة بتحصين تجربتنا من أي انتكاسات لأن تجربتنا حتى الآن أثبتت صوابية منهجنا السلمي في التغيير والإصلاح وأكدت أهمية منهج الوفاق الذي ارتضته جميع الأطراف السياسية كمخرج مشرف لأن الأزمات غالبا ما تستفحل وتصبح عصية على الحل في غياب نهج الوفاق ومحاولة كل طرف سياسي الغاء الآخر في حين أن الوضع الطبيعي والسليم هو أن الوطن ملك للجميع ومسؤولية الحفاظ عليه وبناءه تقع على عاتق جميع أبناءه .
الأخوة المواطنون .. الأخوات المواطنات
مع إطلالة عيد الفطر السعيد تبرز محطة أخرى تصفو فيها القلوب من الضغائن والأحقاد وتقطف فيها الثمار الإيمانية من خلال التزاور والتكافل وصلة الأرحام وترسيخ قيم التسامح والعفو وإحياء روابط الأخوة والمودة والسمو فوق الصغائر بما يقوي من شبكة العلاقات الاجتماعية ويصنع مجتمعا متماسكا وجبهة وطنية قوية عصية على الاختراق وذلك من أهم عوامل النهضة التي أساسها التمسك بمكارم الأخلاق التي تمثل المقصد والهدف الحقيقي لديننا الإسلامي الحنيف وقد تجسد ذلك في قول رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ".
الأخوة والأخوات :
ما يزال الهم الاقتصادي هو الهاجس الأكبر لدينا وستظل الجبهة الاقتصادية هي محور اهتمامنا في المرحلة الراهنة والقادمة وقد كانت هي الدافع لنا للقيام بزيارة الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية وقبلها قطر وتكللت هذه الزيارات بالنجاح في كافة الملفات سياسية كانت أو اقتصادية أو أمنية .
يا أبناء شعبنا الكريم:
إننا نهنئ كل من صام وصلى وتهجد وتعبد وقام خير قيام .. وإذ نشكر كل من ساهم في أعمال البر والإحسان لابد أن نذكر بالركن الهام من أركان ديننا الحنيف ألا وهو إيتاء الزكاة التي هي فريضة وركن من أركان الإسلام وواجب تسليمها إلى الدولة باعتبارها الراعية للمواطنين وهي المخولة والمؤتمنة شرعا في صرفها في مصارفها وهذا ما تقوم به الدولة.
إن توظيف هذا المورد الاقتصادي في جوهره ومحتواه في مصارفه من قبل الدولة إنما يخدم حاجة الإنسان المعيشية والتنموية وكذلك يغلق بابا من أبواب الشر الذي يفتح إذا ما تسربت الزكاة إلى أيد غير أمينة خارج نطاق الدولة ويكون ذلك من سوء الطالع المزكي أن يحمل نفسه مسؤولية تحويل الخير إلى أداة للشر ولذلك وجب تسليمها للدولة لأن ذلك يعين توجهاتها لخدمة التنمية وتوظيف كل الموارد الوطنية المتاحة ومن ضمنها الزكاة إلى ما ينفع الوطن والمواطنين.
ونحث السلطات المحلية في كل المحافظات على متابعة المتهربين من دفع الزكاة والضرائب المستحقة عليهم واتخاذ الاجراءات اللازمة بحقهم .. كما ندعو جهات الاختصاص إلى تطوير آليات جديدة لتحصيلها ووضع خطط عملية لتفعيل استخدامها.
كما نوجه الحكومة بمواصلة جهود الإصلاحات التي بدأت تؤتي ثمارها الطيبة المتمثلة في تعزيز ثبات العملة الوطنية وتحسين الأداء الاقتصادي.
كما نبارك لأعضاء مؤتمر الحوار الوطني النجاح الكبير الذي حققوه في مداولاتهم ومباحثاتهم خلال شهر رمضان المبارك ونؤكد مجددا على أهمية إنجاح هذا الاستحقاق الوطني الهام والمصيري بروح وطنية مسؤولة تستشعر دقة وحساسية المرحلة الحالية وتغلب نهج الحوار باعتباره الطريق الآمن والوحيد الذي يعول عليه لرسم معالم الدولة اليمنية المدنية الحديثة دولة العدالة والحكم الرشيد والتنمية الاقتصادية والمواطنة المتساوية واحترام حقوق الانسان وضرورة تحصين تجربتنا الفريدة من أي اختراقات أو انتكاسات ونؤكد مجددا على أهمية دور الإعلام الوطني في إنجاح هذا الاستحقاق الهام وضرورة أن يتحمل أرباب الفكر والقلم مسؤوليتهم الوطنية وأن يبتعدوا عن كل ما من شأنه تلبيد الأجواء السياسية أو بث النعرات الجهوية والمناطقية والمذهبية والطائفية .. ففي أعناقهم أمانة ومسؤولية تاريخية لما للإعلام من دور رائد ومحوري وهام إما في اتجاه دعم الانجازات الوطنية أو لا سمح الله في اتجاه تلبيد الأجواء وخلط الأوراق وعرقلة التسوية السياسية .
ونحن اليوم امام لحظة تاريخية فارقة لا يخفى على أحد حساسيتها ودلالاتها في تاريخ اليمن الحديث وليس أمامنا من طر يق سوى السير في طر يق استكمال التسوية السياسية وإنجاح هذا الاستحقاق الوطني الهام والمصيري وأن نغتنم هذه الفرصة التاريخية النادرة التي أجمع فيها العالم بأسره وأكد رغبته في دعمها سياسية واقتصاديا لبناء يمن جديد مزدهر وآمن وموحد .
لذلك فإن إنجاح هذا الاستحقاق الوطني الهام والمصيري الذي يعتبر المنقذ الوحيد لكل مواطن يمني هو مسؤولية وطنية تقع على عاتق كل القوى السياسية والمجتمعية لتحقيق تطلعات وآمال الشعب الذي يتوقع إلى العيش في وطن آمن مستقر ومزدهر ترفرف على ربوعه رايات العدالة والحرية ويتساوى فيه الجميع أمام القانون وطن ليس فيه امتيازات لفئة دون أخرى لاعتبارات سياسية أو حزبية أو قبلية أو مناطقية وطن يلاحق فيه الفساد وتبسط العدالة فيه أجنحتها وتصان فيه حقوق المواطن وكرامته ويلمس فيه المواطن التغيير الايجابي في حياته معيشيا وأمنيا واقتصاديا وثقافيا .
وهذه المهمة الوطنية الكبيرة تقع على عاتقنا اليوم وتحملنا الأجيال هذه المسؤولية العظيمة لانتشال اليمن من هاوية الصراعات والنزاعات التي سئمها الشعب وحل معضلاته وقضاياه الشائكة .
ومن المهم التأكيد في هذه اللحظة التاريخية الفارقة من تاريخ اليمن لمن تضررت مصالحهم من التغيير والطامحين لإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء أن المساس والعبث بوحدة قواتنا المسلحة والأمن وإنضباطها هو أمر ليس مرفوضاً فقط بل انه عمل هدام وخطير سيعرض المتورطين فيه للملاحقة القانونية والمحاكمة العسكرية والحليم تكفيه الإشارة .
وختاما فإننا نسأل الله أن يتغمد أرواح الشهداء الأبرار الذين جادوا بدمائهم الزكية من أجل حرية هذا الوطن واستقلاله وسيادته ووحدته .. سائلين الله العلي القدير أن يجزيهم خير الجزاء ويسكنهم فسيح جناته بجوار الأنبياء والشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا والتحية كل التحية لأبناء قواتنا المسلحة والأمن الحراس الأمناء للمكاسب والمنجزات سياج الوطن ودرعه الحصين الذين نؤكد لهم انهم سيكونون على الدوام محل الرعاية والاهتمام والوفاء من القيادة السياسية وكل عام وأنتم بخير وعيدكم مبارك .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..