ايلاف:لبنان يعد لترسيم الحدود المشتركة
الثلاثاء, 18-أكتوبر-2005. - إيلي الحاج من بيروت: كان يوماً حزيناً لغلاة مسلمي لبنان ، ولا سيما السُنّة منهم على ما تروي التواريخ يوم وقف الجنرال غورو ممثلاً دولة الانتداب فرنسا على درج "قصر الصنوبر" في بيروت الذي بات لاحقاً مقر السفارة الفرنسية وأعلن ذات 20 أيلول( سبتمبر) من عام 1920 "دولة لبنان الكبير" بإعادته إلى حدوده "التاريخية الطبيعية" أي استعادة ولاية بيروت و الأقضية الأربعة حاصبيا وراشيا والبقاع وبعلبك التي كانت الدولة العثمانية فصلتها وألحقتها بولاية الشام ( دمشق) مع إعلان متصرفية جبل لبنان إثر مذابح عام 1861 . وكانت مضت سنتان عند إعلان "لبنان الكبير" على إنزال علم حكومة الملك فيصل بن الحسين عن سارية سرايا بيروت في 9 تشرين الأول (أكتوبر) 1918 . والواقع أن مسلمي لبنان على ما كان يردد رئيس الحكومة الراحل صائب سلام لم يقبلوا بسلخهم عن سورية إلا مرغمين في البدء، واستلزمتهم أعوام طويلة للإقبال على التعامل مع الدولة اللبنانية والانخراط فيها، إذ كانوا يعتبرونها من نتاج اتفاق سايكس بيكو الذي قسم المنطقة كيانات وأحبط حلم الوحدة العربية أو أقله سورية الكبرى، ولا سيما أن الساعين إلى نشوء الكيان اللبناني المستقل كانوا من المسيحيين وغالبيتهم موارنة استغلوا فرصة تاريخية أتاحتها لهم هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى وعلاقتهم الوثيقة تاريخياً بالدولة الفرنسية، المنتصرة والعظمى عن حق في تلك الحقبة. وكان الرئيس سلام يضيف : "لكن بعدما ارتضينا لبنان وطناً لم نعد نقبل أن يشكك أحد أو يزايد علينا في وطنيتنا ".
وكان من ضمن التنازلات المتبادلة بين المسيحيين والمسلمين ألا ينشأ تبادل دبلوماسي بين لبنان وسورية احتراماً لمشاعر مسلمين (ليس بأل التعريف) كانت هذه المسألة تمسهم ، خصوصا بسبب روابط القرابة والتجارة والمصاهرة والدين والسياسة، وكلها عوامل يشارك في بعضها مسيحيون أيضاً. كما أن فكرة ترسيم الحدود بين البلدين كانت تثير حساسيات في ظل ذهنيات كانت لا تزال ترفض فكرة وجود حدود أصلاً بين لبنان وسورية .
بعد 85 عاماً على حدث إعلان "لبنان الكبير"، كان مسيحيو لبنان يتحاشون إثارة قضية التبادل الدبلوماسي مع سورية "احتراماً لأخوتنا المسلمين" على ما قال في إحدى المرات البطريرك الماروني نصرالله صفير ، وفي المقابل لطالما رفضت العهود والانظمة المتعاقبة على سورية البحث في هذه المسألة لأن الفكرة الرافضة لاستقلال لبنان التام كانت لا تزال قوية في دمشق.
السنيورة والسفارتان
كان الموضوع إذن من المحرمات . واليوم تبث قناة "الجزيرة" القطرية حديثاً لرئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة- الذي أجرى زيارة خاطفة للدوحة أمس- سئل خلاله: بعضهم يدعو الى تمثيل دبلوماسي بين البلدين، فهل تؤيد ذلك؟
أجاب: "نعم، انا ممن يقولون بذلك ولا مانع من اقامة سفارة لكل بلد لدى الآخر، وآمل ان يكون ذلك في وقت قريب. أنا اعتقد ان العلاقة بين لبنان وسورية يمكن ان تكون جيدة ومتينة ولكن على اساس التكافؤ والاحترام المتبادل".
وسئل: تقول في وقت قريب، فمتى تعتقد ان يتم ذلك. اجاب: "بدأنا الآن التحضير لترسيم الحدود. هناك مناطق جرى ترسيم الحدود فيها سابقاً واخرى غير واضحة الحدود، وقد طلبنا من لجان مختصة ان تقوم بذلك، ونجري محادثات لهذه الغاية عبر المجلس الاعلى اللبناني السوري".
وتابع السنيورة : "بصرف النظر عن نتائج تقرير رئيس لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، القاضي الالماني ديتليف ميليس، على لبنان ان يحتفظ بأفضل العلاقات مع سورية. ويجب ان تبقى هذه العلاقات علاقات جارين وجيدة على كل المستويات".
وسئل: ماذا قصدت بقولك ان انتحار وزير الداخلية السوري اللواء غازي كنعان ستكون له تداعيات؟ اجاب: "لا اريد التكهن في هذا المجال. هذا الموضوع له تداعيات ولذلك طلبت من اعضاء الحكومة ألا يعلقوا عليه".
سئل: لوحظ انك لم ترسل برقية تعزية الى رئيس الوزراء السوري بعد وفاة كنعان. فأجاب: "سأرسل برقية تعزية الى نظيري السوري قبل صدور تقرير ميليس".
الترسيم ومزارع شبعا وسلاح "حزب الله"
جدير بالذكر أن ترسيم الحدود بين البلدين لا يكتمل إلا بشموله مزارع شبعا التي تحتلها إسرائيل ، مما يستدعي تدخل الأمم المتحدة للقيام بهذه العملية.
وكانت السلطات السورية قد وضعت يدها بالقوة على تلك المزارع اللبنانية وأنشأت فيها مخافر أمنية عام 1957 على ما أورد رئيس الحكومة الراحل سامي الصلح في مذكراته . وعندما احتلت إسرائيل هضبة الجولان خلال حرب الأيام عام 1967 كانت في المزارع قوات سورية ، ولم تقدم بيروت ودمشق وثائق إلى الأمم المتحدة تثبت هوية المزارع التي يتمسك "حزب الله" بسلاحه من أجل تحريرها ، ولا يصر على تسجيل لبنانيتها في المحافل الدولية . أما سورية الداعمة لاستمرار مقاومة الحزب المسلحة في ظل تحالفها مع إيران، فقالت عبر رئيسها بشار الأسد إن "هذه المزارع أرض عربية محتلة وعلى إسرائيل الإنسحاب منها، سواء كانت لبنانية أم سورية". موقف لا يساعد لبنان كثيراً في السعي إلى استعادتها عبر الأمم المتحدة التي لا تزال تعتبرها أرضاً سورية إلى أن يظهر ترسيم الحدود، بمسعى السنيورة، حقيقة مالكيها.