الطارق .. أجمل إبداعاتنا اللهجية(*)
الخميس, 10-أغسطس-2006المؤتمرنت - علوان مهدي الجيلاني - أهل الشام, بلاد الشام, الجهات الشامية, اصطلاحات درج المؤرخون منذ القرن السادس الهجري على استعمالها للدلالة على الجهة الشمالية من تهامة.. غالباً على مناطق شمال الوادي سردود حتى حلي بن يعقوب.
والشامي نسبة جغرافية محلية تطلق في تهامة على أبناء الجهة الشمالية من تهامة.. مقابل نسبة يماني للجهة الجنوبية.. وفي اللهجة التهامية يسمي معظم أبناء تهامة الشمال: (شايم, وشام), والجنوب: (يُمِّنْ، ويُمَّنْ، ويَمَنْ).
و(الشامي) هنا مصطلح للون من الشعر الشعبي التهامي.. الذي يشتهر بقوله: أبناء القسم الشامي من تهامة تقريباً من وادي مور وحتى حلي بن يعقوب.
ولكن هذه التسمية لهذا اللون من الشعر لا تعرف عند أبناء العمق الشامي, حيث يوجد أكثر مبدعيه والمتفننين في تقديمه قولاً وتطريقاً (غناء)..
بل هي تتوقف عند حدود صامطة وما حولها (حسب الشاعر محمد مسير المباركي)، أما ما بعد صامطة أعني العمق الشامي في صبيا، وأبو عريش، و جيزان، وضمد، وبيش، والقحمة، وحلي بن يعقوب.. وحواز تلك المناطق ونجودها فلا يسمونه إلا (الطارق).
وهذا ما يؤكده الباحث الشاعر معبر النهاري(1) (من بيش), وهو أحد شعراء هذا اللون المعاصرين, بل هو سليل إحدى أشهر الأسر التي توارثت قول الطارق هناك.
ما قاله معبر النهاري يؤكده ما أورده الباحث محمد بن أحمد العقيلي في كتابه (الأدب الشعبي في الجنوب)ج1ص240, وما بعدها.. فقد عرَّف بهذا اللون (الطارق) في ثلاث صفحات, أورد بعدها عشرة نصوص منه.. ولم ترد في كلامه مفردة (الشامي) على الإطلاق.
استقرار أهل العمق من تهامة الشام على مصطلح (الطارق) لم يقابله استقرار من بقية الذين اصطلحوا على (الشامي) أعني المهتمين في الجزء الشامي من تهامة الذي يمتد من صامطة حتى سردود, ثم أهل الجهة اليمانية (ما بعد سردود إلى حيس...) على مصطلح (الشامي), فبعضهم يقصد به كل الألوان الشعرية الشعبية أو الشفاهية = (اللهجية) التي تقال في تهامة الشام، والتي تشمل الفرساني والشامية والدِّلْع والزيفات وغيرها إلي جانب (الطارق), وبعضهم يقصد به (الطارق) وحده, وهم إلى جانب ذلك يستعملون تسمية (الطارق) استعمالاً غير واضح- أيضاً-, حتى أن (الطارق) عند بعضهم مثل الباحث عبدالله خادم العمري, فن من فنون (الشامي).. فهو عندما يعرف بهذا الفن في كتابه (الشعر الشعبي المغنى في تهامة) ص245...يقول: (لهجته اللهجة التهامية مع الطابع الشامي للهجة الشامية في بعض المفردات والتعابير، ويمتد انتشار هذا اللون من الشعر حتى عسير, وخاصة ما يسمونه بالطارق).
فالطارق كما يفهم العمري ليس هو(الشامي) وإنما هو لون أو فرع من فروعه, بل إنه في ص262 من الكتاب المشار إليه يجعله فرعاً من فروع الفرساني, وهذا الفهم الخاطئ ليس مقصوراً على العمري, وإنما كان شائعاً في أوساط المهتمين بهذا الشعر.. وقد ناقشت بعضهم في الثلاث سنوات الماضية محاولاً الوصول إلى فهم مقنع ولكني لم أظفر بطائل.. وقد انتقل سوء الفهم هذا إلى المهتمين بهذا اللون الشعري من غير أبناء تهامة.. نتيجة اعتمادهم في معلوماتهم على نفس أو بعض هؤلاء الذين أشاعوا هذا الخلط.. فعبدالله البردوني في كتابه الشهير(فنون الأدب الشعبي في اليمن) في الفصل المعنون بـ(فنون تهامية) يورد أكثر من سياق دال على الخلط في التسمية، فنجده في ص234 يقول: (تختلف الفنون الغنائية التهامية في تسميتها.. فهناك الموال البحري والغناء الشامي والطارق.. وأغاني الرعاة) ورغم أنه عندما يورد أمثلة للطارق يسميها بهذا الاسم (الطارق) إلا أنه يعود في نهاية ذلك الفصل فيذكر الفن الشامي والطارق اليماني, فالطارق ينتهي عند البردوني إلى شيء جديد لا صلة له بموضوعنا.
* * *
المشكلة في التعريف بهذا اللون الشعري لم تتوقف عند هذا الخلط في التسمية بل تتعداها إلى القصور في التعريف به... حين يطلب بعض الباحثين من خارج تهامة معلومات عنه من مثقفين تهاميين.. وقد عقد (الدكتور عبد العزيز المقالح) في كتابه (شعراء العامية في اليمن) بحثاً لهذا النوع من الشعر سماه (الجناس الشامي في الشعر التهامي)، بذل فيه جهداً كبيراً في محاولة فهمه وتوصيفه وتسميته.. إلا أنه بسبب قصور المعلومات التي أعطيت له.. وكذلك بسبب عدم القدرة على تصور وفهم الواقع الاجتماعي والبيئي لهذا اللون من الشعر, والسياقات الثقافية التي تنتجه.. حيث تغيب عن مشروعات الباحثين غالباً في مثل هذه المواضيع- أهمية النزول الميداني ومعايشة مادة البحث في واقعها، ومحاولة التعرف عليها من خلال اتصالها بالأنساق الإبداعية الأخرى التي تجاورها في بيئتها... ناهيك عن كون البحث تم في نهاية السبعينيات من القرن العشرين حين لم تكن جهود توثيق التراث الشفاهي ودراسات الأدب الشعبي في اليمن قد راكمت من الإنجازات ما يعين الباحث على الإحاطة بموضوعه كما يجب.. وكان المقالح قد طبع قبل ذلك رسالته للماجستير تحت عنوان (شعر العامية في اليمن) سنة 1978م, ثم عندما أنجز هذا البحث نشره في صحيفة 26 سبتمبر عدد(130) تاريخ (21/مارس/1985م)، وكذلك في مجلة دراسات يمنية العددان (23-24) بتاريخ (يناير- فبراير- مارس- أبريل-مايو- يونيو1986م) , ثم جعله فصلاً من فصول كتابه (شعر العامية في اليمن) في طبعته الثانية الصادرة عن دار العودة ببيروت، سنة1986م.
لكل تلك الأسباب وقع بحث المقالح في عدد من الاجتهادات غير الموفقة مثل:
1- اعتباره أن من الخطأ وقف انتشار هذا اللون من الشعر على الجهة الشمالية من المنطقة التهامية؛ لأنه كما يذهب المقالح رغم ظهوره فيها فلا بد أن يكون قد امتد واتسعت رقعته ليشمل المنطقة الساحلية بأكملها بما في ذلك زبيد التي تقع في الجهة اليمانية من السهل التهامي, ولا بد أن شعراء هذه الجهة الأخيرة قد أسهموا في كتابته.
وما ذهب إليه المقالح ليس صحيحاً, فالشامي (الطارق) يقتصر قوله على المناطق الشامية بدءاً من وادي مور, وهو أكثر انتشاراً وكثرةً في الشعر والشعراء كلما اتجهنا شمالاً.. في العمق الشامي.. وتوجد مناطق تحسب على الجهات الشامية وهي المناطق الواقعة بين مور وسردود, وهي تشمل مدن (الضحي، والكدن، والمغلاف، والقناوص، والزيدية، والمنيرة وما يتبعها من قرى وأديرة ومحلات وبيوت).. للتوضيح أكثر.. البلاد التي تسكنها قبائل (صليل، والزعلية، والجرابح، والحشابرة، والعطاوية).. وقد ظهر من هذه البلاد شعراء كبار مثل مبارك بكير، والنهاري حسن، والنهاري امحمد, وإبراهيم موسي الشهير بـ(الموسي), وسعيد اعمى، وسود معمى, وهلهل، وعقص، وزبلة، وسعد الله العدواني، وخبش، وجياح وغيرهم.. ومعظم هؤلاء قد ماتوا, وبعضهم مات منذ حوالي قرن من الزمان, وقد وثقنا الكثير من شعرهم من أفواه المعمرين من الرواة, ولم يروَ لنا من جملة ما روي عنهم حتى الآن نصوص شامية (الطارق), باستثناء شاعرين:
أولهما: امناجي ثواب الذي تميز رغم أميته بالثقافة والذكاء, فكان يكتب الشعر الفصيح.. وقد رويت لنا من نصوصه بعض أبيات (الطارق).. ومنه النص التالي وقصته: أن امناجي سكن الحديدة في مرحلة من حياته، وبدأ العمل عند رجل من بني صبري (وبني صبري أسرة تركية, بقيت في اليمن بعد رحيل الأتراك سنة 1918م), وكان لهذا الرجل صنبوقان لصيد السمك, وكان امناجي وكيلاً له عليهما, وكان على الصنبوقين ناخوذتان أحدهما: اسمه جابر حبر, والثاني: حمادة, فنشأت بين امناجي وجابر حبر صحبة وثيقة, فيما كانت علاقته بحمادة تتسم بالنفور وعدم الاستلطاف, ولذلك كان يمدح جابر حبر ويهجو حمادة، ومن مدائحه في جابر حبر وصيده هذا الطارق(2):
الطرق:
يَا رَاكْ فْي واديْ المُسَمَّى وَدِيْ رَاكْ(3)
مَا قَطّ يُوْجَدْ عِنْدَنَا رَاكْ مِنّهْ(4)
الرد:
جَابر حُبَرْ شَاحِنْ زْعَابِرْ وَدِيرَاكْ(5)
وَارَى امْحَمَالِهْ عِنْدَنَا رَاكْمِنّهْ(6)
ولكن امناجي ثواب ابن القناوص الذي توفي فيها قبل (50)عاماً بعد تطوافٍ ببلادٍ كثيرة منها عدن، والحديدة، وجيزان, كان نزَّاعاً إلى الفنون الشامية, معتدّاً بأصل أسرته (بني ثواب) في منطقة عبس, إضافة إلى تجريبه القول في ألوان مختلفة من الشعر.. بقصدية واضحة.. فكان يقول (الوزبة).. و(الشعيبي) و(المطوح/البكيري) و(الدّلع) أو (الدمة) و(الشامية), ويقول (الطارق), وربما قال في ألوان أخرى لم ترو لنا عنه.
وثانيهما: الشاعر درويش بن غازل الذي توفي عام 1992م , وابن غازل وإن كان قد ولد في الصليف في مديرية المنيرة... إلا أنه يعد شاعر الساحل الشامي كله من الصليف إلى فرسان من ناحية إبداعه في شتى فنون المنطقة من(الفرساني) الشكل الذي أبدع فيه معظم شعره..مروراً بأنواع(الزيفات) و(الكسرات), كذلك (الدّلع) و(الشّرْجِي) و(الدّمَة) و(الألف باء) و(الألغاز), وصولاً إلى (الطارق), كما أنه يعدُ شاعرَ الساحل الشامي كله... باعتبار إقاماته وصلاته المتعددة في مناطق الساحل بدءاً من الصليف مسقط رأسه, مروراً بالخوبة واللحية وفرسان وجيزان.. التي أقام فيها وتزوج منها... وكانت له صلات واسعة بشعراء المنطقة(7) ..ولذلك فهو يعد ابن البيئة.. وشاعر من شعرائها, فيكون بديهياً أن يقول الطارق.
باستثناء هذين الشاعرين فإن أحداً من شعراء المنطقة, وما قبلها من الجهات اليمانية لتهامة... لم يقل هذا اللون من الشعر.. وإنما حاول قوله بعض المثقفين ممن اهتموا بتوثيق التراث الشفاهي.
وكان واضحاً في شعرهم تمايزه عما أبدعه الشعراء الشاميون من العامة، كما كان واضحاً أنه كتابة قصدية تحاكي نماذج, ولكنها لا تعيد تشكيل الوجود والتعبير عن تخلقاته كما يفعل شعراء الجهة الشامية.
ذهب المقالح إلى أن الدارس المتخصص يستطيع أن يتتبع البيئات المحلية الصغيرة لهذه النماذج الشعرية من خلال قراءة الملامح البارزة في الصورة.. والفوارق اللهجوية وهذا صحيح.. ولكنه يستطيع أن يفعل ذلك داخل النطاق الجغرافي للجهة الشامية؛ لأن هناك فوارق بين لهجات وادي مور وصامطة وأبو عريش وبيش, وحلي بن يعقوب, كما أن هناك فوارق بين لهجات الساحل ولهجات الحواز والنجود, ولكن تلك الفوارق ليست بالفوارق التي يستعصي معها فهم ما يقوله ابن بيش على ابن وادي مور, نحن نتحدث هنا عن فوارق تتعلق بالنبر، أو زيادة حرف هنا وحذفه هناك، أو تصغير مفردة، أو مسمى في منطقة لا تصغر أو يصغر في الأخرى. أو دلالات بعض الألفاظ التي تكون لها انزياحات بلاغية في منطقة تختلف عن استعمالها العادي في مناطق أخرى.
بيد أن الدارس المتخصص المتفرغ لن يجد لهجات أهل الجهات اليمانية في(الطارق) إلا في حال أن نعد ما قاله العزي حديدي أحد المهتمين بهذا التراث.. جزءاً من هذا التراث, كما فعل العمري, فحشر نصاً قاله الحديدي في تسعينيات القرن العشرين... يحاكي فيه بتصنع واضح (الطارق) مع نصوص قيلت منذ أكثر من مائة سنة.
كذلك لن يجد الدارس لهجات أهل الجهات اليمانية إلا في حال آخر مثل- تحريف بعض الرواة من المثقفين وتصحيفاتهم وتدخلاتهم على بعض النصوص المروية.. كما فعل العمري أيضاً.... في النص المشهور:
بن في الدلات وتلافظ الماء
حيث أورده هكذا:
بين الدلات بن يتلافظ الماء
فهنا يبدو التحريف مفضوحاً لأن استعمال لفظ: (بين) بمعنى: (في) يتم في بيت الفقيه مسقط رأس العمري وما جاورها من الجهات اليمانية, ولا تستعمل في الجهات الشامية, ناهيك عن أن العمري أخرج البيت عن وزنه حين أورده بتلك الصيغة.
* * *
ولكن إذا كان المقالح قد ذهب إلى ما ذهب إليه وكان اجتهاده غير الموفق مبرراً بما سبق وأوردناه من مبررات موضوعية إلى حد كبير.
فإن ما ذهب إليه العمري في هذا السياق لم يكن مبرراً على الإطلاق.. بل كان مخجلاً حقاً.. لأن العمري مشغول بالتوثيق- كما يزعم- ومع ذلك ذهب برجليه إلى الفضيحة حين قال: (إن معظم الشعراء الشعبيين في منطقة يمن أو في(بطن تهامة) ولا ندري ما المقصود ببطن تهامة ولا معناها؟ (طبعاً العمري يقصد ببطن تهامة بيت الفقيه وما حولها) كما لا ندري كيف ننظر إلي محاولات بعض الشباب بعد عام2000م التسلي في مقيلهم بنظم بعض هذه القطع محاكاة لهذا النوع من الشعر على أنها جزء من تراثه الذي يوثق ويدرس مثله مثل المرويات التي مات شعراؤها من زمان.
لا أريد أن يُفهم من كلامي الاعتراض على محاولات الشعراء في أي مكان الكتابة على هذا اللون الشعري أو غيره, فكلنا نحب هذا اللون ونحاول الكتابة عبره لجمالياته الفريدة, وقدرة سهمه على اختراق الوجود كله, وإنما أقصده هو أن نفرق بين التراث الشفاهي الذي كتبه أناس في مجتمع معين وبيئة محددة, وكان أكثر من قاله أميون توارثوا قوله عبر مئات السنين...
ونحن نوثقه لقيمته الإبداعية والتاريخية ودلالاته الانثربولوجية والثقافية بشكل عام.. وبين ما يمتد متجدداً منه عند المعاصرين في نفس البيئة.. وبين من يعجب به من خارج جغرافيته.. فينظم على منواله وطريقته.. دون أن تكون مرجعيات ذلك التراث وعمقه التاريخي وأبعاده الاجتماعية جارية في دمه .
ومن هذا المنطلق فإن ما أورده العمري لشعراء من هذا الصنف الأخير في إطار زعمه التوثيق للطارق.. لا يدل إلا على الاستسهال.. أو عدم الفهم.
جانب آخر من جوانب الاستسهال عند العمري هو زعمه ندرة هذا الشعر وندرة رواته, وهذا قول لا يمكن أن يقول به من جرب ليلة واحدة أن يسمر في مدينة الزهرة مع أحمد هارب وعلي شوعي قبع, ناهيك عن أن يطلع على ما عند علي قشر, والكنز الذي تضمه دفاتره.
* * *
2- ذهب المقالح إلى أن هذا اللون من الشعر (مجهول المؤلف أو مجهول المؤلفين) والنماذج التالية (يقصد الشواهد التي أوردها) لا يمكن أن تكون بأي حال من تأليف شاعر واحد, وهناك وجهة نظر تتردد في الأحاديث وما زال يعوزها السند التاريخي, وتذهب إلى القول بأن هذا النوع من الشعر قد كان يخضع للتأليف الجماعي والفوري والتلقائي، وأن أحد الشعراء قد كان يبدأ بسطر وآخر يجيب عليه بسطر آخر ثم ثالث وهكذا, إلى أن ينتهي المربع.. وقد يدخلون في مربع آخر أو مربعات أخرى بنفس الطريقة.. ووجهة النظر هذه التي تعوزها كل الأسانيد لا يمكن أن تقبل لأن نوع البديع المستخدم فيها لا يصطاد ولا يلتقط بسهولة.. وشعر الارتجال الفردي والجماعي معروف.. وهو شعر فكرة أكثر منه شعر صورة) ص338.
وهذا اجتهاد خانه التوفيق مع الأسف الشديد.
أولاً: لأن معظم شعراء هذا اللون معروفون.. وموثقون في مناطقهم وعند رواتهم هناك.. ولكن وصول هذا الشعر إلى من يحفظون بعض القطع من المثقفين الذين رووا بدورهم للمقالح. كان ينقصه حرفية الراوي الموثق الذي يهتم باسم الشاعر وزمنه ومنطقته وتاريخ النص وظروف قوله. وروايته أو رواته الذين أخذ عنهم، وكذلك وسائط التوثيق.
أغلب الظن أن الذين كتب عنهم المقالح نصوص دراسته قد حفظوا تلك النصوص في مقايل همها متعة الشعر.. دون عناية بقائله وسائر ما يتعلق به مما ذكرناه, وقد عرفنا عبر سنوات وسنوات هؤلاء المثقفين وسمعناهم يرددون هذا الشعر، ونادراً ما ينسبون نصاً لقائله.. فإجابتهم كلما سئلوا )مجهول القائل).
ويتبين لأي باحث مقدار تساهل هؤلاء حين ينزل للبحث ميدانياً.. أو يراسل أبناء المنطقة من المهتمين أو يلتقي بهم وساعتها يجد أغلب النصوص تنسب إلى قائليها بيسر وسهولة, ومن ثم يعرف زمن الشاعر ومنطقته وقصة النص وظروف قوله..إلخ.. وبعض النصوص فقط تعزى إلى مجهول, شأنها في ذلك شأن أمثالها من ألوان الشعر الشفاهي الأخرى في تهامة كما في غير تهامة, بل شأنها في ذلك شأن بعض النصوص الجاهلية التي لم تنسب لقائل, وهذا معروف أيضاً في سائر التراث الشفاهي الإنساني.
ثانياً: ما نفاه المقالح من عادات قول هذا الشعر وطرق الشعراء في إبداعه.. بشكل عفوي وتلقائي وفوري... باعتبار أن ذلك مجرد وجهة نظر تتردد ويعوزها السند التاريخي... كما يكذبها أن نوع البديع المستخدم في النصوص لا يصطاد ولا يلتقط بسهولة... وكون شعر الارتجال الفردي والجماعي معروفاً, وهو شعر فكرة أكثر منه شعر صورة.
اجتهاد خانه التوفيق أيضاً, فالصحيح أن هذا الشعر الذي يحدو به الجمَّالة جمالهم غناء.. ويحفِّز به الحرّاثون أنفسهم وثيرانهم ويقوله الناس في المناسبات الخاصة.. الأفراح بشكل عام... وفي الهود والختان، وفي الحصاد والصريب.. وفي جلسات السمر بعد التخزين، وفي المواقف الإنسانية المختلفة التي تستدعي قول الشعر... وهم في معظم هذه الحالات يقولونه ارتجالاً ويسمى البادئ: (المطرِّق).. والبدء: (طرق).
وفي مناطق مثل (بيش) يسمون البادئ: (المسرِّح)، والبدء : (تسريح).
وفي جيزان وأبو عريش وصبيا يسمون البادئ: (المرسم)، والبدء: (ترسيم).
وفي وادي مور يسمون البادئ: (مطرِّق) والبدء: (طرق).
وفي مناطق أخرى يسمون البادئ: (بدّاع) والبدء: (بدع).
وفي كل الحالات يسمى الرد (رداً) أو (ردود), والقصص التي تروى كخلفيات للنصوص وتذكر أسباب قولها أو مجريات حدثت لأصحابها.. تجعل من الصعب تصور أن يكون شعراء هذا اللون يقضون أوقاتاً طويلة في نظمه والتفنن فيه, والرد عليه إلا في حالات قليلة, لأنه غالباً ما يكون وليد إثارة آنية.
كما في قصة ابن مجثل مع الراعي، إذ يروى أن راعياً كان يرعى لأناس في جهات صبياـ وقد وعدوه تزويجه ابنتهم الكبيرة مقابل رعيه أغنامهم وإبلهم لمدة معينة، فمضى على ما اتفق معهم عليه يرعى الغنم والإبل بانتظار نهاية الأجل المحدد لكي يتم الزواج، وحدث أن قدم تاجر بُنٍّ من عدن، فأغرى أهل تلك الفتاة الجميلة بالمال والهدايا، حتى وافقوا على تزويجه بها، وقالوا للراعي: انتظر حتى تكبر أختها الصغيرة ونزوجك بها بدلاً منها، فوافق صابراً، وعلم الشاعر ابن مجثل بما حدث فانتظر حتى (ليلة هود)(8)، وعندما بدأ السامرون سمرهم، وبدأ الشعراء بالقول (طرَّق) ابن مجثل(9) معرضاً بقبول الراعي أخذ حبيبته منه:
رِجَالْ حَلَّتْ دِيْرَةَ الْبُنّ هَابَهْ(10)|
وْلاَ يَصِلْهَا مِنْ تِخَوَّفْ وْمِنْ هَابْ(11)
التَّاجِرَ اللِّيْ مِنْ عَدَنْ جَالْ بُنّهْ(12)
لَمَّا تِغَالَى مَوْسِمُهْ حَتَّتِ الْبُنّ(13)
فرد الراعي على الفور:
إِنْ كَانْ كَسْبَ الْفَايْدَهْ بِالنَّهَابَهْ(14)
شَا هَبْ عَلَى امْجَادِلْ(15) عَشِيَّهْ وْمِنْهَابْ(16)
وَاشْرَبْ مِنَ الْمَحْضَ الَّذِي جَالْبِنُّهْ(17)
مَا نَا مِرَاعِي لِلْبُكُورْ حَتىّ تَلْبُنْ(18)
ثم انطلق إلى فتاته مقتحماً فأخذها وفر بها.
ومثل قصة الراعي وابن مجثل قصة الشريف حسن بن محمد علي مكرمي وسعيد باحسن، فقد كان الاثنان في مقيل قات بميدي، فمرت ثلاث نساء أمامهما، إحداهن حبلى والثانية تحمل ابنها في جنبها، والثالثة بكر لا تزال في أول طلعتها (فطرّق) الشريف حسن قائلاًً(19):
سَرْحَ النَّعَمْ(20) تَرْعَى بِوَادِي بَعَلْقَاتْ(21)
كَمْ يَا خُضَرْ(22) مَالَنْ23) عَلَيْهَا ودَكَّنْ(24)
بكُورْ(25فَارَقْ مَحْضْهَا فِي دِمَاهَا(26)
شَيّاً رَغَثْ(27) عَادُهْ صَغيْرٌ وجَنْبَاتْ(28)
تَمْشِي لَهَا مِشْيَهْ ضَعِيفَهْ وشَايِلْ(29)
هَدَّنْ30) بِمِيدِي العَصْرْ وتَبَارَكَنْ بُه(31)
فرد سعيد با حسن قائلاً:
يَا للِّي نَزَلْ مِنْ رَاسْ غُوْلَهْ(32) بِعَ القَاتْ(33)
رِجَالْ يَشْرُنُّهْ(34) عَشِيَّهْ وَدَكَّنْ(35)
يَسْقِي البِلاَدَ الفَايِتَهْ(36) فَيْدَ مَاهَا(37)
وكُلّ مَا تَقْطِفْ فُرُوعُهْ أَجَا نْبَاتْ(38)
يِسْفِيهْ رَبِّي كُلَّ لَيْلَةْ وَشَايِلْ(39)
بَيْنُهْ الخَضِرْ واليَاسْ40) يَتْبَارَكُنْ بُهْ(41)
***
لقد ذهب العقيلي إلى أن شعر (الطارق) غالباً ما يكون من الشعر الذي يحتفل بنظمه الشاعر ويتأنق في صياغته ويسبغ عليه مسحة من الترف الفني في نطاق (عاميته الشعرية)، ولكن العقليل يعود فينفي ما يمكن أن يوحي به كلامه فيقول: (وهذه العناية اللفظية وما يعبر عنه ذلك الشعر من أحاسيس وجدانية في الغالب الأعم موجودة في طبيعة البشر لا يحتاج صاحب البادية في فطرته الصافية إلى تعمق في تفهمها أو شرح لمعانيها برغم ذلك الغشاء الشفيف من الرمزية، بل إنه يشعر في ذلك الغموض النسبي بلذة التمعن المحبب واستظهار المتواري المحتجب وراء سجف الكتابة وغشاء الرمزية وراء كلمات هذا الشعر الشعبي التي تنساب مفاهيمهما إلى ذهن المواطن في سهولة ويسر، ويحيا مع تجربة الشاعر، فإذا اجتمع له سحر الكلمة وفتنة الغناء كله كان له الأثر المضاعف في مخيلته الفطرية ومداركه البسيطة، وكل تلك الكنايات لا تبعد عن مألوفه في بيئته الطبيعية التي يتمثلها في معيشة حياته وعمله) ص242.
وإذن فإن ما يقوله العقيلي عن احتفال شاعر (الطارق) بنظمه وتأنقه في صياغته ليس في معناه أنه يُعمل فيه فكره الأيام والليالي... وإنما معناه أنه يفعل ذلك حين القول.. ووقت دواعيه، وهذا لا يعني التعميم المطلق... وإنما يعني البديع المستعمل فيه وهو الجناس.. صار جزءاً من اللغة المعيارية التي يقال وفقها هذا الشعر، لاحظ قول العقيلي: (أن هذه العناية اللفظية وما يعبر عن ذلك الشعر في الغالب الأعم.. موجودة في طبيعة البشر لا يحتاج صاحب البادية في فطرته الصافية إلى تعمق في تفهمها أو شرح معانيها).
أما قول المقالح إن شعر الارتجال الفردي أو الجماعي شعر فكرة أكثر منه شعر صورة... فهو قول لا سند له، وقد أثبتت الدراسات الأنثربولوجية في الشعر الشفاهي المغنى... إن هذا الشعر الشفاهي يتم إنشاؤه غناء مرتجلاً، وأن من سماته في كل اللغات تقريباً أن فيه صيغاً متكررة، ووحدات إنشاء تجعل الشاعر ينشئ بسهولة، ويضيف بطلاقة.... وفي هذه الحالة فإن الصور شأنه شأن الأفكار تصبح متراسلة تراسلاً مميزاً، حتى لو كان المشهد أو المعنى الذي تصوره الألفاظ المستعملة لا يتكرر على نحو حرفي على سبيل المثال لدينا طارقان، نص أولهما(42):
الطرق:
يَا زَيْدِيَهْ(43) فَيْ رْدَاحَكْ(44) حَتَّ حَبَّكْ(45
تِسْعِيْنَ بَازِلْ(46) حَمَّلَتْ مِنْكَ تِبْرا47)))
الرد:
وَلَّعْتَ قَلْبٍ غَافِلٍ حَتَّى حَبَّكْ(48)
وَالْيَومْ تُقُلْ لِّيْ(49ذِمَّتِيْ مِنْكَ تَبْرَا(50)
النص الثاني(51):
الطرق:
يَا مْزيْدِيَهْ(52) رَيْتُهْ امْهجَفْ(53) حَتَّ حَبَّكْ(54)
الْمَا يدَرِّجْ(55) فِيْ وِسَادَكْ(56) وَمَحْوِيْ(57)
الرد:
وَلَّعْتَ قَلْبٍ غَافِلٍ حَتَّى حَبَّكْ(58
كَمْ لِيْ أَكَتِّبْ لَكْ عَزَايِمْ وَمَحْوِيْ(59)
فإن الصيغ ووحدات الإنشاء المتكررة تتمثل في أداة النداء والمنادى (يا زيدية) و (يا مزيدية) و(حت حبك) و(ولعت قلب غافل حتى حبك).
هذه الصيغ ووحدات الإنشاء سنجد الكثير منها في شعر (الطارق)، كما في هذين النصين(60):
(1)
الطرق:
بَرَّاقْ مِنْ تَوَّ الْجَزَايِرْ(61) يضِيْ مَاهْ(62)
اسْقَ البَنَادِرْ كُلّهَا(63) وَاسْقَ مَيْدِيْ(64)
الرد:
الفُرقَهْ(65) مِنْ بَعدَ الْمَودَّهْ يَا ضَيْمَاهْ(66)
أَسْقَمْ عِظَامِيْ كُلَّهَا وَاسْقَمَ ايْدِيْ(67)
(2)
الطرق:
بَرَّاقْ مِنْ تَوَّ الْجَزَايِرْ لَمَعْ لُولْ(68)
وَتْرَى69) شِعَابَ امْسَيْلْ70) مِتْفَرِّقَا بُهْ(71)
الرد:
يَا رَبّ لاَ تَهْدِيْ مَلِيْحَهْ لِمَعْلُولْ(72)
تَمْسِيْ مَعَ امِّبْيَاتْ مِتْفَرِّقَا بُهْ(73
إنها صيغ ووحدات إنشاء تساعد الشاعر الشفاهي الذي لا يقرأ ولا يكتب (غالباً)، وليس لمرجعياته أثر محسوس على الورق، وإنما مرجعياته في ذاكرته وخبرات أذنه أن يضيف بسهولة وينشئ بيسر انطلاقاً منها، ويمكن لدراسة منهجية جادة أن تتقصى الصيغ ووحدات الإنشاء المتكررة في عدد كبير من نصوص هذا الشعر حتى يتبين أثرها على تراسل الصور وتخليق الجناسات حتى، سواء الجناسات اللفظية أو المعنوية الخفية التي يستشفها بامتياز أحمد السيد عطيف(74).
وهذا هو نوع الثبات في شعر الطارق الذي يجد المرء نفسه مسوقاً لتوقعه، وليس في معنى هذا الثبات محدودية أكوان الطارق أو محدودية ثروته من المفردات والصور والتخلقات الوجودية التي يجترحها.
وأريد أن أذكر هنا بما تذهب إليه الدراسات الشفاهية من (أن استمرار القصيدة الشفاهية يرتبط دائماً بكونها تعبر عن موضوع إنساني عام يفهمه كل من يتعرض له)(75)، وهذا هو حال الطارق في بيئته.
3- ذهب المقالح إلى أن شاعر هذا اللون قد تجاوز في امتلاك هذا العنصر البياني (يقصد البديعي) أي الجناس البلاغي وتجاوزه في استخدامه ووصل به حداً لم يصل إلى شاعر القصيدة الفصحى، وفي السياق ربما يكون (76) قد نسي المهمة الأولى التي شاعت عن شاعر العامية وهي التوصيل.. توصيل ما لم تستطع القصيدة الفصحى توصيله، وبذلك فقد أعطى الصياغة الشكلية قدراً عالياً ونادراً في الشائع المتداول من أشعار العامية في اليمن على الأقل... كما أعطاها قدرة على الجمع بين التوافق والتضاد...)ص236.
وإذا كان صحيحاً ما أورده المقالح في الجملتين الأخيرتين من المقطع السابق وهو أن شاعر الطارق ( قد أعطى الصياغة الشكلية قدراً عالياً ونادراً في الشائع المتداول من أشعار العامية في اليمن على الأقل... كما أعطاها قدرة على الجمع بين التوافق والتضاد.
فإن ما قاله في السطور التي سبقت الجملتين الأخيرتين ليس صحيحاً على الإطلاق... باعتبار أن شاعر هذا اللون قد تجاوز في امتلاك هذا العنصر البديعي، وتجاوز استخدامه ووصل به حداً لم يصل إليه شاعر القصيدة الفصحى. يجعل من التقنيات التي اعتمدها شاعر الفصحى في الاشتغال على فن البديع بما فيه الجناس... معياراً.. نقيس عليه اشتغالات شعراء الشعر الشفاهي المغنى.. الذي يقال ارتجالاً.. وبذلك نغفل حقيقة أن شاعر الفصحى يكتب بلغة فصحى غير اللغة التداولية اليومية التي يتكلمها في سائر شؤونه.. كما أن يتعمد داخل لغة الكتابة أن يدخل في ألعاب لفظية... هي نفسها تقع خارج الحدود الدنيا للفطرية التي تتوفر عليها لغة الكتابة.
أما شاعر (الطارق) فهو يرتجل الشعر قولاً يغنى، وليس في ما يقوله شيء خارج لغته المتداولة... وإنما هو شعر له معيارية فطرية اعتادها الناس..... وألفوها.
إن البعد الوجودي في شعر الطارق يجعل من الجناس اللفظي الذي لا يعدو أن يكون كما يرى الأستاذ أحمد السيد (زخرفة لفظية في الشعر العربي لا تخلو من إضافة جمالية) يتجاوز في الشعر الطارق الـ(دلالة على جناس معنوي وقيمة البيت الشعري في هذا الفن هي في هذه المجانسة المعنوية... وما لم يتوفر الجناس الداخلي فلا قيمة لأي جناس خارجي، الخارجي هو رمز فقط للجناس الداخلي)(77).
ما يذهب إليه أحمد السيد يمكن تلمسه في نصوص كثيرة تكلم هو على بعضها مثل(78):
(1)
الطرق:
يَا دُخْن فِيْ الأَوْثَانْ(79) مَا كَنَّ لَكْبِيْ(80)
ويزِيْنَ فِيْ الْجُلَّهْ(81) مَعَ لْبَاسْ طِينَا(82)
الرد:
خَاصِمْ وكَثِّرْ قُبْحَ(83) مَا كَنَّ لَكْ بِيْ(84
حِسَّكْ تِلاَغِيْنِي(85) مَعَ الْبَاسْطِيْنَا(86)
(2)(87)
الطرق:
يَا حَبَّ "هجْرِيْ" فِيْ رِِدَاحَكْ(88مُسَطَّرْ(89)
ولَكْ صَوَارِبْ يَصْرِبُنَّكْ(90) مِنَ الرُّوْسْ(91)
الرد:
خَلَّ الْكًلاَمْ(92بَيْنِيْ وبَيْنَكْ مُسَطَّرْ(93)
حَتَّى نْتِلاَقَى ونْتِكَلَّمْ مِنَ الرُّوْس(94)
(3)(95)
الطرق:
يَا عَسْلْ قَدْ كُنْتَ حَالِيْ ومَرَّيْتْ(96)
خَلاَصْ مَرَّنْ ذَوقَتَكْ(97) بَعْدَ حَالِيْ(98)
الرد:
الْيُوْمَ تِلْمَحْ(99) وتَلْمَحْ لِمَنْ رَيْتْ(100)
قِدْنِيْ مْتَرِّكْ صُحْبِتَكْ بَعْدَ حَالِيْ101)
* * *
الأمر الذي يؤسف له أن دراسة المقالح اعتمدت على نماذج محدودة جعلت قراءته لهذا الفن بعيدة عن الاكتمال، كما صرح في ص 338.... ما لم يعرفه المقالح أن النماذج التي رويت له وهي المربعات ( كما سماها) لا تمثل إلا جزءاً من المنتج في هذا الفن.. ولعل وجود الجناس في صدري البيتين وعجزهما من كل نموذج هو ما جعل المقالح.. يرى فيها امتداداً أو احتذاء لمنجز الفصحى في استعمال البديع. بيد ان عشرات بل مئات النصوص من هذا اللون الشعري تتعدد فيها أشطار الطرق أو المرسم أو التسريح (أي البدء) فتكون ثلاثة أو أربعة أو خمسة، وقد تصل إلى تسعة أو أكثر.... بل إنها قد تصل إلى عشرات الأشطر، والشاعر جابر العبسي الذي عاش قبل (250) عاماً قال طرقاً مكوناً من تسع وثلاثين شطرة (العقيلي ص247)، ولأن هذا الشعر كثيراً ما يقال في مناسبة بعينها ويغنيه المطرّق (الشاعر) بنفسه إن كان من ذوي الأصوات الجيدة، أو يغنيه شخص آخر يسمى (المولش) ويحفظه منه في الحال... وتكون قوافي الأشطار مفاجأة للشاعر الآخر، فإن الشاعر الآخر ملزم بالرد الفوري غناء.. تجانس قوافيه قوافي الطرق، مهما كثرت أشطار ذلك الطرق.
ولكن الموضوعية تقتضي أن نقول إن الشاعر أحياناً (يطرق) لنفسه في شأنه من شؤونه أو في معنى من المعاني عنَّ له... فيكون هو المعني بالرد على نفسه.. فيفعل ذلك كما في حالة زربان وهو أشراف الموسم فقد كان يزور ميدي وينزل بأحد سكانها، وكان لضيفه فتاة جميلة، وكان البيت (سوحاً) بلا أسوار (مزاريب) ولا سواتر حوله، وبين أمكنته على الأقل تفصل (المنزلة) التي ينزل فيها الضيوف عن بقية الدار، فكان زربان يمتع ناظريه برؤية الفتاة كلما زراهم، حتى حدث أن جاء مرة لزيارتهم فوجد البيت قد بني حوله مزراب أو سور من القش، فصل (المنزلة) عن بقية الدار، فلم يعد يستطيع رؤية الفتاة التي كانت أيضاً قد خطبت، وكان خطيبها هو الذي بنى الدارة، حتى يحجبها عن الناس، وكان اسم خطيبها ربيع وهو رجل ميسور الحال، فقال زربان:
وربيع شله(102)
الطرق:
جَنَّبْتْ(103) واهْلَ امْنَخْلَ سَوَّوْا سَبَايِنْ(104)
دَارَ امْثَمَانْ(105) تَاهَتْ فُرُوعُهْ وْجَا النَّبْتْ(106)
وفِيْ امْشَهْرْ(107) مَالَتْ لَقْنِيَهْ(108)وَالْبَلَحْ دَارْ(109)
وْمُضَمَّنٌ(110) مَا عْلَى صْفُوقُهْ مَشَى ذَرّ(111)
تَسْعَى بِهِ الدُّقْلاَنْ(112) مَا رَى جَمَايِلْ(114)ض
طَرَّحْ بِهِ البَابُورْ(115) فِيْ جَالَ مَيْدِيْ(116)
وْزَّاغَرُوا التُّجَّارْ(117) وْرْبِيْعَ شَلُّهْ(118)
.........................................(119)
الرد:
أَرْسَلتْ لَكْ مَنْدُوبْ(120) سَوَّاسَ بَايِنْ(121)
حِنُّهْ غَبِيْ(122) مَا رَيَّعْ قَلِيْلْ(123) حَتَّى جَنَّبْتْ(124)
حِنُّهْ غَنِيْ(125) عِنْدُهْ ذَهَبْ والْبِلَ احْدَارْ(126)
مِنْ مَظْهَرُهْ(127) مَا يَخْرُجْ إِلاَّ مُشَذَّرْ(128)
يَا للِّي زْعَلْهَا مَالْ فِيْ جَالْ مَيْدِيْ(129)
كَنُّهْ مْذَارِيْ صَيْفْ(130) وْرْبِيْعَ شَلُّهْ(131)
مَا افْعَلْ وْمَا سَوِّيْ بْرُوْحِيْ عَلَى كَيْفْ(132)
وفي بعض الحالات... يتعمد الشاعر أن يقول طرقاً مغلقاً، أو معمى، وتكون التعمية غالباً من جهة السبب أو الدافع الذي يكمن وراء القول، وقد يلجأ الشاعر زيادة في التعمية أن يجعل المعنى اللفظي معمى أيضاً.. وفي هذه الحالة غالباً ما يكون الشاعر هو صاحب الطرق وصاحب الرد.. فهو يغلق الطرق عمداً، ولذلك يقول له المتلقون – السامرون أو المشاركون في الهود- (افتح) فيقول الرد موضحاً ما استغلق، كما في هذين المثالين:
(1)
كان لرجل اسمه الشاذلي من وادي مور ابنة جميلة، وقد وصفت تلك الفتاة للسيد هادي هيج، فاستدعى أباها وطلبها منه، فطلب من السيد هادي مهلة أيام حتى يرد عليه، وكان طلبه للمهلة بسبب أنه كان قد رَبَّى مع ابنته شاباً، وكان بين ذلك الشاب والفتاة حب يعرفه الأب ويرضى عنه، فامتهل ليخبر الفتى بما جد، فلما أخبره قال الفتى: يا عم إني إذا عارضت وعاندت تعبت أنت؛ لأن السيد هادي لن يتركك في حالك، فعاد والد الفتاة إلى السيد هادي موافقاً، وفي ليلة العرس أقيم الهود وبدأ الطارق يدور بين المشاركين في حضور السيد هادي، وعندما جاء دور الشاب اعتذر عن المشاركة، فأصر عليه السيد هادي أن يقول، فقال للسيد هادي: أقول والبساط أحمدي – أي أكون آمناً-.
فقال السيد هادي: قل والبساط أحمدي.
فطرَّق الفتى قائلاً(133):
الطرق:
سَمْبوْقْ(134) إِسْمُهْ الشَّاذْلِيْ سَاجْ عُوْدُهْ(135)
حَسْبَ الْمُعَلِّمْ رَدّ سِفْلُهْ وْشَارَا(136)
شَمَّرْ وغَثَّ امْجَوْشْ(137) ورَكَّبْ شِرَاعَيْنْ(138)
ونَاخُوْذتُهْ(139) حِيْنْ مَا رَأَى الْشّؤْمْ دَوّرْ(140)
فقال له الحاضرون: أغلقت، افتح الغلق، ما قصدك؟
فرد قائلاً:
ما انسى جعوده
الرد:
لاَنَا نْسِيْتَ امْزَيْنْ مَا انْسَى جْعُوْدُه(141)
مَنْ ذَا الذِيْ دَلَّكْ لِهَجْرِيْ وْشَارَا(142)
شَرَاه بيْدْ الْغِيْبْ مَا هُوْ شِرَا عَيْنْ(143)
سِيدُهْ غَنِي مِنْ غُزْرَ مَالُهْ(144) مَدَوَّرْ(145)
فأشهد السيد هادي الحاضرين أنه قد طلق تلك الفتاة، وأنه يزوجها بفتاها الذي تحبه ويحبها، فزفت الفتاة إلى فتاها في تلك الليلة.
(2)
نشأت علاقة بين شاب وفتاة اضطرم فيها الحب بينهما حتى وقع الاتصال الجسدي، فحملت منه، وبعد أن عرف بحملها تخلى عنها، وغيب نفسه عن عينها، وبقيت هي تتقصى أخباره حتى عرفت أنه يخرج عصراً مع جماعة من أصحابه إلى مكان يتنزهون فيه، فلحقت بهم، وفوجئ الشاب بها بينهم ولكنه سكت، فقالت للحاضرين: قولوا لي ما قال؟ فقالوا لها: ما قال؟ فطرقت قائلة(146):
الطرق:
بِيْ طَعْنَتَيْنْ فِي وسطْ جَنْبِي ولاَ دْمَن(147)
وكُلَّما شَدْوي(148) الجراحْ زَادْ وَلْمَا(149)
فلما أنشدت البيت انغلق معنى ما تريد على أولئك النفر، ما عدا صاحبها الذي وقف ساكتاً، فطلبوا منها الرد أو الفتح، فأنشدت:
الرد:
طَعَنْتَنِي(150) والْيُومْ تْقُولْ لِي وَلَدْ مَنْ؟(151)
واحْنَا تْعَاهَدْنَا عَلَى الزَّادْ وَالْمَا(152)
ففهم أصحاب الرجل ما حدث، فوبخوه وألزموه بالزواج منها.
يمكن أن نلاحظ أن الإغلاق في (طرق) المثالين السابقين كان إغلاقاً متعمداً للفت الأنظار.. كأن المسألة مسألة أعراف ووسائل أسلوبية تقوم بدور كبير في تنبيه المرسل إليه.
وهي أيضاً تؤسس علاقة ضرورية وشعوراً بالألفة يجذبان المتلقي.
ويمكن أن نلاحظ تالياً: أن الإغلاق يرتبط مرات بضرورة ملحة، فالقول بالنسبة للمرأة يساوي مستقبلها ووجودها، وفي مثل هذا الموقف هي محتاجة لمنبهين يلفتان نظر المتلقين.
الأول: قولوا ما قال، اللازمة التي لا ترتبط بهذا الفن وحده، وإنما تلازم الكثير من ألوان الشعر التهامي، يقولها الشعراء لمتلقيهم في المواقف الوجودية الفاصلة للفت أنظارهم.
الثاني: الإغلاق الذي يزيد من حالة التحفز عند المتلقي ويجره إلى المشاركة في (الحال) الذي يصير حاله أيضاً يخصه إبداعاً وموقفاً كما يخص صاحب القول.
***
أما قول (المقالح) أن شاعر الطارق عندما ينحو هذا المنحى البديعي فإنه ربما يكون قد نسي المهمة الأولى التي شاعت عن شاعر العامية، وهي التوصيل، توصيل ما لم تستطع القصيدة الفصحى توصيله).
فسببه عدم القدرة على تصور الواقع في بيئة وتقاليد وثقافة غير معروفة له.... فما يمكن قوله أن بيئة هذا الشعر تحتفي به احتفاء حاراً، وأننا قبل أن نحكم على فن ما وفق أسبقيات معرفية وثقافية من خارجه نسقطها عليه، يجب أن نحكم عليه بعد معاينته وعيش تجربته داخل بيئته... وفن (الطارق) في هذا السياق يصدق عليه قول هاورز في كتابه (الفن والمجتمع عبر التاريخ): إن الأشكال الفنية ليست مجرد أشكال نابعة من الوعي الفردي يحددها السمع والبصر، وإنما هي أيضاً نظرة إلى العالم يحددها المجتمع) وقد استشهد المقالح بهذا الكلام في نهاية بحثه.
ومصداق قول هاورز نقرؤه في كتاب العقيلي ص 214.. حيث قال: ( يروى أن المطرق) المعروف يوسف الحداد الصبياني خرج من مدينة ميدي إلى وطنه صبيا فقاده السير ورفقته في وقت الظهيرة إلى إحدى القرى.. فقال له أحد رفقة السير: يا يوسف، ها نحن مقبلون على هذه القرية، وقد أجهدنا السير، وبرَّح بنا السفر فرفه عنا قليلاً بصوتك.. فرفع عقيرته (ألا) اللازمة الصوتية، فلم يبق في القرية أحد إلا وخرج ولا فتاة إلا استشرفت تتطلع لذلك الصوت الفاتن، واستضيف هو ورفقته في تلك القرية إلى المساء، وخرج من القرية وهم يستزيدونه إلى أن قطع مسافة عن القرية، فسكت).
وقد حدثني الشاعر معبر النهاري أن عمه الشاعر المطرق الشهير محمد منصور النهاري دخل ذات يوم إلى دكان أحد أصدقائه في حارة من حارات مدينة (بيش) فطلب منه صديقه ذاك أن يطرق، وكان الوقت وقت قيلولة.. فما أن رفع الرجل صوته (ألا) حتى خرجت نساء الحارة كلهن يكنسن أمام أبواب بيوتهن، وذلك ليس موعد الكنس أمام البيوت، فموعده بعد العصر.... ولكنهن لم يجدن حجة غير هذا العمل يتحججن بها للبروز إلى الشارع من أجل سماع ذلك المبدع.
4- ذهب المقالح إلى أن (هموم الشاعر في هذه المربعات ( كما أسماها) لم تكن هموماً اجتماعية أو ذاتية، وإن كانت الدلالة الاجتماعية والعاطفية لم تغب عنها، ولكنها في أعمق رؤية لأبعادها هموم فينة بحتة، هموم اصطياد الشكل الفني أو الجمالي الذي يسعى إلى إدهاش القارئ وانتزاع إعجابه بالقدرة التعبيرية على خلق أنساق لغوية متشابهة الإيقاع متجانسة الشكل، ولكنها بعيدة الدلالة متغيرة المعنى، لقد اقتضت هذه الهموم الشكلية من الشاعر وقتاً طويلاً... وهو لا ريب يشبه شاعر المقامات ذلك الذي أقحم الشعر في ارتياد ميادين هي إلى النزعة الذهنية أقرب منها إلى البراعة الشعرية. وكأن هذا الشاعر العامي قد خرج من معطف ذلك الشاعر الفصيح مع فارق يتمثل في أن الأخير قد كان أقرب على عاميته إلى مفهوم الشعر، وبناء الصورة الشعرية من سلفه القديم).
وفي هذا الكلام صواب ومجانبة للصواب؛ لأن هذه الدلالة الاجتماعية والهموم الذاتية في نصوص الطارق حاضرة حضور الهموم الفنية، أما تشبيه شاعر الطارق بشاعر المقامات فحيف كبير...... ولعل عدم قدرة المقالح على تذوق
النص والشعور بشحنته الوجدانية الهائلة بسبب اختلاف اللهجة، والغربة عن مفرداتها، والدلالات التي تخلقها المسميات والإشارات المرجعية إلى رموز ثقافية وبيئية خاصة، والانزياحات اللغوية الخارجة من اليومي الثري..... وما تخلقه من إحساس جارف بغنائية النص وحلاوته ودهشته، لعل ذلك هو ما جعل المقالح يذهب إلى ما ذهب إليه وهو ليس من الصواب بالمرة.
وهذا مثال بسيط على أن اللعبة الفنية في هذا الشعر ليست من نوع اللعبة الفنية في شعر المقامات:
عشق شاب فتاة وكانت بينه وبينها مواعيد لذة، وكان يدخل على أسرتها دائماً على جاري عادة الناس في قرى تهامة بدون أن تحتجب الفتاة منه فيأكل معهم ويشرب.
فدخل يوماً وقد حن لها، فوجدها مع أسرتها يأكلون عيشاً (كدراً) وحقيناً (رائبا) ، فقالوا له: تفضل، كل معنا.... ولكنه كان في وادٍ آخر، فطرَّق ملمحاً للفتاة أن تتبعه(153):
الطرق:
الله شَفَانَا(154) مِنْ عَيْشْكُمْ وَالْحَقِيْنَا(155)
ففهمت الفتاة قصده على الفور، وأنه يريد منها أن تلحق به ليقضيا وطرهما، فردت:
الرد:
الله شَفَاكَ مِنْ حَقِيْنَا(156) وعَيْشْ شَاتِيْ(157)
فقال أخوها لأبيه: يا أبي زوجهما، بمعنى أن الولد فهم أن قوله (والحقينا) بمعنى ألحقي بي ، وقولها (وعيش شاتي) بمعنى عش فإني سآتي.
***
وإذاً فإن جوهر نص الطارق هو إغناء اللحظة الجمالية ليس بالجناس اللفظي فحسب بل بالجناس المعنوي الخفي، الذي تتكشف فيه للإنسان كينونته من خلال موازاتها بكينونات جيرانه في الطبيعة من زرع، ونبات، وشجر، ومطر، وبرق، ورعد، وسيل، وجدب، وشمس، وقمر، ونجوم، وكواكب، ووديان، وبحار، وجبال، وريح وطير وحيوان، إضافة إلى كيانات ورموز أخرى متجاورة مثل: (أطيط أحمال الجمال، ورفرفة أجنحة العصافير، وهدير الموج، وانتفاخ الأشرعة ورخاوة الرداح، (بل) الرداح المتخم بالخصوبة واحتضان الزُّبر للماء الحاقل= المحقل المعقم) ولحظات انفراط العلاقة في المجران بين حب الدخن، وقمعه، وتهضم القصاع المعزمة يُذهب في طيات النسيان رويداً رويداً، زهوها عذوقاً على جذلها (قصبها) قبل أن تداعبها أيدي الصاربات.
ثمة روائح ونكهات وطعوم وأصوات مسموعة ولذيذة وأدوات زينة وأنواع كثيرة من النباتات العطرية والمشاقر تحضر دائماً في مشهد الطارق.
وهو رغم الأغطية والإيهامات اللفظية التي يتغيم بها، إلا أنه نص عار وبسيط، وهو بذلك يستطيع سرد حكايات وجود واسعة، وقصص نبض طويلة في كلمات قليلة مسيجة بالجناسات اللفظية والأوزان.
وكما يتقاسم الجناس اللفظي دهشتنا إزاء فنية النص، يتقاسمها أيضاً الجناس المعنوي الخفي ثمة تقاسم دائماً بين الهم الأساسي للنص بين وجود (المحبوب) أو (المحب) مثلاً، ووجود العنصر الطبيعي الموازي له.. ثمة علاقة تلقائية مع الطبيعة وجيراننا فيها، الإنسان ينتمي إلى الطبيعة بالمعنى الحقيقي للكلمة، والطبيعة تنتمي لما هو إنساني بالمعنى الحقيقي للكلمة.
ثمة الصدق والتدفق الطبيعي العفوي للمشاعر والكلمات، وذلك الانشحان الصادق في النصوص بالوجود الحي للوجدان في بكارته وفي جذوره الفطرية.
وثمة جدلية بين وجودين يجتمعان في مشهد بسيط في معنى أخاذ في دهشة حارقة أو لوعة تختطف المرء من نفسه، وتمزقه على حافات ذاكرته ووجوده الأول:
الطرق:
دُخْنْ مَا احْلَى غَلَّتَكْ والْقَمَعْ(158) لام
وقُصَاعَتكْ(159) بعد امْخَبِيْطْ عَزَّمُوهَا(160)
الرد:
بُدّيْ بَهرْجَهْ مُولِفي والْقَى مَعْلاَمْ(161)
قَلَّ حَيْلَكْ يَالمولع عَزَّمُوها(162)
التأمل في النص يضع بين أيدينا وجودين:
وجود الدخن بالتأكيد عذوق الدخن في المجران، وقد تعاورتها الحنايا (عصي الخبيط) ففصلت الحب عن قمعه، وبقيت قلوب العذوق (العضابير والعزمة) مقصعة مهضمة التساؤل الحارق ما قيمة القمع، وقد انفصل عنه الحب، إنه لا شيء مجرد قمع تطيره الرياح هباءً، هذا العالم كله في موازاة عالم المحب الذي فارق محبوبته، فهو أيضاً فارق روحه وبقي جسداً بلا روح مثل القمع تماماً، عزمة القمع المهضومة الموجوعة بالحنايا هي أيضاً قلبه الأليم الموجوع بالبعد والفراق.
هذا الجناس المعنوي يؤكد عليه الجناس اللفظي بين (القمع لام) في صدر البيت الأول، و(القى معلام) في صدر البيت الثاني، كذلك الجناس اللفظي (عزموها) في عجز البيت الأول (من العزمة= بقايا العذوق المخبوطة)، و(عزموها) في عجز البيت الثاني، بمعنى رحلوها أو سفروها.
هكذا تتواشج في نسيج واحد كينونة ووجود شاعر الطارق بكينونة ووجود الطبيعة ومفرداتها، في وجودٍ أو كينونةٍ شعرية فريدة.
***
إن دراسة هذا الشعر تحتاج منا إلى التخلص من الإلزامية الشعرية التي تفرضها علينا تصوراتنا عن بديعيات الشعر العربي الفصيح (الجناس خاصة)، وهي إلزامية تقيد تصوراتنا وتحجبها عن رؤية المختلف في شعر الطارق، تلك الرؤية التي سنكرر كثيراً أنها يجب أن تشمل النظر في بيئة هذا الشعر، وطبيعة الثقافة والعلاقات الاجتماعية للمجتمع والنطاق الجغرافي المنتجين له.. لا بد من البحث عن مغذياته بعيداً عن الامتثال السهل لما يبدو تماثلاً بينه وبين ما نتوهم أنه يشبهه في الفصيح.
المعاينة بدلاً من المعايرة، هذا ما نحتاج إليه أن نعاين هذه النصوص بدلاً من أن نعايرها على غيرها القادم من سياقات غير سياقاتها.
نحتاج إلى محاولة جادة لدرس هذا الفن في ضوء ما نتعرف عليه لا في ضوء ما نعرفه، فشاعر الطارق شاعر بسيط أمي أو محدود المعرفة – المعرفة بما هي قراءة وكتابة وثقافة كتب- في الغالب، ولذلك فهو يعيش الحياة بحسه، ويتأملها بحسه، ونص الطارق ليس نصاً فلسفياً بالمعنى المعرفي الذي يوحي به هذا اللفظ (فلسفة)، بل هو نص تجربة ذاتية يعيشها وتعيش فيه.
نص الطارق لا يقوم فيه الشعر على اختراع المعاني وتوليدها بين متقدم متأخر، بل يقوم على تجارب جمالية تماثل أو تقابل وتوازي بين عالمي الجناس اللفظي والجناس المعنوي، حيث تتنوع التجارب بتنوع المشاهد والأحاسيس والمؤثرات المختلفة، خصوصاً مؤثرات البيئة وثقافتها، وفي كل حال فإن أفكار النص وعواطفه لا تقال مباشرة، بل عبر سلسلة من الكنايات والرموز الموازية، والكيانات اللفظية المتجانسة، ومعنى ذلك أننا بحاجة لرهافة الذوق، والانتباه إلى الموحيات وراء النص من أجل فهمه.
الملاحظ أننا في نص الطارق نخرج بأفكار وأحاسيس وعواطف ولذات أعمق كثيراً مما نجد في ألوان شعرية أخرى.
إن من يعتقد لمجرد الجناس اللفظي أن الطارق يماثل أو يمتثل لمنجز البديع التقليدي في القصيدة الفصحى يقع في خطأ التعميم والسطحية الساذجة؛ لأن علينا أن نلاحظ أن ثمة أدوات بلاغية تقليدية أخرى تغيب عن نص الطارق مثل التشبيه وأدواته، فنص الطارق كما قلنا نص مشهدي، وهو يوجز غالباً في الإيحاء ولا يفيض في الوصف.
**************************************
الهوامش
* مقدمة لكتاب (الطارق إبداعي تهامي خارج المألوف) جمع وتوثيق الباحث علي قشر.
(1) استفاد هذا التقديم الكثير من المعلومات حول هذا اللون الشعري من خلال عدة لقاءات مع الشاعر معبر النهاري أثناء زيارته لصنعاء في شهري يوليو وأغسطس 2005م.
(2) امناجي ثواب وكوميديا الألم: علوان مهدي الجيلاني، ص43 (تحت الطبع) رواية عن الشاعر يحيى مناجي ثواب من القناوص بتاريخ 10/4/2005م.
(3) يا راك: أيها الأراك (شجر الأراك المعروف). في وادي المسمى ودي راك: في الوادي الذي يسمى وادي الأراك.
(4) ما قط يوجد عندنا راك منه: لا يوجد لدينا أراك مثله.
(5) شاحن: مُحَمَّلْ. زعابر وديراك: نوعان معروفان من السمك.
(6) وارى امحماله: وأرى الحمالين. راكمنه: قد ركموا بعضه فوق بعض.
(7) مرجع المعلومات موقع أبناء الساحل الإلكتروني.
(8) الهود: يطلق الهود في مناطق وادي مور وما بعدها من بلاد الشام على العرس أو الختان أو أي مناسبة احتفالية كبيرة، وبعضهم يسميه (الهوب).
(9) نسبة النص إلى ابن مجثل رواية عن الكاتب المعروف عبد الإله القدسي. وفي مدونة الكاتب علي أحمد قشر ينسب النص إلى الشيخ امحمد عمير شامي.
(10) رجال حلت ديرة البن هابه: رجال سكنت في بلاد البن ولها هيبة.
(11) ولا يصلها من تخوف ومن هاب: ولا يمكن أن يقتحمها من في قلبه خوف أو تهيب.
(12) التاجر اللي من عدن جال بنه: جوّل بنه ووضعه في أجولة (أكياس)، أو التاجر العدني الذي جاء مع بُنّه.
(13) لما تغالى موسمه: لما اشتد الطلب على بنه (وقعت له حظوة وراج سوقه). حتت البن: انتهى البن.
(14) إن كان كسب الفايدة بالنهابه: إذا كان حصول ما نريد بالنهب والسلب.
(15) شا هب على امجادل: شا هب بمعنى سوف أعمل، وامجادل (الجادل) وهي الغزالة، وهي أيضا الفتاة التي جدّلت شعرها.
(6) عشيه ومنهاب: هجوماً ليلياً (ليلة سوداء) ومنهاب: ونهباً شديداً.
(17) واشرب من المحض: وأشرب من اللبن الصافي الصراح. الذي جالبنه: الذي يريدون بيعه (جلب بمعنى أخذ الدابة أو الدواب لعرضها في السوق حتى يتم بيعها، ويقال لمن يبيع ويشتري الدواب: المجلبي، ويسمى المكان المخصص لبيع وشراء الدواب في السوق: المجلاب، وتسمى الأعداد من الضأن أو الغنم التي يذهب بها إلى السوق أو يؤتى بها من السوق: الجلب).
(18) ما نا مراعي للبكور حتى تلبن: لن أنتظر حتى تكبر صغيرات النوق وتمتلئ ضروعها باللبن، وهو يكنى بذلك عن عدم انتظاره للصغيرة حتى تكبر.
(19) النص من مدونة تشتمل على ألوان مختلفة من الشعر الشعبي أرسلها لي الأستاذ علي الأهدل من صامطة بتاريخ18/8/2001م.
(20) سرح النعم: الجمال السارحة.
(21) بعلقات: وادي أو مكان.
(22) كم يا خضر: الخضر هي النباتات والأشجار المتنوعة الشديدة الخضرة.
(23) مالن: مالت.
(24) ودكن: دكت، أي رعتها رعياً تاماً.
(52) بكور: جمع بكرة، وهي الناقة الشابة.
(26) فارق محضها في دماها: أي أنها لم تلد ولبنها لا يزال في دمائها.
(27) شيا رغث: البعض منها لا يزال صغيراً.
(28) وجنبات: الناقة الجنب وهي الناقة الحامل.
(29) وشايل: حامل، وهي كناية عن امرأة تحمل طفلاً في جنبها.
(30) هدن: هدت، أي نزلت.
(31) وتباركن به: كثرت فيه. وحسن حالها، وهي كناية عن انتعاش المكان بالقادمات إليه.
(32) راس غوله: اسم جبل.
(33) بع القات: قم ببيع القات الذي نزلت به.
(34) رجال يشرنه: يشرونه أي يشترونه.
(35) عشيه ودكن: أي يشترونه في المساء ويتكئون لتناوله.
(36) الفايته: البعيدة.
(37) فيد ماها: غزير أمطارها.
(38) أجا نبات: نبت مرة أخرى.
(39) وشايل: المطر الذي يتساقط قطرة قطرة.
(40) الخضر والياس: نبيان من الأنبياء، وقيل: إن الخضر ليس نبياً ولكنه عبد صالح.
(41) يتباركن به: يطلبون منه البركة.
(42) مرجع النص محمد حبيبي (موقع أسمار الإلكتروني).
(43) زيديه: نوع من الذرة البيضاء.
(44) في رداحك: في حقولك (الرداح: جمع ردحة، وهي قطعة الأرض الصغيرة المدسومة-الخصبة).
(45) حت حبك: تناثر حبك، وقد يكون المعنى فني أو عدم وانتهى.
(46) تسعين بازل: تسعون جملاً، والبازل: الجمل الكبير المسن الذي بزل نيبه.
(47) حملت منك تبرا: حملت منك ذهباً (كناية عن الحب الصافي).
(48) ولعت قلب غافل حتى حبك: ولعت قلباً خالياً فغرق في حبك، وهذا يشبه قول الشاعر القديم:
عرفت هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلبا خالياً فتمكنا
(49) واليوم تقل لي: واليوم تقول لي.
(50) ذمتي منك تبرا: برئت ذمتي منك (أنا بريء منك).
(51) مرجع النص علي العواجي (موقع أسمار الإلكتروني).
(52) يامزيديه: نوع من الذرة البيضاء.
(53) ريته امهجف: ليت الحمام، أو رأيت الحمام.
(54) حت حبك: أنهى حبّك أو أفناه أو أعدمه.
(55) الما يدرج: الماء يمشي متدرجاً.
(56) في وسادك: ......................
(57) ومحوي: ومستقر.
(58) سبق تفسيره.
(59) عزايم: نوع من الحروز والتمائم. ومحوي: أي أكتب حروزاً وطلاسم على آنية ثم أمحوها بالماء (ويسمى هذا بالكتب والمحو) ويتم محو الكلام وجعل المريض يشربه ليشفى، أو جعل المستهدف به -إن كان الكلام سحراً- يشربه ليتم امتلاكه والسيطرة عليه.
(60) مرجع النصين محمد حبيبي (موقع أسمار الإلكتروني).
(61) براق من تو الجزاير: بارق من جهة الجزر.
(62) يضي ماه: يضيء ماؤه.
(63) اسق البنادر كلها: سقى المدن كلها.
(64) واسق ميدي: وسقى مدينة ميدي.
(65) الفرقه: الفراق.
(66) يا ضيماه: ما أقساه (الضمير عائد على الفرقة) والمقصود أنها قاسية إلى درجة الضيم والشعور بالحيف.
(67) أسقم عظامي كلها واسقم ايدي: أمرض وبرى عظامي جميعها حتى بان السقم والنحول والتعب على يدي.
(68) براق من تو الجزاير: بارق من جهة الجزر. لمع لول: يلمع مثل اللؤلؤ.
(69) وتْرى: وترى (تنظر).
(70) شعاب امسيل: الشعاب التي يجري فيها الماء (المسايل).
(71) متفرقا به: تتوزعه.
(72) يا رب لا تهدي مليحه لمعلول: يا رب لا تعطي امرأة جميلة لرجل مريض أو به علة.
(73) تمسي مع امبيات متفرقا به: تظل رغم مبيتها معه كأنها مفارقة له فهي تبيت معه ولا تبيت، وهي قريبة منه ولكنهما متباعدان؛ إذ لا يجمعهما ما يجمع الزوجين.
(74) له رؤية ثاقبة في هذا الجانب في مواضع متفرقة منشورة على موقع (أسمار الإلكتروني).
(75) الشفاهية والكتابة – تأليف: والتر، أونج. ترجمة د. حسين البنا عز الدين، مراجعة د. محمد منصور، ص33، سلسلة عالم المعرفة، فبراير 1994م.
(76) المرجع: (موقع أسمار الإلكتروني).
(77) مرجع النص د. مهدي الحكمي (موقع أسمار الإلكتروني).
(78) يا دخن في الأوثان: الدخن: نوع من الذرة معروف، الأوثان: جمع وثن، وهي الحدود (وقد يكون المقصود بها هنا الشواجب).
(79) ما كن لكبي: كأن جذوره ليست بالثابتة في الأرض لكونه مزروعاً في أرض رخوة.
(80) ويزين في الجلة: ويزين أي يحلو زرعه في الجلة؛ وهي الأرض الرملية البيضاء.
(81) مع لباس طينا: مع لباس من الطين أي مع طبقة من الطين خفيفة (التفسير مستفاد من الأستاذ الشاعر/ معبر النهاري (منطقة بيش) في اتصال تلفوني معه بتاريخ5/5/2006م).
(82) خاصم وكثر قبح: أكثر من خصامك ومن الكلام القبيح.
(83) ما كن لك بي: أي شيء لك عندي وماذا لك عليّ.
(84) حسك تلاغيني: إياك أن تحدثني (لا أريد أن أبادلك الحديث).
(85) مع الباسطينا: مع السامرين (يسمى الحديث بين مجموعة من الناس في سمر بسطة أو مباسطة فيقال: جلست في بسطة، وحصلت بيننا مباسطة، وجلست مع ناس باسطين، وعادة ما يأخذ معنى البسطة جانب من السمر اللطيف الذي فيه فرحة وبشاشة، ومن هنا جاء قول الشاعر أحمد سليمان:
سمعت امسجل شغال وانا أحب امبسطه)
(86) مرجع النص محمد حبيبي (موقع أسمار الإلكتروني).
(87) الرداح: حقول.
(88) مسطر: محصود في سطور منظمة على الأرض ليجف قصبه وعذوقه.
(89) الصوارب: القاطفات.
الحب الهجري: نوع من الذرة البيضاء تسمى في منطقة ما بين الواديين مور وسردود الشَّبّ الهجار أو الشّب الهجري.
(90) من الروس: من رؤوسك (من أعاليك).
(91) خل الكلام: اجعل الكلام.
(92) بيني وبينك مسطر: بيني وبينك مخفوظاً ومستوراً.
(93) حتى نتلاقى ونتكلم من الروس: حتى نلتقي ونتكلم وجهاً لوجه.
(94) مرجع النص ريح الشمال (موقع أسمار الإلكتروني).
(95) يا عسل قد كنت حالي ومريت: أيها العسل كنت حلواً ثم أصبحت مراً.
(96) خلاص مرن ذوقتك: أصبح مراً مذاقك.
(97) بعد حالي: بعد أن كان حلواً.
(98) اليوم تلمح: اليوم تنظر شزراً.
(99) لمن ريت: لمن رأيت.
(100) قدني مترك صحبتك بعد حالي: لقد قنعت منك وأصبحت مشغولاً بنفسي لا أفكر فيك.
(101) النص وقصته من مدونة علي قشر.
(102) جنبت: مررت.
(103) واهل امنخل سووا سباين: وأصحاب النحل قد بنوا أحواضاً له.
(104) دار امثمان: مرت ثمانية أيام.
(105) تاهت فروعه وجا النبت: طالت فروعه ونبتت فروع جديدة.
(106) وفي امشهر: بعد مرور شهر.
(107) مالت لقنيه: تدلت الأقنية أي أقطاب البلح التي تحمل الثمار.
(108) والبلح دار: ونضج البلح.
(109) ومضمن: ومضمون.
(110) ما على صفوقه مشى ذر: لم يمش النمل على أوراق جريده، أي أن الحشرات والآفات لم تصب هذا النخل، وبالتالي فبلحه سليمٌ. ولا يخفى ما في الكلام من كناية.
(111) تسعى به الدقلان: تسير به السفن (مجازٌ ذكر فيه الجزء (الدقل) والمقصود الكل (السفينة).
(112) ما رى جمايل: لا أرى جمالاً (جمع جمل).
(113) طرح به البابور: رسى به المركب.
(114) في جال ميدي: في ساحل ميدي.
(115) وزاغروا التجار: تنافس التجار (تجاكروا).
(116) وربيع شله: أخذه ربيع.
(117) سقط بيت من الرواة.
(118) أرسلت لك مندوب: أرسلت لك رسولاً.
(119) سواس باين: ظاهر عليه الفهم والحنكة مثلما كنت أتوهم.
(120) حنه غبي: ولأنه غبي.
(121) ما ريع قليل: ما انتظر قليلاً من الوقت.
(122) حتى جنبت: حتى أمر عليه (أو حتى تأتي).
(123) حنه غني: ولأنه غني.
(124) والبل احدار: والإبل مجموعات يدور بعضها حول البعض الآخر.
(125) من مظهره: من عاداته في مظهره أو من لوازم مظهره.
(126) ما يخرج إلا مشذر: لا يخرج إلا لابساً الشيذر، عباءة سوداء تغطي جسمه.
(127) ياللي زعلها مال في جال ميدي: يا التي زغب (الشعر الخفيف) يميل على ساعديها.
(128) كنه مذاري صيف: كأنه زرع صيف في أوله (المذاري: نبات الذرة أو الدخن خلال الأسبوعين الأولين، الذي يكاد يعلو متالمه.
(129) وربيع شله: وجاء عليه الربيع (المقصود مطر آخر الربيع).
(130) على كيف: على أية كيفية أتصرف.
النص وقصته من مدونة علي قشر رواية عن علي زين باشا.
(131) النص من مدونة علي قشر، وقصة النص عن الشاعر أبو القصب الشلال رواها في مقيل جمعية الحديدة –صنعاء- يوم الجمعة 19/8/2005م.
(132) سمبوق: هوري أو مركب.
(133) ساج عوده: عوده من الساج أي خشبه من شجر الساج.
(134) حسب المعلم رد سفله وشارا: تفنن الصناع في صناعة المركب. وشارا: نوع من الصفائح التي يعمل بها أسفل السنابق.
(135) شمر: انطلق بسرعة، وغث امجوش أي جمع اللؤلؤ.
(136) وركب شراعين: وركب شراعين.
(137) ناخوذته: ربان المركب.
(138) دور: عاد. هذا الشطر اعتمدنا فيه على رواية الأستاذ/عبد الإله القدسي، أما مدونة علي قشر فتورده هكذا:
وناخوذته حين رأى امشعب دور
وهو غير مستقيم المعنى والمبنى.
(139) ما انسى جعوده: ما أنسى شعره.
(140) من ذا الذي دلك لهجري وشارا: من أشار إليك وحرضك لهجري.
(141) شراه بيد الغيب ما هو شرا عين: شراعين في القول الأول يقصد به شراعي المركب، وفي القول الثاني يقصد بها شراء معاينة.
(142) من غزر ماله: من كثرة ماله.
(143) مدور: لم يسأل لأن ماله كثير جداً.
(144) مراجع هذا النص كثيرة، وفي بعضها تحريف، والمعتمد هنا مدونة علي قشر، أما قصة النص فرواية عن الشاعر أبو القصب الشلال رواها في مقيل جمعية الحديدة –صنعاء- يوم الجمعة 19/8/2005م.
(145) بي طعنتين في وسط جنبي ولا دمن: طعنت طعنتين في جنبي ولم يخرج الدم.
(146) وكلما شدوي: وكلما هممت بمداوة جراحي.
(147) زاد ولما: زاد ألماً.
(148) طعنتني: طعنتني بمعنى نلت مني ما تريد (حملت منك)
(149) واليوم تقول لي ولد من: واليوم تنكر أبوتك للذي في بطني وتسألني: هو ولد من؟
(150) واحنا تعاهدنا: ونحن قد تعاهدنا. على الزاد والما: أن يفي كل منا لصاحبه.
(151) مرجع النص الأستاذ أبو القصب الشلال، رواها في مقيل جمعية الحديدة –صنعاء- يوم الجمعة 19/8/2005م.
(152) الله شفانا: شفاني الله.
(153) من عيشكم والحقينا: من خبزكم والحقين (الرائب). وفي الكلمة تورية فالمعنى الأول لها هو: الحقين، أما المعنى البعيد فهو: اللحاق به. وهو المقصود.
(154) الله شفاك من حقينا: أي انصرفت نفسك عن الرغبة في شرب الحقين.
(155) وعيش شاتي: وفيها تورية أيضاً، فالمعنى القريب هو: العيش أي الخبز، وشاتي: الواحدة من الشياه، والمعنى البعيد: هو الدعاء له بالعيش (العافية) حتى تأتيه (تلحق به) فقولها: شاتي؛ معناه سآتي (سألحق بك) وهو المقصود.
(156) القمع لام: القمع هو بيوت الحب في سنبلة الدخن؛ لأنها على شكل قمع. ولام بمعنى ملأ المكان كله. والشاعر هنا يتحدث عن الدخن بعد خبيطه وتنقيته، فعادة ما تنتشر حبات القمع في المكان كله.
(157) القصاعة: مزيج من الحب الذي لا يصفى، وعضابير السنابل غير كاملة الخبيط.
(158) العزمة: هي مزيج من القصاعة الموصوفة سابقاً وبقايا سنابل كاملة قد خرج منها الحب.
(159) الهرجة: الكلام، والقى معلام أي أعرف أخبار من أحب.
(160) عزموها: بمعنى سفروها