أمسيـة من تُراثيـات المـــرأة اليمنيّـة
الخميس, 30-أكتوبر-2003المؤتمرنت: خاص - نـزار العبـادي -
في كل مرة يحتار قلمي بين القصص والمأثورات، وبأيُّها سيبدأ . فكلها جميلة، وكل ما في تراث اليمن يستحق الحديث عنه، فليعذرنا القارئ إن قدّمنا موضوعاً على سواه لأننا نعتقد أن المرء كيفما تذوق الشهد، وفي أي طرف غمس إصبعه فلن ينقص ذلك من حلاوته شيئاً، وهكذا الحال مع موروثنا الشعبي.
v ذكــاء امـــرأة :
يُحكى أن امرأة تخاصمت مع زوجها فاعتزلته إلى دار أهلها (حَنَقت) . وبعد أيام من ذلك لحق بها الزوج ؛ ليعمل على ردها إلى داره. فرحب به الأب وعزم عليه البقاء على الغداء. ولما كان وقت الغداء أحضرت هذه المرأة صحن العصيد ؛ لكنها رأت أن (السَّمن) قد انحاز بعيداً عن متناول زوجها (فقد جرت العادة أن يُسكب المرق فوق العصيد أولاً، ثم يوضع السمن البلدي فوقه على أمل أن تعمل حرارة المرق على إذابة السمن) ففكرت المرأة بطريقة تجعل فيها السمن يغطي الجانب الذي بمتناول الزوج، فقالت:
ما الذي أتي بهذا (تعني زوجها) إلى هنا؟ إذا كان يريد إعادتي إليه، فو الله يا أبي لو عجنتم دمي ودمه هكذا (وغمست إصبعيها بصحن العصيد وأدارتهما فيه فاختلط السمن وصار أمام الزوج) فلن أعود إليه أبداً..!
فانتبه الأب لحيلة ابنته، وعرف مقدار حبها لزوجها . وبعد الانتهاء من تناول العصيد قدموا طبق الرز، وفوقه دجاجه مشوية. فطلب الأب من ابنته أن تقسم الدجاجة على الحضور - وكان يجلس إلى المائدة الوالدان واثنين من أخوتها وزوجها- فباشرت القسمة، وقطعت صدر الدجاجة ووضعته أمام والديها قائلة:(الصدر والرأس لمن تربعّ الصدر وجلس على الرأس)، ثم قطعت الجناحين ووضعتهما أما أخويها قائلة: (الجناحان لأخواتي ذي هم جناحيّ)، ثم قطعت منطقة أعلى فخذ الدجاجة- وهي الجزء المفضل عند العامة ويسمونه (السُّكَّبي) - ووضعته أمام زوجها قائلة:( وهذا السُّكَّبي لمن لعَّن أمي وأبي). فضحك الأب وقال: (أكملي طعامك يا بنتي وعودي مع زوجك إلى بيتك.. فو الله لاغنى لكما عن بعض!).
v مثـل شعبـي (المرة المدبِّرة خيرٌ من الضِّمد المشَمِّر)
يضرب هذا المثل على المرأة التي تحسن إدارة وتدبير شئون بيتها ومعيشة أسرتها. أما (الضِّمد) فيراد به زوج من الأثوار تُربط إلى بعض ، وتُستخدم لأغراض الحراثة. وحرص الفلاحون على أن يكون زوج الأثوار بنفس العمر، والحجم، وبنفس القوة لتأتي حركتهما متوافقة ومتعادلة، فلا يتسببان باعوجاج خط الحراثة.
أمّا في كيفية جر المحراث. فقد جرت العادة على وضع لوح خشبي متين جداً فوق عنقيهما، ويُربط إلى وسطه (مابين الثورين) وتدٌ خشبيٌ متين وطويل ؛ بحيث يمتد بحوالي المتر خلف الأثوار، وتُركب في طرفه الأخير شفرة الحراثة الحديدية. وغالباً ما يصنع الفلاحون فوقها ثُقلاً ليحافظ على غرس شفرة المحراث في الأرض. وهناك مثل شعبي يمني – آخر- يقول: (خُبـر البقـر تحت الأهْجـاج).
أي أن المرء لا يُبان جهده، أو مقدار ما يُمكن أن يأتي به إلاّ حين يخضع للتجريب ويصبح في ميدان العمل الفعلي.
v الزَّوجَــة والعَمـــّة
ظلت علاقة الزوجة مع عمّتها (أم زوجها) علاقة مشحونة بالكثير من الخلافات والنزاعات، ولم يستقم لها حال إلاّ فيما نَدَر، لكن في اليمن قد نجد تراجم شعرية لهذا عند المرأة الريفية، كما هو الحال مع قول إحداهن:
لمُّوا لي العّمات لا غَرارة *** وإدّوا قدحْ باروتْ شلْصي بنارهْ
يا عمتي كيف البصرْ بحالي *** ضاع الشباب وطالت الليالي
يا عمتي شلّوش بالصوابرْ *** وافدوا عَلَيْش (نَعْوَه) و (العَوابِلْ)
يا عمتي جِعِلْ لِشْ مصيبةْ *** ذي تفرِّقي المحبوبْ من حبيبهْ
ملاحظة:غرارة= جونية .
v المَـرأة – مَوْقف مَع الثـَّـورة
ربما لا يخطر ببال أحد أن المرأة اليمنية امتلكت من الوعي ما يؤهلها لتسجيل موقفها التاريخي من ثورة 26 سبتمبر 1962م، لكن الحقيقة تقول أن صوت المرأة كان حاضراً مع صوت الثورة، وأنها هللت للجمهورية . وباركت بُشراها. وليس هناك ما يدلل على ذلك أكثر من هذا (البال) الذي أنشدته إحدى اليمنيات بين جمع غفير من النسوة، قائله فيه:
أبـْدع بما لك عباده ما حد يملكـه *** وحافظ الميل والقبطان ذي حّركهْ
والحمـد لله دايـم حمـد متكللة *** حمداً على العافية وهمنا فكَّكـهْ
شلّين به يا صَبايـا كّمن معنَّكـهْ *** شلّين بالبال هذا العيد ما أبركـهْ
أمطارْ خيراتْ والوديان قدي وادِكَهْ *** الحمـد لله زالـت دولة المملكة
لا عادْ بِهْ ظُلم ولا أحكامْ متشابكة ْ *** (جَمال) ذي جّمل الدنيا لماّ تسابكهْ
ومن الجدير بالذكر أن هذا البال لم يسبق نشره، أو تدوينه، ويعود إلى امرأة من محافظة الضالع.
v ونجدد التأكيد لقرائنا بأن "المؤتمرنت" ستنفرد - طوال أيام شهر رمضان المبارك - بإهداء قرائها نصوصاً تراثية شعبية يمنية نادرة ورائعة، ولم يسبق نشرها.