حدود من دماء.. كيف سيبدو شرق اوسط أفضل
السبت, 13-يناير-2007بقلم/ رالف بيترز - لا يمكن أبدا أن تكون الحدود بين الدول عادلة تماما. لكن درجة انعدام العدالة التي تفرض على هؤلاء الذين ترغمهم الحدود على أن يكونوا معا أو منفصلين تُحدِث اختلافا هائلا – وغالبا ما يكون هذا الاختلاف هو بين الحرية والقمع، أو بين التسامح والعنف، أو بين حكم القانون والٳرهاب أو حتى بين السلم والحرب.
وتشكل حدود افريقيا والشرق الأوسط الحدود الأكثر اعتباطية وعدم وضوح في العالم. رسمها الأوروبيون الذين لا يهتمون ٳلا بمصلحتهم (وهم قد نالوا اضطرابات كافية لتحديد حدودهم)، وتستمر الحدود الٳفريقية بالتسبب بملايين القتلى للسكان المحليين. ولكن الحدود غير العادلة في الشرق الأوسط -والاستعارة هنا من تشرشل- تولد مشاكلَ تتخطى القدرة المحلية على الاستيعاب.
وفي الوقت الذي لدى الشرق الأوسط مشاكل اكثر من مشكلة الحدود التي لا تقوم بوظيفتها - من الركود الثقافي ٳلى اللامساواة الفضيحة ٳلى التطرف الديني المميت – فان العقدة الكبرى في الجهد من أجل فهم الفشل الشامل للمنطقة ليست اﻹسلام، بل الحدود المقيتة بين الدول، تلك الحدود التي يقدسها ويعبدها دبلوماسيونا.
وبالطبع، فلا يمكن لأي تعديل في الحدود، مهما يكن قاسياً، أن يجعل كل أقلية في الشرق الأوسط سعيدة. في بعض الحالات، تعايشت وتزاوجت أقليات اثنية ودينية. وفي مكان آخر، لم يبرهن التجمع الذي يعتمد على صلة الدم أو المعتقد على انه سعيد كما يتوقع المؤيدون لذلك. وتُصَحِّح الحدودُ المرسومةُ على الخريطةِ المرفقة بهذا المقال الأخطاءَ التي تعاني منها مجاميعٌ شعبيةٌ هامة و"مخدوعة" مثل الأكراد، والبلوش والعرب الشيعة، لكن هذا التصحيح لم يزل فاشلاً في الأخذ بالحسبان بشكل كاف مسيحيي الشرق الأوسط، والبهائيين، واﻹسماعيليين، والنقشبنديين والعديد من الأقليات الأقل عدداً. ولا يمكن أبداً تصحيح خطأ جسيم مقابل أراض: المجزرة ضد الأرمن التي ارتكبتها الامبراطورية العثمانية وهي على شفير الموت.
ومهما يكن من أمر، لا يوجد سبب لترك الحدود المعاد رسمها من غير تصحيح ٳلا الظلم، الا انه من دون هكذا اعادة نظر أساسية للحدود، لن نرى أبداً شرق أوسط أكثر سلاماً.
حتى اولئك الذين لا يستسيغون موضوع تعديل الحدود سوف يستفيدون جيداً بإنخراطهم في مشروع يحاول تصور تعديل أكثر إنصافاً، ٳن لم يكن مثالياً، للحدود الوطنية بين البوسفور والهند. موافقين على أن الحِرَفِيَّة الدولية لم تُطَوِّر، عدا الحرب، أداةً فعالة لتعديل الحدود الخاطئة، ومع ذلك فإن مجهودا فكريا للإمساك بالحدود "العضوية" للشرق الأوسط سيساهم في فَهمِ مدى الصعوبات التي نواجهها والتي سنستمر في مواجهتها. نَحْنُ نتعاملُ مع تشويهات ضخمة من صنع الإنسان لا تكف عن توليد الكراهية والعنف ٳلى أن تُصَحَّح.
وبالنسبة ٳلى اولئك الذين يرفضون "التفكير بالذي لا يمكن التفكير به،" ويعلنون أن الحدود يجب أن لا تتغير وأن تترك الأمور على حالها، فٳن عليهم أن يتذكروا أن الحدود لم تزل تتغير عبر القرون. الحدود لم تكن أبدا ثابتة، والعديد من الحدود، من الكونغو ٳلى كوسوفو ٳلى القوقاز، يتغير حتى في الوقت الحاضر ( حيث سفراؤنا وممثلونا الخاصون لا يرون)
هذا، ومن وحي 5000 سنة من التاريخ نذكِّرُكُم بسر آخر صغير وقذر: أعمال التطهير العرقي.
ولنبدأ بمسألة الحدود الأكثر حساسية للقرّاء الأمريكيين ألا وهي الحدود الإسرائيلية، ولتحظى إسرائيل بأي أمل في العيش بسلام معقول مع جيرانها، عليها العودة ٳلى حدود ما قبل 1967 – مع تعديلات محلية أساسية من أجل مسائل الأمن المشروعة. لكن بالنسبة لقضايا المناطق المحيطة بالقدس، المدينة المضرجة بآلاف السنين من الدماء، قد تثبت انها عصية على الحل في عصرنا. وحيث حولت كلُّ الأطرافِ ٳلٰهَهَا ٳلى تاجر عقارات كبير، فإن معارك النفوذ بالمعنى الحَرْفي للكلمة تكشفت على أنها مجرد جشع في الثروة النفطية أو مشادات ٳثنية. لذلك دعونا نضع جانباً هذه القضية الفردية التي أُشبِعت بحثاً ونلتفت ٳلى تلك القضايا التي أهملها البحث.
ان انعدام العدالة الأكثر وضوحا والذي يكمن في الواقع الظالم ٳلى حد الفضيحة للأراضي بين جبال البلقان وجبال الهملايا هو: غياب الدولة الكردية. هناك ما يتراوح بين 27 مليون و36 مليون كردي يعيشون في المناطق المجاورة للشرق الأوسط (الأرقام غير دقيقة لأنه لم تَسْمَح أي
دولة بإحصاء نزيه). ان أقل رقم لتعداد الأكراد، وهو أكبر من تعداد العراق في الوقت الحاضر، يجعل الأكراد أكبر مجموعة ٳثنية بدون دولة خاصة بها في العالم. وقد استغلّت الأكرادَ كلُّ سلطةٍ حكمت التلالَ والجبالَ حيث يسكنون منذ زمن اكزينوفون.
لقد أضاع الولايات المتحدة وحلفاؤها فرصةً مجيدة للبدء بتصحيح هذا الظلم بعد سقوط بغداد. العراق، الدولة الوحشية الفرانكشتاينية المنسوجة من أجزاء غير منسجمة، كان يجب أن تقسم فوراً ٳلى ثلاث دول أصغر. لقد فشلنا بسبب الجبن ونقص في الرؤيا، فأجبرنا الأكرادَ على دعم الحكومة العراقية الجديدة - وقد نفذوا ذلك على مضض مقابل حسن نيتنا. ولو أجري استفتاء حر فإن 100% من الأكراد العراقيين سيصوتون ٳلى جانب الإستقلال.
وهذا ما كان سيفعله أكراد تركيا ذوي المعاناة الطويلة، الذين تحملوا عقوداً من الاضطهاد العسكري العنيف وعقودا من تنزيلهم ٳلى درجة "أتراك الجبل" في جهد لطمس هويتهم. وبينما المأساة الكردية قد هانت بعض الشيء على أيدي حكام أنقرة، فقد تكثف الاضطهاد مرة أخرى مؤخراً ولذلك يجب أن ينظر ٳلى الخمس الشرقي من تركيا على أنه أرضاً محتلة. وبالنسبة ٳلى أكراد سورية وايران، هم أيضاً، سوف يندفعون للإنضمام ٳلى كردستان المستقلة اذا استطاعوا. ان رفض الديموقراطيات الشرعية في العالم لاستقلال كردي متميز هو خطيئة-الإغفال لحقوق الإنسان أسوأ كثيراً من خطايا-الرؤية الصغيرة والمتعثرة التي تثير بشكل روتيني وسائلَ اعلامنا. وعلى فكرة: فإن كردستان حرة تمتد من ديار بكر ٳلى تبريز، ستكون الدولة الأكثر دعما للغرب على امتداد المسافة بين بلغاريا واليابان.
ان التقسيم العادل للمنطقة سيترك المحافظات الثلاث ذات الأكثرية السنية كدولة مختزلة يمكن أن تختار في النتيجة أن تتحد مع سورية التي تخسر ساحلها لصالح لبنان الكبير المطل على البحر الأبيض المتوسط: فينيقيا تولد من جديد. وشيعة جنوب العراق القديم ستشكل أساس دولة الشيعة العربية على كثير من حواف الخليج الفارسي. وستحافظ الأردن على أراضيها، مع بعض التمدد باتجاه الجنوب على حساب السعودية. ومن جهتها، فان الدولة العربية السعودية ستعاني تفكيكاً كبيراً مثل باكستان.
ان السبب الجذري للركود الواسع في العالم الإسلامي هو معاملة العائلة المالكة لمكة والمدينة كإقطاعيتين لها. ومع وضع أقدس أماكن العبادة تحت سلطة ادارية متزمتة ومضطهٍدة في العالم – الإدارة التي تتحكم بشكل واسع بثروة نفطية لم تجهد للحصول عليها – استطاع السعوديون أن ينشروا وجهة نظرهم الوهابية للطغيان، وللإيمان غير المتسامح بعيدا وراء حدودهم. ان استحواز السعوديون للثروة وبالتالي لقوة التأثير كان أسوأ ما حصل للعالم الإسلامي ككل منذ أيام الرسول (ص)، وأسوأ ما حصل للعرب منذ الغزو العثماني (ٳن لم يكن منذ الغزو المغولي).
فيما لا يستطيع غير المسلمين التأثير على أي تغيير في السيطرة على المدن المقدسة الإسلامية، فلنا أن نتخيل كم يكون العالم الإسلامي أكثر صحة حين يحكم مكةَ والمدينةَ بالتناوب مجلسٌ يمثل المدارس والحركات الإسلامية الأساسية في دولة ٳسلامية مقدسة – نوع من فاتيكان ٳسلامي عالي – حيث مستقبل الإيمان العظيم يمكن أن يكون حوارا أكثر من كونه فرضاً. العدالة الحقة – التي يمكن أن لا نحبها – سوف تعطي حقول النفط الساحلية للشيعة العرب الذين يسكنون تلك المنطقة، بينما المنطقة الجنوبية الشرقية ستذهب ٳلى اليمن. وبتحجيم البيت السعودي في بقيةٍ من الأراضي السعودية في قطاع مستقل حول الرياض فإن قدرته على الإساءة تجاه العالم الإسلامي سوف تقل كثيرا.
وايران، الدولة ذات الحدود الحمقاء، سوف تخسر كمية كبيرة من الأراضي لصالح أذربيجان موحدة، وكردستان حرة، ودولة شيعية عربية، وبلوشستان حرة، لكنها سوف تربح مقاطعات حول هيرات التي هي اليوم في أفغانستان - المنطقة ذات الصلات التاريخية واللغوية مع فارس. ومرة أخرى سوف تصبح ٳيران وبفعالية دولة فارسية ٳثنية، مع المسألة الأكثر صعوبة وهي أن تحتفظ بميناء بندر عباس أو أن تتنازل عنه للدولة الشيعية العربية.
وما ستخسره افغانستان لصالح فارس في الغرب، ستربحه في الشرق، حيث القبائل في الحدود الشمالية الغربية لباكستان ستعيد توحدها مع اخوانهم الأفغان ( ان الهدف من هذا العمل ليس برسم خرائط كما نودها أن تكون بل كما تفضلها الشعوب المحلية). وباكستان، الدولة الأخرى غير الطبيعية، سوف تخسر قطاع البلوش لصالح بلوشستان الحرة. وما تبقى من باكستان "الطبيعية" سوف تتوضع شرق الهند، عدا ناحية الغرب قرب كراتشي.
وللإمارات-المدن المؤلِّفَة للإمارات العربية المتحدة مصير مختلط – كما من المحتمل أن يكون الأمر في الواقعً. بعضها سيكون ضمن الدولة العربية الشيعية مطوقاً كثيرا من الخليج الفارسي (دولة من الممكن أن تشكل ثقلا مضادا أكثر من أن تكون حليفاً لإيران الفارسية). وبما أن جميع الثقافات المتشددة دينيا وثقافيا منافقة، فان دبي، بالضرورة، سوف يسمح لها بأن تحتفظ بوضعها كحديقة للفاسقين. وستبقى الكويت في حدودها الحالية كما تبقى عُمان.
في كل حالة، تعبر ٳعادة رسم الحدود النظري عن التشابه الإثني والتجمعات الدينية – وفي بعض الحالات الإثنين معاً. لواستطعنا أن نلوّح بعصا سحرية ونعدّل الحدود موضوع المناقشة، سنفضل بالتأكيد أن نفعل ذلك انتقائياً. ٳلا أن دراسة الخريطة المعدلة، مقابل الخريطة التي توضح الحدود اليوم، تلقي بعض الضوء على الأخطاء الكبرى التي ارتكبتها الحدود التي رسمها الفرنسيون والإنكليز في القرن العشرين في حق منطقة كانت تكافح للخروج من ٳذلالات وهزائم القرن التاسع عشر.
وفي الوقت الحاضر، قد يكون من المستحيل تصحيح الحدود بحيث تعكس ارادة الناس. لكن مع الوقت – وبمساعدة حمامات الدم التي لا يمكن تفاديها – ستنبثق حدود طبيعية جديدة. بابل سقطت أكثر من مرة.
وأثناء ذلك، سيواصل رجالنا ونساؤنا في بَذّاتهم الرسمية القتال من أجل الأمن ضد الإرهاب، ومن أجل الأمل في الديموقراطية، ومن أجل الوصول ٳلى امدادات النفط في منطقة كتب عليها أن تقاتل نفسها. ٳن التقسيمات اﻹنسانية واﻹتحادات باﻹجبار الحالية على امتداد المسافة بين انقرة وكراتشي، ٳذا اضيفت ٳلى اﻹحباطات المفروضة ذاتياً للمنطقة، تشكل أرضاً خصبة ﻹنتاج التطرف، وثقافةِ اللوم، وتجنيد اﻹرهابيين كما يستطيع أي كان أن يخطط. حيث ينظر الرجال والنساء بأسى ٳلى حدودهم، فانهم ينظرون بحماس ٳلى أعدائهم.
ومن فائض من اﻹرهابيين ٳلى ندرة اﻹمدادات للطاقة في العالم، فٳن التشوهات الحالية للشرق الأوسط تُبشربوضع لا يتحسن بل يزداد سوءاً. في منطقة حيث تسيطرأسوأ مظاهر القومية على اﻹطلاق وتهدد بأن تسيطر أكثرُ مظاهرِ الدين ٳذلالاً على اﻹيمان المثبِط، سيتوقع الولايات المتحدة، وحلفاؤها، وقبل ذلك، القوات المسلحة أزمات لا تنتهي. وبينما يعطي العراق مثالاً لانعدام الأمل – ٳن لم نغادر ترابَه بسرعة - فإن بقية المنطقة الواسعة تقدم مشاكلاً تزداد سوءاً في كل جبهة تقريباً.
وٳن لم يكن بالإمكان تعديل حدود الشرق الأوسط الأكبر ليعكس روابط الدم والإيمان الطبيعية، فقدرنا أن قسما من الدماء في المنطقة سيستمر أن يكون دماءنا.
من الذي يربح ومن الذي يخسر
الرابحون
أفغانستان، الدولة الشيعية العربية، أرمينيا، أذربيجان، بلوشيستان الحرة، كردستان الحرة، ايران، الدولة الٳسلامية المقدسة، الأردن، لبنان، اليمن.
الخاسرون
أفغانستان، ايران، العراق، اسرائيل، الكويت، باكستان، قطر، العربية السعودية، سورية، تركيا، اﻹمارات العربية المتحدة، الضفة الغربية.
* صحيفة الشعب المصرية