دراسة حديثة :التعبئة الدينية وخضوع التعليم للسياسية وراء التمزق الثقافي لشباب اليمن
الأحد, 29-يونيو-2008المؤتمرنت - قالت دراسة بحثية حديثة إن جيل الشباب الحالي في اليمن يعاني العديد من الإشكالات الفكرية والثقافية ويفتقر لإدراك وتمثل حجم التضحيات والنضال الذي بذل في سبيل قيام الثورة اليمنية 26 سبتمبر 1962 و14 أكتوبر 1963 لأجل الانعتاق من استبداد الحكم الإمامي ومن ربقة الاحتلال الاستعماري لعدن وجنوب اليمن"سابقاً".
وأشارت الدراسة التي أعدها الباحث عبد الحفيظ النهاري رئيس المركز الوطني للدراسات الثقافية (موثق)- حصل المؤتمرنت على نسخة منها- إلى أن جيل الشباب- الذي وصفته الدراسة بجيل الوحدة- عرف الوحدة واقعا ونمط حياة حاضرة تتجاذبها كثير من المعوقات والتحديات التي لا تكفي لاحتضان كل أحلام وطموحات هذا الجيل الذي قد لا يكون ملما بكل التحديات والصعوبات التي واجهها الوطن اليمني في مرحلة التشطير وبحجم التمزق الذي عاشه أبناء الوطن.
وعز النهاري-الذي يشغل نائب رئيس الدائرة الإعلامية في المؤتمر الشعبي العام الحاكم في اليمن- أسباب ذلك الوضع إلى عوامل عديدة أبرزها انتقال اليمن من نظام رعاية الدولة إلى منظومة السوق الذي شكل بدوره تخل مفاجئ عن دور الدولة في الرعاية المباشرة للمواطنين ،ما ترك أثره السلبي على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبالذات على شريحة الشباب ،وكذا تفشي مظاهر الفساد الإداري والمالي الذي جعل الشباب يرفع من سقف أحلامه غير المشروعة بسبب معايشتهم لغياب المعايير الإدارية وأولويات التمثيل المناطقي والفئوي والأسري والوجاهة الاجتماعية وتدني اعتبار المؤهلات والدرجات العلمية في السلم الإداري .
وفي المقابل ترى الدراسة الموسومة بـ(بيان حال جيل الوحدة )أن الوضع الثقافي والاجتماعي ليس بأقل خطورة وخلل من الوضع الإداري والاقتصادي ذلك أن الانفتاح الذي أحدثته الوحدة على الأيديولوجيات والقيم الثقافية والاجتماعية أحدث بدوره إرباكا وخللا في الهوية والقيم الوطنية.
وقالت الدراسة : فالانفتاح على تراكمات الماضي السياسي والثقافي أفرز إحياء لنزعات ونعرات وصراعات كان القمع السياسي في عهد التشطير قد أجلها إلى حين ، فضلا عن صراعات وتعبئة أطراف بناء الوحدة ذاتها ، مما خلط مفاهيم الشباب حول الحريات وحدود الاختلاف والتنوع وجعلهم عرضة للتجاذب الأيديولوجي والسياسي والاجتماعي والمذهبي والمناطقي والفئوي والقبلي بعيدا عن إفرازات المجتمع الحديث الذي يفترض أن تأخذ أشكالا مدنية ومهنية ومنهجية وعلمية ونقابية وتنظيمية .
ويؤكد الباحث النهاري أن ذلك الوضع الثقافي الذي أدى إلى اختلاط المفاهيم لدى جيل الشباب تزامن مع توظيف القوى السياسية فئة الشباب للتعبئة الأيديولوجية والدينية والمذهبية،وتحويلهم إلى وقود لتلك التعبئة والتعبئة المضادة التي تقف وراءها مصالح سياسية بحتة ، الأمر الذي زج بالجيل في معركة لا تتصل بحاجاته هو ولا بمصالحه وشكل ذلك فجوة وشرخا بين الواقع والمثال.
وأضافت الدراسة إلى تلك العوامل الداخلية عوامل خارجية أخرى لخصتها في تحولات العولمة بما حملته من تقويض للقيم المحلية وللثقافات والمعتقدات والأيديولوجيات، وتشكل قيم السوق التسليعية التي ترتكز على القيم المادية البحتة وتهمش القيم الروحية ، مقابل مقاومة ثقافية ودينية وروحية هشة ومأزومة اتجهت إلى الانكفاء على الذات الممزقة والذات التاريخية وحلقت بعيدا عن الواقع والعصر،مشيرة إلى انفتاح العصر على الفضاء الإعلامي والإلكتروني الذي لم يعد فيه فاصل بين ما هو عالمي وما هو وطني محلي ،ما جعل الشباب يحاكون أحلام أقرانهم في بلدان الرفاه والتقدم متخطين شروط الواقع الوطني الذاتية والموضوعية.
واعتبر الباحث أن تلك العوامل أسهمت في حدوث تمزق فكري وأيديولوجي وسياسي وثقافي فيه ارتباك وضياع للهوية لدى الشباب ما تسبب في تدني تصور وإدراك بعض الشباب لإبعاد وأهداف الهجمة الإمبريالية الاستعمارية الجديدة على الأمة العربية والإسلامية ،وضعف تمثلهم لإستراتيجية وأهمية نضالات حقبة ثورات التحرر الوطني ومنها الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر المجيدة ، وضعف استيعابهم لخطورة المؤامرة الاستعمارية والنماذج الثقافية والقيمية التي تحملها.
وتؤكد الدراسة أن ذلك أدى إلى خلق قيمتين نقيضتين لدى الشباب اليمني هما: قيمة التسليم والاستسلام للواقع القاهر لأحلام الأمة ، وقيمة المقاومة غير الرشيدة (المتطرفة) التي تتبنى مقاومة انتحارية لا تتفهم السياقات الراهنة ولا تأخذ في الاعتبار إمكانات وشروط المقاومة وأدواتها المتاحة ولا تقرأ الظروف المحيطة.
وتعرج الدراسة على موضوع النظام التعليمي الذي نشأ بعد إعادة تحقيق اليمن لوحدته في 22مايو1990م ،وتأثيره في الوضع الثقافي والفكري والسياسي الراهن لجيل الشباب ،موجهة انتقادات لاذعة للتعليم قائلة انه كان هو الحلقة الأضعف في مسيرة الوحدة اليمنية لأنه خضع لمؤثرات وتجاذبات أيديولوجية وسياسية أكثر من غيره .
وقالت الدراسة ان المؤسسة التعليمية والتربوية كانت هي المؤسسة الأكثر تضررا من التجاذب السياسي والأيديولوجي حيث تأسست على الفجوة التي كانت قائمة بين نظامي التعليم في الشطرين سابقا الذين تنازعتهما تيارات وقيم: التقليد والحداثة والقيم ذات المرجعيات المتناقضة الدينية منها والمدنية.
مشيرة إلى أن ما أفرزته الوحدة من نظام تعليمي توفيقي ـ تلفيقي ،لا يقوم على أسس مرجعية وطنية حقيقية ،جعل المؤسسة التربوية والتعليمية في مهب الريح تتجاذبها الإرادات المعطلة لوظيفتها .
وينوه الباحث إلى أن وضع المؤسسة التعليمية عقب حرب صيف 1994 ظلت تحمل تناقضا ثنائيا بدلا من التناقض الثلاثي يتمثل في : قيم الوسطية والاعتدال المستندة على التوافق السياسي والاجتماعي الذي تأسست عليه فكرة الميثاق الوطني والمرجعية الاجتماعية للمؤتمر الشعبي العام وقيم الدعوات الإسلامية الراديكالية منها والسلفية التي تتعامل مع الحاضر بعيون وأدوات الماضي في إقصاء للمشروعات التقدمية والحداثوية والحط من شأنها. فضلا عن غياب المهنية والمنهجية والعلمية في ترتيب أجندة القيم والأهداف التربوية والتعليمية ما جعلها حتى الآن تحت المؤثرات السياسية البحتة التي لا تعبر عن الضمير الجمعي والمرجعيات الفلسفية الوطنية الوحدوية الشاملة.
وتنتقد الدراسة الدور الذي لعبه استغلال القوى السياسية للدين في تعبئة الشباب ،مشيرة إلى عجز التعبئة الدينية ذات المرجعية السياسية عن تنمية قيم سلوكية عامرة بالفضيلة ، بل تورطت في شحن الشباب بقيم الإقصاء والتمييز والتكفير والتنفير والتفرقة والعنف والنعرات والاختلاف بدلا من الإسهام في صقل شخصية وطنية متزنة لمواطن صالح سوي.
وتزيد الدراسة بالقول: كما أن نزوع بعض فئات الدين السياسي إلى البحث عن سلطة رقابية كهنوتية على المجتمع يزيد من تكريس الأخطاء التي تحدثنا عنها ويرفع هرواة الدين السياسي فوق رأس المجتمع ويعيدنا إلى ما يشبه حقبة محاكم التفتيش المسيحية في القرون الوسطى. وما محاولة الوصاية الدينية على المجتمع من قبل فئة لا تمثل الطيف الاجتماعي تزكي نفسها وتدعي أنها تتبنى قيم الفضيلة وتحارب المنكرات ـ ماهو ـ إلا هروب من مناقشة مشاكلنا الحقيقية بصورة علمية وموضوعية ومعالجة الاختلالات الرئيسية المتمثلة في تدني جودة التعليم ، وضعف الإدارة ، وتفشي الفساد بكافة صوره وأشكاله بما في ذلك الفساد الديني ، واختلال الاقتصاد ،وتدني الأمن الاجتماعي، وارتفاع نسبة الفقر والبطالة إلى ما هنالك من مشكلات.
وتخلص الدراسة إلى أن هذا الوضع يحمل الدولة والحكومة والمؤتمر الشعبي العام وأحزاب المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني مسؤولية التعاطي الصائب مع شؤون جيل الوحدة وتصحيح مسار العلاقة بين الخطاب السياسي والخطاب الثقافي والاجتماعي الذي ينطلق من فهم حاجات وأولويات جيل الوحدة لا من أولويات الفاعلين السياسيين في السلطة والمعارضة على حد سواء.
وفيما أكد الباحث عبدالحفيظ النهاري ان هذه الدراسة - التي يدشن بها النشاط الثقافي للمركز الوطني للدراسات الثقافية (موثق) محاولة للإسهام في تشخيص الواقع وتلمس المشكلات لغرض تقديم الرؤى الوطنية التي تساعد صانع القرار الوطني ،دعت كل الفعاليات الوطنية والمرجعيات الثقافية والاجتماعية إلى الاصطفاف من أجل صياغة إستراتيجية ثقافية وطنية تحمي قيم الوحدة الوطنية وتنميها في وجدان جيل الوحدة وتقوم سلوكهم وتصحح تصوراتهم وتبني رؤية وطنية وحدوية راسخة لا يمسخها الاستهلاك السياسي اليومي والخطاب الإعلامي الدعائي اللاموضوعي واللاعقلاني.