فرمان تأجيل القمة ...سابقة!
الثلاثاء, 30-مارس-2004بقلم :احمد عمرابي - لو انعقد اجتماع القمة العربية في موعده المضروب في العاصمة التونسية لما كان ممكناً أن يكون مشهده أكثر إثارة درامية من ذلك المشهد الذي انتهى إلى تأجيله بقرار من دولة واحدة. مع ذلك لا ينبغي أن يعتبر مشهد التأجيل باعثاً على تسلية. فالسيد عمرو موسى يحذر من «تداعيات خطيرة». وعلى أية حال فإن نقلات المشهد جديرة بالتسجيل.. فهو على الأقل الأول من نوعه في تاريخ الجامعة العربية.
وزراء خارجية الدول الأعضاء منهمكون لمدى ساعات في اجتماع لمناقشة مبادرات في عدة دول عربية تتعلق بالإصلاح الداخلي وإصلاح الجامعة. وأخيراً تفرز المناقشات اتفاقاً على دمج المبادرات المختلفة في مبادرة موحدة مرضية للجميع لترفع إلى اجتماع القمة.
يدخل على المجتمعين وزير الدولة التونسي للشئون الخارجية حاتم بن سالم ويتلو على الحضور بياناً تونسياً رسمياً «قرر» فيه الرئيس التونسي تأجيل اجتماع القمة العربية.
مفاجأة تفرز صدمة!
الوزراء يندفعون صوب الوزير التونسي يطلبون منه توضيحات.. والوزير ليس لديه أكثر مما ورد في البيان من عبارات غامضة.
يلتفت الأمين العام للجامعة العربية والوزراء العرب إلى وزير الخارجية التونسي الحبيب بن يحيى ليرتب لهم لقاءً عاجلاً مع الرئيس التونسي ليشرح لهم حيثيات قراره. يعتذر بن يحيى قائلاً إن «القرار اتخذ بالفعل!» يرد الأمين العام والوزراء: «إذن نريد أن نتعرف على الأسباب التي دعت الرئيس لاتخاذه».
الوزير التونسي يتصل برئيسه ثم يعود ليقول للوزراء العرب وأمين عام الجامعة: «إن الرئيس مصاب بنزلة برد فلا يستطيع مقابلتكم!».
ويبقى السؤال معلقاً: ما هو السبب أو الأسباب التي دفعت الرئيس التونسي إلى اتخاذ ذلك القرار الخطير؟
والسؤال يسبقه سؤال: هل تملك دولة عربية واحدة عضو في الجامعة العربية الحق في تأجيل اجتماع قمة مقرر بقرار انفرادي أحادي دون حتى مشاورة الدول الأعضاء الأخرى؟
لا إجابة على أي من هذين السؤالين في نص البيان التونسي. فماذا يقول البيان أصلاً؟
البيان يشير إلى تعديلات ومقترحات ترى الحكومة التونسية أنها «جوهرية وبالغة الأهمية» وأنها تتعلق بـ «التطوير والتحديث والإصلاح في بلداننا العربية بما يعزز الخطى» لتحقيق التقدم الديمقراطي وحماية حقوق الإنسان وتدعيم مكانة المرأة ودور المجتمع المدني وغيرها».
وعند هذه النقطة يتخذ البيان قفزة بالقول «إن تونس تعرب عن أسفها الشديد لتأجيل انعقاد هذه القمة» مضيفاً أنها قمة «علق عليها الرأي العام العربي والدولي آمالاً كبيرة خصوصاً بالنظر إلى الظروف الدقيقة التي تمر بها الأمة العربية..».
إن كل عبارة في البيان التونسي تفرز سؤالاً دون أن توفر أجابة عليه.
فما هي التعديلات والمقترحات التي تقدمت بها تونس وبرز عند مناقشتها تباين في المواقف العربية؟
وإذا كانت هذه التعديلات والمقترحات حول مسائل تراها تونس جوهرية وبالغة الأهمية فكيف وافق وزير الخارجية التونسي على صيغة دمج المبادرات المختلفة في مبادرة موحدة على نحو ما جرى في آخر اجتماع للوزراء العرب؟
وإذا اجتماع القمة الذي أجل كان محط أنظار وآمال الرأي العام العربي والدولي «بالنظر إلى الظروف الدقيقة التي تمر بها الأمة العربية» أيعتبر هذا سبب لتأجيله أم للتأكيد والإصرار على عقده؟
لقد قال عمرو موسى عن قرار التأجيل إنه ينطوي على «تداعيات خطيرة». ولم يشأ الأمين العام للجامعة أن يدخل في تفاصيل.. ربما لحساسية منصبه.
لكن من الواضح لكل ذي عينين أن في مقدمة التداعيات المرتقبة ما يمكن أن ينشأ عن السابقة في حد ذاتها.. سابقة أن تضع دولة عضو في الجامعة العربية بقية الدول الأعضاء قاطبة أمام أمر واقع بقرار أحادي لا تملك حق إصداره.
لقد كان من حق الدولة التونسية أن تعتذر عن استضافة الاجتماع في بيتها وأن تقرر لنفسها في أعقاب هذا الاعتذار مقاطعة اجتماع القمة. ولكن أن تصدر «فرماناً» بتأجيل الاجتماع فإنه لابد أن يكون وراء هذا التصرف الفجائي ما وراءه.
#البيان