الجمعة, 10-مايو-2024 الساعة: 05:19 م - آخر تحديث: 03:30 م (30: 12) بتوقيت غرينتش      بحث متقدم
إقرأ في المؤتمر نت
المتوكل.. المناضل الإنسان
بقلم/ صادق بن أمين أبوراس رئيس المؤتمر الشعبي العام
ضبابية المشهد.. إلى أين؟
إياد فاضل*
شوقي هائل.. الشخصية القيادية الملهمة
راسل القرشي
المؤرخ العربي الكبير المشهداني يشيد بدور اليمن العظيم في مناصر الشعب الفلسطيني
أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور
7 يناير.. مكسب مجيد لتاريخ تليد
عبدالعزيز محمد الشعيبي
المؤتمر بقيادة المناضل صادق أبو راس
د. محمد عبدالجبار أحمد المعلمي*
«الأحمر» بحر للعرب لا بحيرة لليهود
توفيق عثمان الشرعبي
‏خطاب الردع الاستراتيجي والنفس الطويل
علي القحوم
ست سنوات من التحديات والنجاحات
أحمد الزبيري
أبو راس منقذ سفينة المؤتمر
د. سعيد الغليسي
عن هدف القضاء على حماس
يحيى علي نوري
14 ‬أكتوبر.. ‬الثورة ‬التي ‬عبـّرت ‬عن ‬إرادة ‬يمنية ‬جامعة ‬
فريق‮ ‬ركن‮ ‬الدكتور‮/ ‬قاسم‮ ‬لبوزة‮*
‬أكتوبر ‬ومسيرة ‬التحرر ‬الوطني
بقلم/ غازي أحمد علي*
ثقافة
بقلم بشارة متى -
اليمن السعيد يـتـوسّــد التاريخ ويـلـتحف بـالـحداثة
كان لي ان ازور اليمن, بدعوة من رئيس "المعهد العالي للقضاء" في اليمن المستشار يحيى بن مالك, للاشتراك في الاجتماع العاشر لمديري المعاهد والمراكز القضائية العربية. وقد افاض "العميد" ومساعدوه علينا من حسن الاستقبال والضيافة ما مكننا من الاشتراك في المؤتمر والقيام برحلات للتعرف الى بعض المواقع التاريخية ورؤية الانسان اليمني في الشارع او في العمل, ولاكتشاف اليمن السعيد. ويظهر ان مقولة "اليمن السعيد" هي في حاجة الى تفسير وتفتيش عنها, فالانطباع الاول لزائر اليمن ان السعادة ربما كانت موجودة ورحلت الى مكان آخر. اول ما تطالعك في صنعاء سلسلة جبال صلعاء, مسننة القمم, كالحة, حديدية اللون والمظهر, تحتضن كتلا من الوحدات السكنية المتلاصقة التي قدّت حجارتها من مقالع في تلك الجبال. فاذا اللون القاتم يتمدد من القمم الى المنبسط التي تقوم عليه مدينة صنعاء وهي بدورها مرتفعة فوق مستوى البحر نحو 2500 متر. وتطالعك في صنعاء شوارع عريضة, الى جانبيها ارصفة ترابية الى ما لا نهاية لها. وتصطف المحلات التجاربة على جانبي الطريق, امامها فسحات ترابية, اي ان القسم المخصص لمرور السيارات وحده مفروش بالاسفلت الذي يتمدد كعلامة فارقة وسط مساحات ترابية. حتى محطات تزويد الوقود, ساحاتها ترابية. تراب وغبار الى ما لا نهاية. لكن هذه الصورة لا تكتمل الا بما يطالعنا من الانسان اليمني على مدى المرور وعلى جنبات الشوارع. مجموعات من الاطفال الذين يلوحون للسيارات, وشيوخ يفترشون الارض على جنبات الطريق, امام المحلات التجارية المكتنزة بالمواد الغذائية. ومن شارع الى آخر ترتفع لوحات اعلانية حديثة دخلها الحرف الاجنبي من طريق استعمال اللغة الانكليزية. واللافت كثرة محلات الاتصالات والخليوي, ومحلات بيع مواد البناء, وكوم الرمال, والشاحنات الصغيرة الملأى بالرمال والمستعدة للانطلاق الى الورش, وحولها قبضة من العمال ينتظرون من يدعوهم الى العمل. ظاهرة تدل على نمو الحركة العمرانية والتجديد في طريق العمران, تدعمها في ذلك ورش تقطيع الحجارة وكومات اكياس الاسمنت. والملاحظ ان لا تنوع في اشغال البناء انما النمط اليمني هو السائد. في الغالب لا يزيد عدد طبقات البناء على الخمسة, من دون شرفات, والنوافذ تعلوها قنطرة نصف دائرية مزخرفة بالجفصين المصبوب مسبقاً بحسب المقاسات. اما الحجارة فاللون الغالب فيها هو البني الغامق او البني الاقل حدّة, مع بعض الحجارة من اللون الاخضر. ومهما يكن, فان البناء الجديد لو اخذ بمعزل عن محيطه فانه يتمتع بجمالية واتقان. لكن هذه الجمالية تضيع في الاطار السكني او البشري المحيط فيه, فلا يمكن ان يلفت النظر في قوة بسبب المؤثرات البيئية المحيطة به, الا بعض الابنية البعيدة عن التجمعات السكنية اذ تفرض وجودها وتفردها. وتسير بنا السيارة وسط الجموع عن جانبي الشوارع. ومن حين الى آخر, تلمح في الشارع سرباً من القامات السوداء لنساء يعبرن في سرعة. المنظر الغالب هو الصخور الحادة والتراب, ما خلا بعض مساحات خضراء تنبيء بوجود ماء وري وعناية. وعندما نسأل عن هذه المساحات, يأتينا الجواب: إنه شجر القات. لكن الجبال الجرداء تستعيد, على ما قيل لنا, ثوبها الاخضر بعد هطول الامطار اعتبارا من نهاية حزيران, مما يخفف من رهبتها وقسوة منظرها وجلاله في آن واحد. وفي الشارع تشاهد اليمني في زيه التقليدي, والخنجر في وسطه (الجنبية) مغروس في غمد عادي الحجم لو كان حامله من عامة الشعب. ويختلف الامر, بالنسبة الى من يتولى مهمة دينية او رسمية فيكون غمد الخنجر معقوفا على نحو ملحوظ ويغرس تحت حزام عريض يلف وسط حامله. وعلى الكتف طرحه مطرزة ملقاة في شكل مرتب فوق ما يمكن اعتباره "جاكيت" ذات طراز خاص وتسمى "كوت" وتحتها ما يمكن تسميته عندنا بالقمباز واسمه "زنه". وفي القدمين كندره, وعلى الرأس قلنسوة كأنها عمامة مصغرة "صمادة". وغالبا ما تشاهد حامل الخنجر متحدثاً بواسطة هاتف نقال فتجتمع فيه مظاهر الحداثة مع "التقليد" المتربع في الوسط. وخلال إقامتنا في اليمن قمنا بزيارات الى أماكن طبيعية واثرية, كما هي الحال في زيارتنا الى محافظة المحويت حيث سلكنا طرقاً حديثة تتسلق الجبال في شكل شبه عمودي احيانا, وهي ثمرة التعاون السلمي اليمني- الاميركي على ما تطالعنا به اللوحات الحديد المثبتة على جانبي الطريق. وما ان بلغنا دار المحافظة حتى استقبلنا بالزغاريد والرقصات الشعبية مع الخناجر المعقوفة الذي شارك فيها متقنوها من الصغار والكبار. وبعد ذلك انتقلنا في طريق ترابية الى دارة المحافظ حيث استقبلنا بالزي اليمني التقليدي في ديوانية تتسع لأكثر من مئة شخص, وهي كناية عن بناء مستطيل الشكل على جوانبه مقاعد منخفضة, وكان الوقت بعد الغداء وازف موعد مضغ القات. وزع على كل من الحاضرين ضمة من القات مع لوازمها من ماء واناء. لم اغامر بالمضغ, الا ان من مضغ للمرة الاولى من اعضاء الوفد لم يستطع بلوغ النكهة التي يلتقطها اليمني في المضغ على وقع الاحاديث والابيات الشعرية والنكات الظريفة. قمنا ايضا بزيارة مقر الامام الصيفي حيث حملنا الموكب في البدء الى تلة صخرية مشرفة على واد اخضر تحيط به كتل صخرية شاهقة لا ترقى الى مستوى الجبال المتوحشة, انما لها من هيبة علوها وضخامتها ما يشكل سوارا صخريا حول الوادي. وعند اسفل هذه الكتل ينتصب صخر شاهق بني اللون, أملس المظهر لكثرة ما برته عوامل الطبيعة, وعلى الصخر العملاق ينتصب قصر الإمام بطبقاته المتعددة فنخال القصر فيه كأنه امتداد للصخرة, او كأنه قلعة صغيرة على كف عملاق صخري, وحفرت في هذا الصخر بئر تجمع فيها المياه. بعدما شاهدنا هذا القصر المتربع على فوهة الوادي, وما يجاوره من ابنية (محكمة - قاعة استقبال وغيرها من مقارّ للحاشية), وما يحيط به من قمم تنتصب على رؤوسها بقايا ابراج الحراسة, انطلق بنا الموكب نزولا في طريق الرابية الى وادي "دار الحجر". وبعد تعرجات بين البيوت القديمة عند فوهة الوادي, وهي بيوت معتقة بابوابها ونوافذها الخشبية التي عفا عنها الزمن, وتعود لقرون عديدة, وصلنا الى نهاية الطريق المؤدية الى قصر الامام. هنا وجدنا انفسنا في حل من قراءة التاريخ في الكتب. فالتاريخ هو أمامنا, نلمسه ونشاهده ويهمس لنا ونكاد نسمعه وان كانت تنقصه المخاطبة العلنية المتبادلة. باحة ترابية تستظل شجرة دهرية اندمجت ساقها الغليظة بقاعدة الصخرة التي تحمل قصر الامام. لكأن الشجرة تستظل الصخرة وما عليها وتحتمي بها. اخبرنا الدليل ان الامام كان يتخذ مجلسه تحت هذه الشجرة لتلبية حاجات الناس, وتقع خارج السور إنما قرب بوابة القصر الخشبية التي تختزن هي الاخرى قرونا من العمر وتاريخ الاشخاص الذين مروا عبرها او وقفوا في حضرتها يتوسلون الاذن بالدخول. قلنا في البداية ان السعادة ربما كانت موجودة في اليمن ورحلت الى مكان آخر. لكن في الواقع, اليمني رضيّ الخلق, مضياف, لطيف المعشر, سريع الخاطر, يتمتع بذكاء فطري لم تفسده تعقيدات العصر رغم تمكنه من التكنولوجيا الحديثة. انه انسان دخل قلب العصر, إنما في بيئة طبيعية وانسانية ومعيشية غير مساعدة, بحيث يمكن القول ان دخول الانسان اليمني العصر عمل خلاّق وارادة فولاذية. انه بلد يفيق سريعاً من اعماق تاريخه رغم ما ترخيه القرون عليه, لان "اليمن السعيد" لم يكن في الاصل اسطورة, انما كان حقيقة اصابتها الشيخوخة, وها هي اليوم تفيق متجددة, متوسدة التاريخ وملتحفة بالحداثة. (&) خواطر يمنية دوّنها القاضي بشارة متى إثر زيارة حديثة له في الاطار الذي يأتي على ذكره في مطلع خواطره هذه. نقلاً عن صحيفة النهار اللبنانية








أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
RSS
حول الخبر إلى وورد
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "ثقافة"

عناوين أخرى متفرقة
جميع حقوق النشر محفوظة 2003-2024