هاجس السلطة ندد مثقفون وكتاب وأحزاب، في العالم العربي، بدعوة البرلمان الاوروبي «الاسلاميين المعتدلين» الى حوار. وفهم من غالبية الردود ان مطلقي الدعوة يسعون الى تفاهم مسبق مع «الاسلاميين المعتدلين» المرشحين لتولي السلطة في أكثر من بلد عربي. وفهم ايضاً انه لهذا السبب تعتبر الدعوة تدخلاً في الشؤون الداخلية واستقواء بالخارج، وهما مرفوضان. أظهرت هذه الردود، مرة أخرى، اتساع الفهم المشوه للعالم وللذات. وأظهرت ان الذين يتصدون لقيادة حركات الاسلام السياسي والتنظير باسمه مهجوسون بالسلطة ومهجوسون أيضاً باخفاء نياتهم، تفادياً لصدام مبكر مع السلطات القائمة التي تأخذ عليهم هذا الهاجس. عندما تصدر لجان برلمانية في الاتحاد الاوروبي توصيات او تطلق دعوات، فانها تعبر عن اتجاه غير ملزم للحكومات التي وحدها تملك امكانات التدخل والتغيير. وعندما تحدد هذه اللجان موضوعاً معيناً فانها تعكس بذلك اهتمامات شعبية تتلقى يومياً انباء القتل الذي تتبنى مسؤوليته جماعات باسم الاسلام. ومن البديهي ان تزداد هذه الاهتمامات عندما ينتقل الارهاب الى داخل اوروبا. والدعوة الى الحوار، هنا، تنطلق من هذه الاهتمامات، خصوصاً ان الاسلام بات معتقداً دينياً أساسياً في معظم الدول الاوروبية. فالحوار المطروح كان يمكن ان يكون محاولة للتقارب والتفاهم، وعزل الارهاب والحماية منه، بمن في ذلك مسلمو اوروبا. كما انه قد يكون محاولة لعرض الفهم الاوروبي للانسان والسلطة ولكون القوانين والدساتير التي وضعت خلال سيرورة تاريخية طويلة تهدف الى تنظيم العيش وليس محاربة المسلمين. لم يلتقط رافضو الدعوة الى الحوار هذا الجانب، لانهم لا يعتقدون بانهم معنيون باهتمامات الغير، في الوقت الذين يترصدون في مواقفه ما يهمهم، بعد تبسيطها وتشويهها. لكن الامر يصبح بالغ الدلالة عندما يجري التعامل مع اي سعي الى التفاهم الحضاري على انه تدخل في الشأن الداخلي، السياسي بالضرورة، وانه يهدف الى وضع الحركات الاسلامية في مواجهة الحكومات، فيسهل استهدافها بذريعة العلاقة مع الخارج. اي جرى التعامل مع هذا السعي على انه خطة سياسية مباشرة تستهدف تطويق فرص الوصول الى السلطة. كشفت هذه الحركات، ومعها منظروها، ان هاجسها الاساسي هو السلطة، وان آليات الانتخاب او الضعف التي تمر بها حالياً أنظمة، في بلدان عربية، تتيح لها تحقيق هذا الهدف، من دون ان تضطر الى صدام غير مربح مع السلطات القائمة او على أنقاضها. ومن الملفت ان جماعة «الاخوان المسلمين» في مصر أعلنت أكثر المواقف تشدداً في رفض الحوار. فهي، بهذا الرفض، ردت على هواجس آنية داخلية في مواجهتها مع السلطات: التعديل الدستوري والانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة. اي انها تعتبر ان هذه الظروف توفر لها فرصة استثنائية لتحقيق أهدافها. لكنها في الوقت نفسه تريد ان تبعد، في شكل مطلق، شبهة اي علاقة مع الخارج كي لا تكون ذريعة للسلطة لاستهدافها عشية هذه الاستحقاقات. تلخص حركات الاسلام السياسي دورها بين احد خيارين: عرضة للاضطهاد من الحكومات التي تسعى للحلول محلها، او تسلم السلطة. واذا كان من غير الممكن انكار حق احد في العمل السياسي والسعي الى ترجمة أهداف هذا العمل عبر الحكم، فان الخيارين اللذين وضعت هذه الحركات نفسها فيهما يقضيان على هذا الحق، لانهما يعطيان للعمل السياسي بعداً واحداً هو الاستيلاء على السلطة، مع ما يعنيه ذلك من نزعة انقلابية تضرب التعددية. |