في اليوم العالمي لحرية الصحافة احتفلت صحفنا العربية وصحافيونا العرب باليوم العالمي لحرية الصحافة في 3 مايو/ أيار الجاري في ظل أوضاع لا يمكن وصفها بالسيئة لكنها بالتأكيد ليست حسنة باعتبار أنها تشكل الحد الأدنى لما ينبغي أن تكون عليه أوضاع الصحافة والصحافيين في الوطن العربي. لكن بالمقارنة بين ما كنا عليه خلال عقد الثمانينات وما نحن عليه اليوم سنجد أننا في وضع أفضل بكثير بل ولا تكاد تصح معه المقارنة، فحرية الصحافة شهدت تطورات ملحوظة في غالبية أقطار الوطن العربي ابتداءً من عقد التسعينات في القرن الماضي حتى الآن، وهي كل يوم في وضع أفضل لأسباب مختلفة منها مناخات الحرية التي تجتاح العالم بأسره، ومنها كذلك تزايد فعالية منظمات المجتمع المدني في الوطن العربي، ومنها وبدون شك إدراك الأنظمة العربية لضرورة فتح نوافذ ومتنفسات لشعوبها قبل أن تؤدي حالة الكبت إلى انفجارات لا يمكن احتواء آثارها، وهي اليوم أكثر وأكثر كون إطلاق حرية الصحافة أصبح جزءاً من عملية الإصلاح السياسي الشامل في المنطقة العربية أو في الشرق الأوسط الكبير بحسب المصطلح الأمريكي. وبالتأكيد فقد حققت حرية الصحافة تقدماً أفضل في الوطن العربي مقارنة ببقية وسائل الإعلام المرئية والمسموعة إذا استثنينا لبنان من الصورة، واستثنينا قناة “الجزيرة” وقناة “العربية” كقناتين مفتوحتين للمعارضات العربية إلى حد ما ومن الواضح أن معظم الأقطار العربية ستدخل قريباً في معركة إطلاق حرية تملك وسائل الإعلام المرئية والمسموعة سواء للأفراد أو للأحزاب السياسية وهذا سيؤذن بدخول مرحلة أخطر بكثير في عملية التطور السياسي الحاصل، حيث تعتقد معظم الأنظمة العربية أن السماح للمعارضات بتملك وسائل إعلام مرئية ومسموعة من شأنه إثارة المزيد من القلاقل والاضطرابات خاصة أن قوى المعارضة الليبرالية هي الأضعف وأن قوى المعارضة الإسلامية هي الأقوى والأكثر حضوراً على المستوى الشعبي. ولذلك قد تبدو خيارات الحكومات العربية محدودة في ظل الضغوط الدولية والداخلية، ومن الأفضل لها في هذه المرحلة أن تفتح المزيد من الأبواب أمام حرية الصحافة، وأن تفتح أبواب الإعلام الحكومي المرئي والمسموع لجميع الأطياف السياسية لإبداء آرائها وطرح أفكارها للنقاش العام وبالذات الأحزاب السياسية المعارضة المرخص لها بموجب القوانين النافذة في كل بلد، حيث من الواضح أن الأنظمة العربية غير قادرة على الاستغناء عن الإعلام الحكومي حتى الآن وهذا أمر مفهوم ولا شك. وهذا يقودنا إلى الحديث عن وزارات الإعلام في الدول العربية والدور الذي يفترض أن تقوم به في ظل المتغيرات المستمرة والتطورات الحاصلة في المنطقة، حيث لا ينبغي أن يستمرئ البعض موضة إلغاء وزارات الإعلام كدليل على التطور الديمقراطي في حين أن مؤسسات الإعلام الرسمي والحكومي قائمة على قدم وساق، فطالما بقيت هذه المؤسسات فلا مسوغ لإلغاء وزارات الإعلام بل وربما يصبح وجودها أكثر ضرورة. وفي ظل أي تطور ديمقراطي في المنطقة ينبغي أن يتطور دور وزارة الإعلام إلى التنسيق في الأداء بين المؤسسات الرسمية الإعلامية وإلى حماية حرية الصحافة من الكبت والاستبداد وصيانتها في نفس الوقت- من العبث والطيش، وإلى رعاية حق جميع الأطراف في إبداء آرائها بمسؤولية بعيداً عن الإثارة والاستفزاز والاستغلال غير العقلاني للمساحات المتاحة من الحريات الإعلامية. ومن حق المجتمع أن يسأل من يحميه أيضاً من حرية الصحافة، بعد أن حمى هو حرية الصحافة؟ ذلك بأن هناك تجارب مؤسفة في أكثر الدول العربية التي تعيش حالة من التعددية الحزبية وحرية الصحافة حيث نجد حالة انفلات في التعبير عن حرية الرأي، وأسوؤها ذلك الذي يتعرض للأشخاص وللمؤسسات دون براهين أو أدلة أو وثائق مما يدفع إلى السؤال عمن يحمي الأعراض والخصوصيات من الممارسات غير المسؤولة لبعض الصحف والصحافيين؟ والحقيقة أن من يحميها هو ضمير الصحافي وشرفه ومصداقيته أولاً إلا أنه لا غنى عن القانون الذي ترجع دقة التعامل معه إلى ضمير القاضي وعدالته، ولا أعتقد أن القضاء عندما يصدر حكماً عادلاً ضد أي صحافي- وأنا صحافي أولاً وأخيراً- انتهك حرمة أو خصوصية بلا حق أو بينة يكون رأي القضاء قد أساء لحرية الصحافة، ذلك بأن الحرية مسؤولية وشرف وأخلاق وأي صحافي لا يدرك ذلك لا يستحق أن يعمل في هذه المهنة الرائعة. ومع ذلك فقد وجدنا للأسف أن كثيراً من الأجهزة الحكومية في العديد من الدول العربية تجرجر الصحف والصحافيين إلى القضاء لمحاولة قمعهم وإرهابهم في قضايا رأي أو كشف لفساد وليس في قضايا انتهاك للحرمات أو الأعراض أو الخصوصيات، وذلك بلا شك تعسف في استخدام السلطات لكنه أمر لا يملك أن يدوم أو يستمر في ظل اتساع مساحة الوعي والحرية والديمقراطية. إن شجون مهنة الصحافة هي نفسها شجون الحرية والتغيير إلى الأفضل، وهي شجون لا تنتهي خاصة في ظل أوضاعنا الانتقالية في الوطن العربي من مراحل الرأي الواحد إلى مراحل الرأي والرأي الآخر وهي مراحل تبدأ صغيرة مثل كرة الثلج لكنها لا تنتهي إلا ضخمة وقوية، وهنا يأتي دور الحكماء لضبطها وتخفيف صدماتها، والأولى أن يكون هؤلاء الحكماء من داخل الأنظمة لا من خارجها. واللبيب من الإشارة يفهم! [email protected] |