لماذا أتمنى أن أكون فلسطينياً أكثر من الفلسطينيين؟ لم يعد غريباً أن تستمع لأحدهم وهو يقول: “لا نريد ان نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين”، في محاولة ساذجة لإعفاء نفسه من المسؤولية تجاه ما يحدث في فلسطين وفي أماكن أخرى من هذا الوطن العربي المبتلى ببعض أبنائه أكثر من ابتلائه بأعدائه. وفي هذا السياق أتمنى ان نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين وان نكون عراقيين وسوريين ولبنانيين أكثر من العراقيين والسوريين واللبنانيين. فالجرح في اي قطر من أقطارنا هو جرح عربي، أي جرحنا جميعاً، والعدو الذي يتلذذ بسفك دم الفلسطيني والعراقي إنما يتلذذ بسفك دم كل عربي سواء كان هذا العربي من مغرب الارض العربية أم من مشرقها. وما لم يكن ذلك هو شعورنا وإحساسنا تجاه المصائب التي تجمع، فإن الأوضاع الكارثية التي تعاني منها الأمة سوف تزداد سوءا وكارثية. ليس في هذا الكلام ما يثير أولئك الذين يكرهون انفسهم وأوطانهم ولا يكفون عن القول: “لا نريد ان نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين”، فالوطن واحد، والمأساة واحدة ليس بحكم الجغرافيا ورابطة الجوار والثقافة واللغة والتاريخ وحسب؛ وإنما بحكم المصلحة التي صارت تتحكم في حياة الشعوب والافراد، وذلك ما يؤكد على ان دفاع الأخ العربي في مصر عن شقيقه العربي الفلسطيني وحق هذا الأخير في استعادة ارضه الرازحة تحت الاحتلال إنما هو دفاع عن مصر وعن أرضها وأحلام أبنائها طالما بقيت حدودها عرضة لأطماع عدوها الذي لا حدود حتى الآن للأرض التي اغتصبها من أهلها الحقيقيين. واذا غابت هذه الحقيقة عن أذهان العرب فقد اقترب زمن انقراضهم. لذلك أتمنى أن أكون فلسطينياً أكثر من الفلسطينيين، لأن القضية التي يدافع عنها الفلسطيني هي قضيتي أيضاً، والمأساة التي تلف حياته هي مأساتي. وهذا الشعور التضامني ليس تضامناً مع الفلسطيني وإنما هو تضامن مع النفس. وتشير بعض الدراسات التاريخية الجادة الى ان بعض الاشقاء في مصر العربية كانوا قبل حرب 1956 يقولون: “مالنا وفلسطين” وإذا بهم يرون العدو الذي احتل فلسطين على الضفة الشرقية من قناة السويس، وطموحاته لا يحدها ذلك الخط المائي. ومن هنا صار كل مصري شريف يدرك أهمية عروبته وأهمية القضية الفلسطينية وأهمية أن يكون فلسطينياً أكثر من الفلسطينيين إن أمكن ان يكون كذلك، فالوطن الحر الكامل السيادة هو الذي يصنع المواطنين الأحرار، والعدو الذي يقضم جزءا من أرض الشقيق لن يتردد عن قضم أجزاء اخرى من أراض مجاورة لذلك الجار وهذا عين ما حدث لفلسطين العربية ولجيرانها العرب. |