مكافحة تمرد تصاعد التفجيرات في العراق يرتبط على الارجح بمحاولة لمنع الحكومة الجديدة من تثبيت وجهة جديدة في ادارة البلاد لا تأخذ في الاعتبار قوى تعتبر نفسها مهمشة. يصلح هذا التفسير لظواهر الامور او مناحيها الكبرى لكنه قد يقصر عن ايضاح الاسباب العملانية للتصعيد الاخير. فمنذ مجرزة الحلة التي سقط فيها اكثر من مئة وعشرين قتيلا اكثرهم من المدنيين، بدا ان المسلحين باشروا هجوما مضادا يقوم على التكتيك الكلاسيكي بإنزال اكبر قدر من الخسائر المدنية وضرب الاهداف الرخوة بغية رفع مستوى الضغط الشعبي على السلطات لارغامها على تعديل سياساتها كحد ادنى، او الاطاحة بها واستبدالها بأخرى مؤيدة لصانعي التفجيرات، كحد اقصى. ومع سلسلة التفجيرات في اربيل وبغداد وغيرهما، بدا ان الهجمات قد استعادت وتيرتها الاولى التي ساد الاعتقاد ان انتخابات كانون الثاني الماضي قد خفضتها بعدما افقدتها أحد مبرراتها العملية، أي غياب السلطة المنتخبة التي تعبر عن شرعية عراقية ما. تجوز هنا قراءة استعادية لبعض التطورات في العراق قد لا تكون على تماس مباشر بالتفجيرات الاخيرة. فقد اعطى تعيين جون نيغروبونتي سفيرا للولايات المتحدة في العراق، بين ما اعطاه، انطباعا بأن الادارة الاميركية تريد الاستفادة من خبرات هذا الدبلوماسي السابق في اميركا اللاتينية، في كيفية ادارة بلد خاضع للاحتلال ومكافحة أي نزوع تحرري او استقلالي فيه سواء من خلال المنظمات السياسية او عبر المجموعات المقاتلة. عاد نيغروبونتي الى الولايات المتحدة ليتولى منصبا في مجموعة الاجهزة الامنية الضخمة، لكن عقلية <<مكافحة التمرد>> تجذرت اكثر في العراق. يكشف تحقيق موسع نشره في <<نيويورك تايمز ماغازين>> الصحافي بيتر ماس، تفاصيل مروعة عن <<مكافحة التمرد>> الجارية الآن في العراق. ضباط كبار من الجيش العراقي، اكثريتهم من السنة والبعثيين السابقين، يقودون الهجوم المضاد على المتمردين بواسطة القوات الخاصة في الشرطة العراقية. <<المستشار>> الاميركي الرئيسي لدى هذه القوات هو جيم ستيل الذي قاد فريق <<المستشارين>> الاميركيين في السلفادور اثناء الحرب الاهلية هناك في الثمانينيات. ويمكن لكل من يملك ذاكرة او مرجعا ان يستعيد تفاصيل تلك الحرب التي حفلت بشتى انواع الانتهاكات المنتظمة لحقوق الانسان والتصفيات الجماعية للفلاحين واهالي القرى ونشاطات <<فرق الموت>> التي اطلقتها السلطات بدعم وتأييد من ادارة الرئيس رونالد ريغان في اطار الحرب على التمدد الشيوعي في اميركا اللاتينية. وجيم ستيل ليس <<المستشار>> الوحيد الذي يأتي من هذه الخلفية، فهناك عدد من الضباط السابقين في القوات الخاصة الاميركية الذين يرافقون وحدات الشرطة العراقية اثناء استجواب المعتقلين في مراكز يروي ماس بعض ما شاهده وسمعه في واحد منها في سامراء. ويسجل الصحافي الاميركي بقدر من الانزعاج ما يقوم به افراد القوات الخاصة في الشرطة العراقية من اعتداءت متكررة بالضرب والتعذيب والتهديد والترويع لمن يشتبهون بأنهم من المتمردين وحتى لافراد عائلاتهم الذين يشك افراد الشرطة في امتلاكهم معلومات عن اقربائهم الهاربين. وإذ يحاول التحقيق ان يحمل الشرطة العراقية مسؤولية التعذيب الذي يصيب المشتبه بتأييدهم للمتمردين معيدا تبني هذه الاستراتيجية الوقائية الى وزير الداخلية في الحكومة السابقة، فلاح النقيب، يُغفل نقطة مركزية هي ان الصراع في العراق ليس اهليا بالكامل، أي ان الاساليب التي استخدمت في احتواء ثورات اميركا الجنوبية قد لا تنجح هنا بغض النظر عما يقوله المعتقلون في برنامج <<الارهاب في قبضة العدالة>>، وما يكشفونه من دوافع لا تتسم كلها بالسمو والروح الوطنية. |