حرب تحرير.. وحرب احتلال من أوروبا الحديث نفسه عن الحرية والديمقراطية أعاده بوش على مسامع العالم، ليشيد بحرب تحرير شاركت فيها بلاده قبل 60 عاماً لتخليص الشعوب الأوروبية من الاحتلال النازي، وكان لا بد له من التباهي مجدداً بتكرار الحديث عن حرب الحرية الجديدة التي يقودها في العالم، ومنها في أوروبا نفسها، جورجيا وأوكرانيا مثلاً التي وصفها بالديمقراطيات الجديدة في القارة التي آزرتها واشنطن ولا تزال، للتحرر من هيمنة «التسلط» الروسي بعدما سماه «الاحتلال» السوفييتي. وطبعاً لمنطقتنا الحظوة الأولى لدى بوش في حربه هذه، فهو لا ينسى في كل حديث له أن يقدم العراق كخير مثال على انتصار الحرية واعداً بقية دولها بالخير نفسه! لكن بوش حتى الآن تخونه قدرته على التعبير والتوصيف ويبدو مستشارو إدارته كذلك، فأي منهم لم يُسد له نصيحة بضرورة إعطاء تسمية أدق لهذه الحرب، فما يقوده ليس حرب حرية بل هي حرب احتلال حقيقية سواء بقوة السلاح كما هو الحال في أفغانستان والعراق، أو بزرع الاضطرابات والقلاقل لتولية أنظمة حليفة للولايات المتحدة في دول تريد إدارته تحويلها إلى قاعدة أميركية لتتحكم وتسيطر عليها وعلى محيطها، والأمثلة هنا معروفة.. فهل يحتفل العالم بعد 60 عاماً بذكرى تحرير شعوب المنطقة من الاحتلال الأميركي؟ أيضاً يفوت بوش ومستشاروه مسألة بدت شديدة الوضوح مؤخراً، فكلما أكثر بوش من الحديث عن انتصار الحرية في العراق كما حدث في الأسبوعين الماضيين، كلما شهدنا تصاعداً في وتيرة العمليات التي تحصد أرواح العراقيين دون تمييز وكان آخرها أمس، بينما شهد الأسبوع الماضي وحده تفجير ستين سيارة مفخخة.. كل هذا لم يكن موجوداً قبل ما يسميه بوش تحرير العراق. ويفوت بوش ومستشاروه كذلك إدراك أن العالم ليس من الغباء لدرجة لا يستطيع فيها التمييز بين ما هو حرب تحرير وما هو حرب احتلال وإن كان حتى الآن يمرر كل ما تقوله واشنطن. لكن ما يلفت من حديث بوش الأوروبي جملة ملتبسة أرادها إشادة بما سماه الديمقراطيات الجديدة في أوروبا فكان أن أصابت «إسرائيل» وإرهابها، حيث قال: إن أفضل أصدقاء للحرية هم الذين ما زالت أذهانهم تنبض بذكريات القمع التي لم يمضِ زمن طويل عليها.. هل هذا يعني أن الشعب الفلسطيني بما يعانيه من قمع وإرهاب إسرائيلي يومي، يدخل ضمن قائمة أصدقاء الحرية تلك، وبالتالي وجب عليه تحريرهم، أم أن هؤلاء لا يدخلون في حسابات بوش إلا ضمن الحدود التي تريدها «إسرائيل»، وما يجوز لـ«إسرائيل» لا يجوز لغيرها..؟ هذه قاعدة يفترض بوش أنها باتت معروفة في المنطقة والعالم وبالتالي بالنسبة لنا لا فائدة تُجنى من ملاحقة ما يقوله. |