لماذا يصرخون ؟ يقال إن رفع نبرة الصوت من مؤشرات ضعف القدرة على الإقناع، يصرخ الخطباء في المساجد بالمصلين في يوم الجمعة، رغم أن الإنسان يتوجه إلى المسجد بكامل إرادته ولم يجبره أحد على الصلاة أو العقيدة، كما أن الخطاب الديني في زمننا الحاضر يجب أن يراعي وجود الغالبية من المتعلمين وحملة الشهادات العليا في صفوف المصلين . والذين يستحقون لغة تخاطب امكاناتهم العلمية، وذلك فإن وجود الوسائل الحديثة لإيصال الصوت تفترض التعامل معها بصورة حضارية، فتخيل أنك تستمع إلى خطبة الجمعة مثلاً من خلال الميكروفون وعلى مسافة لا تقل عن أربعة كيلومترات وترغب في الإصغاء إلى المواعظ التي تنفعك في دنياك وآخرتك، ولكنك لا تتمكن من استيعاب أي كلمة من التي يتفوه بها الخطيب من شدة ارتفاع الصوت، وأنت على هذا البعد، فكيف بمن هم بداخل المسجد؟ يصرخ المعلمون بداخل قاعات الدرس لإيصال المعلومة بقوة الصوت للتلاميذ وليس بقوة التمكن من المادة العلمية، لهذا نلاحظ ضعف مستوى التحصيل العلمي لدى الطلاب في المستويات الدنيا، أي لدى الطلاب الصغار، مما يبرر شكوى المدرسين الدائمة من التهاب الأحبال الصوتية، ومطالبة المدرسين في المدارس الحكومية الدائمة وبحثهم عن الواسطة التي تساعدهم على الانتقال من مهنة التدريس إلى الوظائف الإدارية في وزارة التربية. يصرخ المتحاورون في البرامج التي تبثها القنوات الفضائية، بحيث يفقد المشاهد القدرة على التركيز حول مصدر الصوت، هل هو من الرأي أو من الرأي الآخر، أوحتى تحديد الفكرة أو الرأي الذي يصارع أحدهم الآخر لفرضه بالقوة، وإن لم يستطع فرض رأيه على من يجلس بالطرف الآخر من الطاولة. أو توجس لوهلة بأن مقدم البرنامج يقف إلى جانب الرأي الآخر، فإنه يضطر وليس آسفاً على حمل أوراقه وترك محاوره ومقدم البرنامج يقلب راحتيه وقد ضاقت به الحيلة بعد النهاية المأساوية لحلقته التي تعب في الإعداد لها، حتى يهتدي به الفكر لاستغلال ما حدث بالحلقة من مفاجآت درامية للدعاية وجذب انتباه المشاهدين. يصرخ الآباء والأمهات في الأبناء بشأن سلوك معين أتى به الأبناء بعكس توقعات الآباء والأمهات أو تحصيل دراسي خيب آمالهم، فتجدهم يصرخون دون أن يتكلفوا عناء البحث الجاد عن الأسباب الفعلية لهذا السلوك. |