غيرة دولية بالتأكيد ان قدر هذه الانتخابات النيابيّة لعظيم جدّا. لا يوفر الرئيس الاميركي جورج بوش مناسبة الاّ ويتحدث عنها كعامل مجدد للحياة الديموقراطية في لبنان. ولم يعر الامين العام للأمم المتحدة كوفي أنان اهتماما استثنائيا لأي استحقاق انتخابي، كالأهتمام الذي يوليه لهذ الاستحقاق المحلي. أما الرئيس الفرنسي جاك شيراك فلم يكتف بمراقبين دولييّن لهذا الحدث، بل جيّش فريقا عريضا من المراقبين الاوروبيّين، للسهر على نزاهة، وعدالة، وحرية، وشفافيّة، وديموقراطيّة العمليّة الانتخابيّة؟!. من السذاجة التسليم ب<<عفويّة>> هذه الغيرة الدوليّة على الانتخابات، ومن الغباء الاقرار <<بشفافية هذه الهمّة غير المسبوقة>>، وبراءة طويتها. وليس صحيحا ان سياسة العالم تقررها صندوقة الاقتراع في لبنان، لتبرير هذا الاهتمام الدولي اللامحدود، بهذا الاستحقاق. هناك ما هو أعمق، وأخطر.. ومن هنا تبدأ الحسابات، وتبدأ مع هذه الحسابات الأسئلة <<الفضوليّة المقلقة>> عن حقيقة الادوار التي يضطلع بها جيش المراقبين <<من جنسيات مختلفة>>، وعن جوهرها؟، وهل المقصود الانتخابات، أم ما بعدها، والاستحقاقات التي ستلي؟. الاجوبة المتوافرة عند بعض <<المهتميّن>> لا تزال عند حدود العناوين العريضة المعروفة: هناك اولوية لأعادة إنتاج حياة سياسيّة جديدة، بعد انتهاء عهد الرعاية السوريّة. هناك اولوية إعادة ترتيب شؤون البيت اللبناني ببعديه الاقليمي والداخلي، والتوفيق بين المطالب الخارجيّة، وبين الامكانات الداخليّة، دون تعريض السلم الاهلي، الى انقسام داخلي، او الى شرخ وطني. ويعود الحديث بعد الانتخابات، عن القرار 1559، وسلاح الميليشيات اللبنانيّة، وغير اللبنانية، وعن القرار 1595، ومصير لجنة التحقيق الدوليّة، وعن القرارين 425 و426، ودور قوات الطوارىء في الجنوب، ومزارع شبعا، والخط الازرق، والخروقات الاسرائيلية، والتجديد لهذه القوات فترة ستة أشهر اعتبارا من نهاية تموز المقبل، وعن الطائف، وطوائفه، وأطيافه، والاستنسابيّة في تطبيقه، وعن الهموم السياسيّة والمالية والاقتصادية والمعيشيّة الضاغطة... المحسوم من المنظار الدولي، ان العودة للحديث عن هذه المواضيع، والملفات، لن تكون وفق معايير الحرية والسيادة والاستقلال. لن تكون <<لبنانيّة قح>>، ووفق إرادة اللبنانيين، ومزاجية عريكتهم السياسية، الطائفية، المصلحيّة. هذه العودة ستكون تحت رعاية دوليّة، ووفق توقيت دولي، وأجندة دوليّة، وجدول أعمال، وأولويات، تقتضيها مصالح دوليّة. في أفضل الاحوال، ومن باب التباهي، يمكن القول ان هناك <<شريكا دوليا>> يقاسم اللبنانيين حياتهم العامة، ويقوم بدور الناصح، والموجّه، والمحرَّض، والآمر الناهي. أما في بديهيات الاحوال، ومن باب الواقعيّة، يمكن القول ان ما يجري ليس كلّه انتخابات، وأن هذه <<العجقة>> الدوليّة، وهذا الحشد من المراقبين، والخبراء، والمخبرين، ومن <<أهل الكار، واصحاب الاختصاص>>، ليس فقط للتدقيق بالانتخابات، ولأعطاء <<شهادة حسن سلوك>> في ما بعد هذا إذا اعطيت للقول بانها كانت حرّة ونزيهة وديموقراطيّة.. هذا الحشد معني أكثر بمرحلة ما بعد الانتخابات. ومعني بالتخطيط للأسابيع، والاشهر، والسنوات المقبلة، واولوياتها، وكيفيّة التعاطي مع استحقاقاتها، ووفق اي إمكانات، وتوازنات.. إنه بالتأكيد، معنيّ في هندسة مستقبل لبنان السياسي والاقتصادي، لا بل مستقبل نظامه، والتوازنات الجديدة التي يفترض ان يقوم عليها.. ويبقى علينا ان نعرف: أي مستقبل؟، لابل أي نظام، وتوازنات؟!. |